لم تكتف الحكومة العراقية بإنهاء مجانية الرعاية الصحية التي دامت لأكثر من ثلاثة عقود، بل فرضت ضريبة على تسليم الجثث لذويها، في قرارت تقشفية أصدرتها مؤخرا تتضمن أيضا تخفيض الرواتب وتقليص النفقات.
وقوبل قرار الحكومة العراقية باستنكار من سياسيين ومواطنين، سيما مع إعلان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مطلع العام الجاري نسبة الفقر في البلاد، والتي بلغت 35 في المائة، ما يشير إلى أن ثلث العراقيين سيكونون غير قادرين على الحصول على رعاية صحية.
في مدينة "الصدر" اشتكى الأهالي من امتناع دائرة الطب العدلي في العاصمة بغداد، من تسليمهم جثث ذويهم الذين قضوا في الانفجارين الذين ضربا سوق مريدي في المدينة أمس الأحد، وأسفرا عن عشرات القتلى والجرحى.
وقالوا إن دائرة الطب العدلي رفضت تسليمهم جثث أبنائهم إلا بعد دفع مبلغ 40 ألف دينار عراقي (30 دولارا أميركيا)، ما أثار غضبهم ودفعهم لمطالبة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، التدخل لتسليمهم جثث ذويهم.
يأتي ذلك في وقت أصدرت فيه وزارة الصحة العراقية قراراً قضى باستيفاء أجور من المرضى والمراجعين للمستشفيات والمراكز الطبية الحكومية مقابل الاستشفاء، بعد 35 عاماً من مجانية الرعاية الصحية، وهو قرار يطاول ذوي الدخول المتدنية وحتى المعدمين.
أبو حازم (65 عاماً) مريض بداء بالسكري والقلب، يقول لـ"العربي الجديد"، "طلب مني المستشفى مبلغ 30 ألف دينار لقاء بعض التحاليل التي كنت أجريها مجاناً، ولا أملك هذا المبلغ الآن".
ويضيف، "نحن الفقراء ستقتلنا وزارة الصحة بهذا القرار لأننا غير قادرين على دفع أجور المستشفيات والمراكز الطبية والتحاليل والأشعة وغيرها، ومنذ 35 عاماً لم تأخذ منا وزارة الصحة أجوراً مقابل العلاج إلاّ اليوم".
ولم تكتف وزارة الصحة العراقية بفرض رسوم مالية على المرضى، بل على المراجعين ممن لديهم مرضى على أسرة الشفاء في المستشفيات.
وانتقد سياسيون وبرلمانيون وزارة الصحة وقرارات الحكومة، باستيفاء أجور من المرضى والمراجعين، واعتبروا أن القرار بحاجة لدراسة معمقة لمعرفة جدواه وتأثيره على المواطنين.
وقالت النائبة حمدية الحسيني، في تصريح صحافي إن "مثل هذه القرارات خاطئة ولا يمكن العمل بها بهذا الشكل ويمكن أن يشوبها الفساد"، معتبرة أن "تنفيذ هذه القرارات دون دراسة يعتبر خطأ جسيماً يؤثر على الدولة والمواطنين في الوقت ذاته".
وباشرت المستشفيات العراقية في يناير/كانون الثاني الماضي، تحصيل أجور المراجعات الطبية للمرضى وذويهم، وحددت مبالغ للتحليلات المرضية وأجهزة الأشعة المخصصة للكسور وكشف الأطباء والعمليات الكبرى والصغرى وباقي التخصصات الطبية.
ويعتبر نظام الرعاية الصحية في العراق من أقدم نظم الرعاية في المنطقة العربية، واستمر يقدم خدماته للمواطنين بشكل مجاني منذ عام 1970 من القرن الماضي، حيث كانت تتكفل الدولة بثمن العلاج وأجور الأجهزة ورواتب الأطباء والكوادر الطبية المختلفة.
وتأتي قرارات وزارة الصحة بتحصيل أجور المراجعات الطبية من المواطنين في وقت يعاني فيه العراق من أزمة مالية كبيرة، دفعت الحكومة العراقية لإعلان خطة تقشف شاملة تتضمن تقليل رواتب الموظفين والمتقاعدين وتقليص النفقات.
ولا يملك كثير من العراقيين رواتب حكومية، بل يعتمدون في معيشتهم على الأعمال الحرة بدخل محدود جداً ما يسبب لهم أضراراً كبيرة نتيجة تلك القرارات، وترفض الجهات الصحية في البلاد التعليق على هذه التفاصيل.
اقرأ أيضا: تبادل الاتهامات بين مسؤولين عراقيين يكشف ملفات فساد جديدة