العراق: نقل آلاف النازحين من مخيمات لأخرى يتسبب بأزمة

05 سبتمبر 2019
يرفض أهالي الشرقاط استقبال نازحي نينوى (فيسبوك)
+ الخط -

منذ أسبوع، يمنع أهالي مدينة الشرقاط التابعة لمحافظة صلاح الدين شمالي العراق استقبال النازحين الذين نقلتهم السلطات من نينوى المجاورة إلى مخيمات داخل المدينة، بحجة أنّ فيهم عائلات "قتلة" أبنائهم الذين انتموا إلى تنظيم "داعش" الإرهابي الذي احتل المحافظة عام 2014.

ومع أنّ النازحين خرجوا من المخيمات إلى مدينة تكريت، وبقوا فيها دون تقدمٍ نحو ديارهم الأصلية بقرارٍ حكومي، إلا أنّ الحكومة العراقية لم يصدر عنها أي موقفٍ بخصوص منع العودة التي تتم بمشاركة ضباط في القوات العسكرية.

"قنبلة موقوتة"، هكذا وصف عدد من الأهالي، النازحين الذين تم نقلهم بحافلات حكومية من مخيمات في نينوى، إلى ضواحي مدينة الشرقاط وآخرين قرب تكريت، ويُقدر عددهم بمئات الأسر، إذ خرجوا بتظاهراتٍ ليلية عند نقاط التفتيش ومداخل المخيم الذي أودع فيه النازحون.

غير أنّ آخرين يقولون إنّ ما يحصل مزايدة من قبل الرافضين لوجود النازحين، كونه يتواجد بين هؤلاء أطفال ونساء لا علاقة ولا ذنب لهم بما اقترفه فرد من أسرتهم سواء كان الزوج أو الابن، مشيرين إلى أنّ الشريعة والقانون العراقي لا يأخذان بجريرة الغير.

ويبرر من يرفض وجود تلك الأسر في مخيمات قرب مدينته، موقفه بالقول إنّ النازحين يحملون أفكاراً متطرفة، أو إنّهم سيتمكنون من الخروج من المخيم ويؤثرون على مجمل الأوضاع في محافظة صلاح الدين.

ويقول مسؤول محلي في ديوان محافظة صلاح الدين، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "تأزيم الموقف وتنظيم تظاهرات لم يكن عفوياً وتقف وراءه شخصيات سياسية، وقد يكون للأمر علاقة بالانتخابات المقبلة بعد أشهر من الآن (تجري الانتخابات البلدية في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)، إذ يحق للموجودين في المحافظة نفسها التصويت لمرشحي الدائرة الانتخابية".

ويضيف المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ "الحراك الرافض لوجود النازحين مبني على المبالغة وعلى حجج غير واقعية".

وتسعى السلطات العراقية في خطوة نقل النازحين إلى مخيمات في الشرقاط أو تكريت إلى إغلاق الملف بالكامل.


وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أخيراً، مقطعاً مصوراً يُظهر ضابطاً عراقياً برتبة عميد في الجيش العراقي بصلاح الدين، وهو يدخل في جدال مع أحد قادة مليشيات "الحشد الشعبي"، رافضاً دخول العائلات النازحة المنقولة من مخيمات جنوب الموصل، هو ما أدى إلى تفاعل الملف أكثر.

عضو لجنة الهجرة في البرلمان العراقي رعد الدهلكي، قال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللجنة تتابع تطورات الأحداث في محافظة صلاح الدين، فيما يتعلق بمخاوف الأهالي من عودة النازحين إلى ديارهم في تكريت والشرقاط وغيرها من المناطق".

وأضاف أنّ "الأهالي الذين خرجوا في تظاهراتٍ من أجل منع عودة النازحين، قالوا إنهم لا يريدون عودة الإرهاب، لأنّ كثيراً من هذه العوائل كان من أبنائها من اشتركوا مع تنظيم داعش حين اقتحم المناطق العراقية، وهذا الضرر الكبير الذي لحق بالعراقيين لا يعني أن يُظلم عراقيون آخرون".

ولفت إلى أنّ "المناطق المُحررة غالبيتها تعاني من هذا الفهم المغلوط، وتدفع عائلات كثيرة باتجاه عدم استقبال النازحين والأسر التي تورطت بالإرهاب، ولكن على الحكومة أن تتدخل عاجلاً، فلا علاقة للأطفال والنساء بما فعله الرجال الذين انتموا إلى داعش، وعلى الأغلب قضوا في معارك التحرير".

وأوضح الدهلكي أنّ "لجنة الهجرة خاطبت الحكومة ببرقيات من أجل التوصل إلى حلٍ للأوضاع الاجتماعية والإنسانية في صلاح الدين".


أما النائب في البرلمان عن محافظة نينوى، حسين نرمو، فقد أشار، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "العوائل ليست جميعها من داعش، والعمل يجري بالتنسيق بين محافظة نينوى وباقي المحافظات مثل الأنبار، وصلاح الدين، وفقاً لقرار مجلس الوزراء"، مبيناً أنّ "القوات الأمنية نقلت العوائل بأكثر من 12 حافلة من مخيم حمام العليل إلى مخيم بمدينة الشرقاط، وأنّ جميع تلك الأُسَر من مناطق محافظة صلاح الدين، وهناك نسبة قليلة من عوائل داعش لكن سيتم تسليمهم للأجهزة الأمنية التي ستكون ملزمة بالتدقيق بملفاتهم الأمنية".

وفي أغسطس/ آب الماضي، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنّ السلطات المحلية طردت قسراً أكثر من ألفي عراقي من مخيمات النازحين في محافظة نينوى، وأُجبر البعض على العودة إلى مناطقهم الأصلية رغم المخاوف حيال سلامتهم، بما فيها التهديد من جيرانهم السابقين الذين يعتقدون أنّ لهم علاقة بتنظيم داعش، وهوجم بعضهم منذ إجبارهم على العودة إلى ديارهم، فيما منعت السلطات في نينوى تحرك أُسر حاولت مغادرة المخيمات لتجنب الطرد".


من جهتها، أعربت الأمم المتحدة، أخيراً، عن قلقها إزاء نقل 1600 نازح داخل العراق في إطار سعي السلطات لإغلاق المخيمات بشكل عاجل، الأمر الذي أثار مخاوف الجماعات التي تدافع عن حقوق الإنسان، بعد تعرض مخيم "بساتين الشيوخ" بمحافظة صلاح الدين، الأحد الماضي، إلى هجوم بثلاث قنابل يدوية من خارج محيطه لم تسفر عن أضرار.

وقد شددت الأمم المتحدة على "ضرورة التنسيق بين سلطات المحافظات والجهات الفاعلة بالمجال الإنساني لضمان التخطيط الملائم لعمليات العودة المنظمة والطوعية والآمنة، عقب ورود معلومات تفيد بأنّ النازحين بالأنبار لم يحصلوا على التصاريح الأمنية التي تمكنهم من اجتياز حواجز التفتيش".


وقال الخبير في الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العدد الكلي لعوائل داعش في مخيمات النزوح نحو 92.728 عائلة بمعدل 371 ألف نسمة، منهم نحو 118 ألف نسمة يمكن تصنيفهم على أنهم لا يمكن دمجهم ولا يمكن عودتهم إلى مساكنهم بسبب رفض الأسر المحلية والعشائر".

وأضاف أنّه "لا توجد حلول ممكنة من حيث إدماج هذه العوائل، بعد تدقيق سلامة موقفها الأمني والفكري، فالثأر العشائري لا أحد يستطيع ردعه، وليس بمقدور الحكومة تكليف شرطي بباب كل عائلة ليحميها، وليس حلاً عزلهم في مخيمات تصنع منهم مورداً بشرياً إلى فرصة للانتقام والكراهية".

ورأى الهاشمي أنّه "كان من المفروض بعد عام 2017 أن تؤسس الجامعات العراقية زيارات ومعالجات تنفذها الكليات الشرعية والنفسية والاجتماعية والتربوية ثم تصنيفهم بحسب اللوثة التي بقيت عالقة في عقول وسلوك تلك العوائل، لتقرير عودتهم أم لا".