لم يكن التوتر الأمني على الشريط الحدودي العراقي ــ السعودي مفاجئاً، إذ استبقه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بسلسلة بيانات ومنشورات وزّعها في العراق وسورية، هاجم فيها قرار السعوديّة بإعادة فتح سفارتها في بغداد، واصفاً إياها بـ "العدو الأول لدولة الخلافة في العراق والشام". وبدا واضحاً أن "داعش"، يخطط للردّ بعمليات إرهابية لن يذهب ضحيتها سوى الأبرياء، كما هي طبيعة عملياته في العراق وسورية.
وبقيت الحدود بين العراق والسعوديّة، والممتدة على طول 814 كيلومتراً، من أكثر المناطق هدوءاً على مدى السنوات الماضية، مقارنة بالحدود السوريّة أو الإيرانيّة والتركيّة والأردنيّة التي شهدت هي الأخرى، توتّرات أمنيّة ومعارك من خلال جيوب للتنظيم المتطرف وجماعات مسلّحة أخرى مع القوات العراقيّة وشريكتها الكرديّة أو المليشيات المساندة لها. ونجحت طبيعة المنطقة الصحراوية في الغالب، والتي تصل درجة حرارتها صيفاً إلى 65 درجة مئوية، في تقليل فرص نجاح محاولات التسلّل بين البلدين أو القيام بعمليات إرهابيّة فيها من النوع المؤثّر، فضلاً عن إنشاء السلطات السعودية جدراناً وخنادق عميقة على طول الحدود، هبطت معها أسهم الجماعات المسلحة في مشاريع استغلال الحدود على نحو مماثل مع حدود سورية أو تركيا شمالاً وغرباً.
وتكتسب المنطقة المستهدفة بالتصعيد الأمني الأخير، والمعروفة باسم العناز عراقياً وجديدة عرعر سعودياً، أهميّتها من كونها منطقة جبليّة، بخلاف باقي المناطق الحدوديّة الصحراويّة. وتشكّل ما مساحته 8 في المائة فقط من طول الحدود، ويمكن بسهولة التسلّل منها وإليها، في حال انهيار القوات المرابطة على الحدين بين البلدين.
ووفقا لمصادر عراقيّة متطابقة في محافظة الأنبار ونينوى، فضلاً عن العاصمة بغداد، فقد تزامن الهجوم الانتحاري الذي استهدف قوات حرس الحدود السعودية في بلدة جديدة عرعر، المقابلة لمخفر العناز العراقي، وأسفر عن مقتل قائد عسكري سعودي رفيع وإصابة عدد من مرافقيه، مع محاولة تسلّل عكسيّة لمقاتلين من تنظيم "داعش" من العراق إلى السعودية، عند الخامسة من فجر أمس الإثنين. وجرى خلالها تفجير سيارة مفخّخة يقودها انتحاري، بالقرب من مخفر العناز، من دون أن يسفر عن أي خسائر، وذلك بعد 12 ساعة فقط، من هجوم مسلّح استهدف المنطقة ذاتها، من قبل مسلحي التنظيم وأسفر عن مقتل 4 جنود عراقيين وجرح 11 آخرين بينهم ضابط برتبة نقيب.
ويقول مسؤول عسكري رفيع في قيادة قوات حرس الحدود العراقيّة، المنطقة الثانية، لـ "العربي الجديد"، إنّ "القوات العراقية تمتلك معلومات مؤكّدة من مصادرها الاستخباريّة عن محاولة اختراق عكسيّة من العراق باتجاه السعودية". ويوضح أنّ "الهجوم الإرهابي الذي استهدف ظهر أول من أمس المخافر العراقية، كرر المحاولة بصهريج مفخّخ يقوده انتحاري، وتمكّن أفراد الجيش من إطلاق النار عليه عن بعد، ما أدّى إلى انفجاره قبل وصوله إلى المخفر، من دون أن يسفر عن أيّ خسائر ماديّة أو بشريّة".
ويشدد المصدر ذاته على أنّ "الهجوم الانتحاري الذي تعرّضت له القوات السعودية أمس، هو محاولة إشغال وارباك لها، من أجل تسلّل مقاتلين من العراق إلى السعودية"، مؤكداً أنّ "المحاولة فشلت ولم يعبر أحد من أراضينا إلى هذه البلاد، حيث تمّ صدّهم مرتين (الأحد والإثنين)، من خلال إفشال التفجير الانتحاري".
ويقول المصدر العراقي، وهو عقيد ركن في قوات حرس الحدود العراقيّة، إنّ "القوات العراقيّة زادت من تواجدها على الشريط الحدودي، الرابط بين البلدين على طول 240 كيلومتراً وهي أخطر مناطق الحدود التي تربط البلدين".
ويتزامن التوتّر الأمني على الحدود، مع زيارة رسميّة يقوم بها وفد سعودي إلى بغداد، هدفها تحديد مكان السفارة السعوديّة الجديدة، بعد 24 عاماً على إغلاقها، إثر الغزو العراقي للكويت. ويفيد بيان للخارجية العراقيّة، بأنّ "الوفد السعودي سيسمي مكان سفارته في بغداد، بطاقم دبلوماسي كامل، فضلاً عن قنصليّة في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
ولهذه الغاية، استقبل وكيل وزارة الخارجية العراقي نزار خير الله، رئيس الوفد السعودي نائب رئيس الدائرة الإعلامية في وزارة الخارجية السعودية عبد الرحمن الشهري والفريق الدبلوماسي المرافق له، وجرى الاتفاق على بدء ترتيبات افتتاح السفارة رسمياً. وترجّح مصادر حكوميّة عراقية لـ "العربي الجديد"، أن يحضر وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، حفل افتتاح السفارة الجديدة في بغداد.
ويرجّح الباحث في شؤون الجماعات المسلّحة، الدكتور إسماعيل الحمداني لـ "العربي الجديد"، وجود صلة بين قرار الرياض فتح سفارتها في بغداد والهجمات الإرهابيّة على حدودها المشتركة بين البلدين. ويقول إنّ "التصعيد الخطير على الحدود، قد يكون رداً على خطوة السعودية في إعادة علاقاتها الدبلوماسيّة مع بغداد، ويتزامن مع تبادل معلومات أمنيّة تتعلّق بالحرب على الإرهاب".
ويقول سكان قرويون في بلدة الطليحية العراقيّة، الواقعة على بعد 12 كيلومتراً، من الحدود السعودية لـ "العربي الجديد"، إنّهم شاهدوا مقاتلات تحلّق على علو منخفض في المنطقة الحدوديّة من دون معرفة هويّة تلك الطائرات، مؤكّدين أنّها لم تقصف أي هدف على الأرض".
من جهته، يوضح مقرّر لجنة الأمن والدفاع في محافظة الأنبار الحدوديّة مع السعوديّة، محمد الفهداوي في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "السلطات السعودية ومن باب الدفاع عن النفس، سيكون لها الحقّ في قصف أهداف في المناطق القريبة من أراضيها في حال اقتضت الضرورة لحماية نفسها". ويشدد على أنّ "العدو مشترك وواحد والاعتداء جاء رداً على قرار فتح السفارة وتطبيع العلاقات"، لافتاً إلى أنّه "من المؤكّد أنّ الهجوم لن يوقف التطبيع السياسي، لكنّه ثمّة مخاوف من تصاعد العمليّات الإرهابيّة على الحدود بين البلدين، وهو ما يتطلب جهوداً مشتركة، ولن تكون صعبة بسبب طبيعة المنطقة وسهولة رصد التحركات فيها".