أكد مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد" بدء وزير المالية علي علاوي منذ أيام اتصالات مكثفة مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض يسهم في تعزيز قدرة الحكومة على دفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين، والتي تتطلب شهريا نحو 4 مليارات دولار لما يصل إلى 10 ملايين موظف ومتقاعد، فضلا عن قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي وشبكة الرعاية الاجتماعية.
والشهر الماضي أقر مجلس النواب العراقي قانونا يتيح للحكومة اقتراض نحو 18 مليار دولار من الداخل والخارج لسد العجز المالي في البلاد، وقال بيان للبرلمان إن "مجلس النواب صوت على مشروع قانون الاقتراض المحلي والخارجي لتمويل العجز المالي لعام 2020".
وجاء في نص القانون تخويل وزير المالية الاتحادي صلاحية الاقتراض محليا وخارجيا، على أن تخصص مبالغ القروض الخارجية للمشاريع الاستثمارية وتنمية الأقاليم.
وحدد القانون سقفا أعلى للاقتراض بـ 5 مليارات دولار من الخارج و15 تريليون دينار (نحو 13 مليار دولار) من الداخل.
وجاء قانون الاقتراض في محاولة لتجاوز الأزمة المالية التي تصاعدت بسبب انخفاض أسعار النفط، ويكمن السبب بحسب متابعين ومسؤولين في اللجنة الاقتصادية في البرلمان في أن العراق يعتمد على الاقتصاد الأحادي النفطي فقط، والذي يشكل ما نسبته 95 في المائة من إيرادات موازنة الحكومة الاتحادية، ما أدى إلى تأثر كل القطاعات في العراق، وفي مقدمتها الموازنة التشغيلية وقطاع تمويل رواتب الموظفين الذي يشكل ما نسبته 90 في المائة من اعتمادات القطاع العام.
وقال المسؤول العراقي لـ"العربي الجديد"، إن صندوق النقد الدولي كان إيجابياً في منح العراق قروضا بشرط إصلاح نظامه ووضعه المالي والاقتصادي، من خلال القضاء على الفساد والسيطرة على جميع موارد الدولة. وأضاف أن" قيود صندوق النقد الدولي ستجبر الحكومة العراقية في المستقبل على رفع الدعم وتوسيع القاعدة الضريبية للأجور، وزيادة تسعيرة الكهرباء وفرض ضرائب على رواتب الموظفين ورفع أسعار الوقود، وغيرها من الإجراءات المجحفة والمؤلمة بالنسبة للعراقيين الذين يعانون الأزمات، كل ذلك من أجل الحصول على قروض ميسرة".
ومن جهته قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني في حديث مع "العربي الجديد" إن "العراق في ظل تراكم الأزمات وارتفاع نسبة العجز في الموازنة بات مضطرا إلى اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي، لأنه لا يمتلك بدائل آنية أخرى"، منوهاً إلى أن "الحكومة العراقية تتفاوض حاليا من أجل قرض ميسر وبنسب فوائد بسيطة، وقد تحصل على ذلك في النهاية، لكن الديون ستكون كبيرة بالمجمل على العراق، موزعة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكذلك الصين واليابان وفرنسا وكندا وبريطانيا، بنحو 60 مليار دولار في حين بلغ الدين الداخلي حتى نهاية 2019 نحو 38 ترليون دينار عراقي".
ولفت المشهداني الانتباه إلى أن ديونا بهذا الحجم ليست كبيرة في بلد مثل العراق، إذا ما أصلحت الحكومة العراقية وضعها الاقتصادي، وسيطرت على جميع موارد الدولة من منافذ وضرائب وجباية وإنهاء قضية مزدوجي الرواتب.
وتابع المشهداني حديثه قائلا إن "الخطأ الكبير في هذه القروض هو أنها تنفق في مجالات استهلاكية، بينما يفترض أن توظف في مجالات استثمارية، ومن خلال عائداتها المالية يتم تسديد الديون والفوائد المترتبة على هذه القروض".
الخطأ الكبير في هذه القروض هو أنها تنفق في مجالات استهلاكية، بينما يفترض أن توظف في مجالات استثمارية، ومن خلال عائداتها المالية يتم تسديد الديون والفوائد المترتبة على هذه القروض
وفي السياق، قال النائب في البرلمان العراق كامل الغريري في حديث مع "العربي الجديد" إن "الاقتراض سواء كان داخليا أو خارجيا سيخفف من حدة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق في الوقت الحالي، لكن نتائجه في السنوات القادمة ستكون عكسية وستتحملها الأجيال المقبلة".
وأشار الغريري إلى أن "العراق يمتلك أبوابا وخيارات كثيرة للحصول على الأموال بدلا من الاقتراض، ويمكن من خلالها تأمين رواتب الموظفين التي أصبحت مصدر قلق الحكومة، ومن أهم هذه الأبواب السيطرة على واردات المنافذ الحدودية والضرائب والجباية، حيث تؤمن هذه الأبواب نحو 15 مليار دولار سنوياً".
وتابع الغريري حديثه قائلا إن جميع الدول التي لجأت إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، باعتباره الملاذ الأخير للتزود بالسيولة ومن بينها العراق، لم تشهد زيادة في النمو أو الرخاء، بل شهدت أزمات اقتصادية مركبة ومعقدة بلغت حد الإفلاس، لافتاً الانتباه إلى أن مديونية العراق والدول المقترضة تزداد تفاقمًا من يوم إلى آخر، والفقر تتسع دائرته بلا توقف.