ترك تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خلفه في المناطق التي استعادتها القوات العراقية آلافاً من العبوات الناسفة والألغام والكمائن وشراك المتفجرات، ومصائد المغفلين التي تداخلت مع الشوارع والمنازل والبنايات والأرصفة وكل شيء تقريباً.
وما إن خرج تنظيم "داعش" من تلك المدن وعاد قسم كبير من النازحين إليها، حتى بدأت مرحلة أخرى من الموت الذي لم يبرح تلك المدن، لتفتك مخلفات "داعش" بالأهالي ما بين منزل ينفجر أو عبوة هنا أو لغم هناك، ليفقد الكثيرون من جديد أطرافهم أو أرواحهم.
ولم تتمكن قوات الأمن العراقية وفرق تفكيك المتفجرات المتخصصة من تنظيف المدن المحررة من مخلفات "داعش" بشكل كامل، لصعوبة تفكيكها وطرق التفخيخ المعقدة التي اعتمدها التنظيم بشكل غير مسبوق.
محمد الدليمي (37 عاماً) فقد والده وشقيقه بعد توجههما لتفقد منزلهما في الرمادي، عقب استعادة المدينة من قبل القوات العراقية. يقول الدليمي "توجه والدي وشقيقي إلى منزلنا في الرمادي لتفقده قبل اصطحابنا للعودة جميعاً، ولكن للأسف انفجر المنزل وقتلهما بعد دخولهما بلحظات".
ويضيف الدليمي "وردني اتصال من القوات الأمنية في المدينة بأن والدي وشقيقي قتلا بانفجار منزلنا بعد دخولهما المنزل بلحظات، وسبق ذلك انفجار عشرات المنازل المفخخة راح ضحيتها مدنيون وعناصر من قوات الأمن".
ويواجه خبراء المتفجرات صعوبة بالغة في تفكيك الألغام والعبوات الناسفة التي خلفها تنظيم "داعش" في المدينة والتي لم تستثنِ شيئاً، حتى أعمدة ومحولات الكهرباء وأنابيب نقل المياه والأرصفة والمنازل والبنايات وحتى الأشجار.
كما يبين فاضل العلواني (29 عاماً) الذي عمل مع فرق إزالة المتفجرات بشكل تطوعي أن "حجم التفخيخ كبير جداً في منازل الرمادي إلى الحد الذي جعلنا لا نستطيع تفكيك أحياء بأكملها، بسبب صعوبة الوصول إلى المتفجرات، وتعقيد عمليات التفخيخ التي قام بها تنظيم "داعش".
ويتابع العلواني: "قتل عشرات المدنيين العائدين إلى الرمادي من رحلة النزوح، فضلاً عن العشرات من عناصر الأمن، خلال تفقد المنازل أو خلال عمليات تفكيك العبوات الناسفة والألغام، وما زالت المدينة تعج بآلاف الألغام والعبوات الناسفة التي لم يتم تفكيكها حتى الآن".
ولعل مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار 110 كيلومترات غرب العاصمة العراقية بغداد أكثر مدن البلاد تضرراً بعمليات التفخيخ التي استخدمها تنظيم "داعش" على مدار نحو عامين، ما تطلب تدخلاً أممياً للمساعدة في إزالة المتفجرات
وكان مجلس الأنبار كشف في تصريح سابق، أن هناك أكثر من 200 ألف لغم وعبوة ناسفة منتشرة في عموم أحياء مدينة الرمادي بحاجة لجهود مضنية لتفكيكها وإزالتها، لإبعاد الخطر عن الأهالي، لكن الخبراء واجهوا صعوبات بالغة في محاولة تفكيك جميع الألغام.
ذات الحال ينطبق على المدن التي استعادتها القوات العراقية من سيطرة تنظيم "داعش" في تكريت وبيجي وقرى وبلدات أخرى في ديالى، وإن بنسبة أقل مما في مدينة الرمادي، ولكن الخطر يبقى قائماً ليستقبل الأهالي العائدين إلى مدنهم ليلفهم الموت مرة أخرى.
وينصح خبراء المتفجرات الأهالي العائدين إلى مدنهم بعدم دخول منازلهم إلا بعد التأكد من تفتيشها من قبل القوات العراقية، ثم تفقد كل شيء في المنزل بدقة قبل دخول الأسرة بكاملها.
ويقول خبير المتفجرات، جعفر السماوي، إن "تنظيم "داعش" فخّخ حتى صنابير المياه والأثاث المنزلي والأرضيات والجدران والأبواب والشبابيك في الأحياء السكنية التي كان يسيطر عليها، وانفجرت عشرات المنازل على الأهالي وقتلت الكثير من المدنيين وعناصر الأمن".
ويضيف السماوي لـ"العربي الجديد"، أن "أنواع مختلفة من أساليب التفخيخ اتبعها تنظيم "داعش" مثل عبوات "البقلاوة" التي تكون على شكل دائرة وسطها عبوة ناسفة وعبوات الضغط وعبوات الحركة ومصائد المغفلين، وغيرها كثير ما يعقد عمليات تفكيكها كثيراً".
ويدخل أهالي المناطق المحررة رحلة أخرى مع الموت بسبب المخلفات الحربية التي تركها تنظيم "داعش" خلفه، والتفخيخ المعقد في تلك المدن الذي يجعل خبراء المتفجرات يواجهون صعوبة بالغة في إزالتها وتفكيكها.