بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل ومدن عراقية أخرى في يونيو/ حزيران 2014، وإعلان "دولته" المزعومة هناك، أعلن العراق انتصاره على التنظيم بتحرير جميع أراضيه التي كانت خاضعة لنفوذ التنظيم. وفي الوقت الذي اعتبر فيه مراقبون أن "هذا الانتصار سيساهم كثيراً في بسط الأمن والاستقرار"، أكد سياسيون أن "العراق مقبل على حرب صعبة على الفساد قد لا تقل خطورة عن المعارك مع داعش".
في سياق انتهاء المعارك، أكد قائد عمليات الجزيرة وأعالي الفرات، الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله، أمس السبت، تحرير جميع الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم "داعش"، موضحاً في بيان أن "قوات عراقية تمسك الآن الحدود مع سورية بعد إكمال السيطرة على منفذي الوليد وربيعة الحدوديين مع الأراضي السورية".
كذلك أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس، عن تطهير مناطق الجزيرة الواقعة في صحراء محافظة الأنبار (غرب العراق)، ونينوى (شمالاً)، وهي آخر معاقل "داعش" في العراق. وأكد تمكّن القوات العراقية من السيطرة على الحدود مع سورية بشكل كامل. وأشار، في كلمة بالمؤتمر الدولي للإعلام في بغداد، إلى أن "الانتصارات التي تحققت جاءت بفعل وحدة الشعب العراقي، وهذه الانتصارات هي لجميع العالم والعرب والمسلمين".
وأضاف أن "الأمة المهزومة من الداخل لا تستطيع الانتصار على أعدائها وبالعكس"، مطالباً وسائل الإعلام بنقل الحقيقة كما هي من أجل تعميق إيمان الناس بالدولة. ولفت إلى أنه "لم يسمع من أسر ضحايا الحرب على داعش غير الفخر والاستعداد للتضحية والبطولة التي أنتجت الانتصار". وشدّد العبادي على "ضرورة الوحدة وتقوية النفس من الداخل"، داعياً إلى أن "تكون هناك شعارات مدروسة لتحقيق النصر".
في هذا السياق، رأى الخبير الأمني علي البدري، أن "نهاية الحرب على تنظيم داعش ستنقل العراق إلى مراحل متقدمة من الأمن والاستقرار، لكنها لا يمكن أن تزيل جميع الخروق الأمنية التي قد تقوم بها الخلايا النائمة في المناطق المحررة". وأوضح في حديثٍ لـ "العربي الجديد" أن "خروج العبادي منتصراً في أخطر حرب تشهدها المنطقة منذ سنوات، سيمنحه رصيداً كبيراً قد يؤهله ليكون على رأس الحكومة المقبلة".
أما القيادي في تجمّع العشائر المتصدية لـ "داعش" في الأنبار، فاضل العيساوي، فقد أكّد أن "الجميع سعيد بانتهاء الحرب على داعش"، مشيداً بدور الحكومة العراقية والقيادات الأمنية في هذه الحرب. وأضاف أن "كل حرب لها تبعات، ولا بد لنا من تلافي أية تبعات سلبية قد تنتج عن ذلك"، مطالباً في حديثٍ لـ "العربي الجديد" بـ"ضرورة الالتفات إلى مقاتلي العشائر الذين وقفوا بوجه داعش". وتابع "خاض مقاتلو العشائر معارك مع داعش قرب الحدود مع سورية، وهم موجودون في المعركة حتى نهايتها"، مذكراً العبادي بالقول "علينا ألا ننسى أن المقاتلين القبليين كانوا وما زالوا جزءاً من الحل، وليسوا جزءاً من المشكلة". وحذّر من الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، حين أمر عام 2008 بحل "الصحوات العشائرية" التي قاتلت تنظيم "القاعدة" عامي 2006 و2007.
وما إن أعلن العبادي انتهاء حربه على "داعش" حتى بدأ بتلقّي دعوات للحوار مع خصومه لإكمال متطلبات النصر. وفي هذا الصدد، دعا عضو البرلمان العراقي السابق، محمود عثمان، العبادي إلى "اعتماد الحوار من أجل حلّ جميع المشاكل العالقة مع حكومة إقليم كردستان". ولفت إلى أن "النصر على داعش يجب أن يكون مترافقاً مع حوار جاد لحل جميع المشاكل"، مشدّداً في حديث لـ "العربي الجديد" على "ضرورة تجنيب العراقيين، بجميع مكوناتهم، ويلات الحروب".
من جانبه، أكّد عضو "التحالف الوطني" الحاكم سالم الجيزاني، أن "انتصار العراق على الإرهاب يضع الحكومة أمام مسؤوليات مهمة جديدة"، موضحاً لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة مطالبة بحل الملف الكردي، والإيفاء بوعودها في ما يتعلق بالحرب على الفساد". وأضاف أنه "بعد طيّ صفحة داعش أصبح لزاماً على الحكومة البدء رسمياً بحربها على الفساد"، مبيّناً أن "الحرب على الفساد ستكون صعبة ولا تقل خطوة عن الحرب مع داعش، بسبب شمولها رؤوساً كبيرة في الدولة العراقية".
إلى ذلك، أكد عضو البرلمان العراقي محمد نوري العبد ربه أن "الحرب على الفساد التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، لن تكون سهلة، لأنها قد تطاول سياسيين متنفذين في الدولة العراقية"، مشيراً في مقابلة متلفزة إلى "وجود أطراف (لم يسمها) ستقف حجر عثرة في طريق العبادي الذي يعمل على محاسبة الفاسدين".
وسبق للعبادي أن حدّد الشهر الماضي وجهة حربه المقبلة بعد الانتصار على تنظيم "داعش"، مؤكداً أن "المعركة المقبلة ستكون ضد الفاسدين". بدورها بدأت الحكومة العراقية قبل أيام بالتهيئة لحربها على الفساد، من خلال تعيين قضاة يعملون بشكل سري لمحاسبة مسؤولين كبار في الدولة، فيما أعلنت هيئة النزاهة العراقية في وقت سابق إحالة عدد من المسؤولين البارزين إلى القضاء بتهمة "الكسب غير المشروع"، ومنع سفر آخرين من بينهم وزراء سابقون ومسؤولون حاليون.