في مقابلة صحافية، تنبأ طلال أبو غزالة، مؤسس شركة طلال أبو غزالة (تاغ)، بأن الاقتصاد العالمي مقبلٌ على كارثة اقتصادية كبرى، تتضاءل أمامها الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008. ووضع في المقابلة مقترحات للوطن العربي لتحويل هذه الكارثة الدولية إلى فرصة ثمينة.
وبمناسبة مرور عشر سنوات على الكارثة المالية الكبرى التي أدت إلى انهيار سوق المال الأميركي والدولي، وانهيار الشركة المالية الأميركية العملاقة، ليمان براذرز، فقد عقدت مؤتمرات وندوات للتداول في هذا الموضوع.
وقد تنبأ فرّاسون اقتصاديون كثيرون، مشهودٌ لهم بالسجل المتميز في مجال استجلاء الغيب الاقتصادي، بما يؤكّده أبو غزالة. وقد سبق أن غطيت جوانب من هذا الموضوع في أكثر من مقالةٍ في "العربي الجديد"، في العمود الأسبوعي كل خميس.
ومع أن بعضهم يشكك بقدرة الاقتصاديين على استجلاء المستقبل، فقد كُتبت مقالات كثيرة حول هذا الموضوع، اتهم فيها الاقتصاديون أهل السياسة بأن سلوكهم هو المتقلّب، وأن النتائج الاقتصادية لهذا التذبذب هي التي تسبب التشويش، وتجعل من المستحيل قراءة المستقبل.
وعندما يضع الاقتصاديون فرضياتهم وثوابتهم التي يبنون عليها تلك التوقعات، فإنهم يفترضون درجةً من العقلانية والسلوكية المنتظمة لصناع القرار، ويفترضون أن تلك القرارات تبنى على نماذج عقلانية تفترض درجة من الرشاد.
وبغض النظر عن هذا الجدل، تعطي الأرقام العالمية الحديثة دلالاتٍ تشبه ما جرى قبيل أحداث عام 2008، فتقول مستشارة حزب العمال البريطاني، أنا بيتيفور، والتي تنبأت بكارثة 2008، في خطابٍ لها ألقته في شهر إبريل/ نيسان الماضي في أوكلاند في نيوزيلندا، إن الولايات المتحدة تعاني من مديونيةٍ عالية جداً في القطاعين العام والخاص، وأن اقتصادها ساخن جداً.
ولكنها تؤكد كذلك على أن البنوك المركزية العالمية قد ضخت أكثر من 11 تريليون دولار أميركي في القطاعات المصرفية منذ عام 2008، وأن نسبة المديونية العالمية قد ارتفعت من 125% إلى 400% في السنوات العشر الأخيرة.
وفي الوقت الذي وصل فيه مجموع الموجودات (=المطلوبات) الدولية إلى 293 تريليون دولار، فإن مجموع الدخل العالمي لا يزيد عن 76 تريليون دولار.
أما الراصد الاقتصادي الفائز للعام 2018، النمساوي جيورج أنجيلي، فهو متفائل بأن الاقتصاد الأميركي سيكون بخير في المدى القصير.
أما بعد سنتين أو ثلاثة، فإن الأمور قد تتغير. وهو يبني قراءته هذه على القول إن الاقتصاد الأميركي ينمو بمعدل يصل إلى 3.2% سنوياً، علماً أن المعدل الأمثل في المدى الطويل هو 1.5%. وبالنسبة للبطالة فهي 8.3%، علماً أن نسبتها الفضلى في المدى الطويل هي 5%.
ويؤكد الباحث أنجيلي أن هذا كله يحدث قبل أن يبدأ أثر تخفيض الضرائب التي مرّرها الرئيس ترامب في الكونغرس بزيادة الاقتصاد نمواً.
وسوف يرفع هذا التسخين العالي للاقتصاد من وتيرة الاستهلاك بشكل عام، والنفط خصوصا.
وقد بلغ معدل إنتاج الولايات المتحدة حده الأقصى، عندما وصل إلى 11.2 مليون برميل يومياً، في الوقت الذي وصل فيه إنتاج الحد الأقصى من النفط الروسي إلى 11.5 مليون برميل.
ومع أن الاحتياطي من النفط الأميركي الخام لا يزيد عن 36 بليون برميل، إلا أن هنالك نفط قابل للاستخراج بكلف أعلى من ألاسكا، وبالحفر الأفقي قد يصل إلى حوالي 136 بليون برميل. وقد نجحت الولايات المتحدة في زيادة إنتاجها من الصخر الزيتي (غير الزيت الصخري)، ما جعلها تدّعي أنها أكبر منتج.
ولكن هنالك غموضاً بشأن مدى اعتماد أميركا على النفط المستورد والنفط المنتج محلياً، ولكن كل هذه الأرقام قد تعكس هشاشةً في سوق النفط الأميركي الذي ارتفع الطلب عليه إلى 12 أو 13 مليون برميل يومياً.
وإن حصل هذا، وتضافرت جهود المنتجين الآخرين، فقد يقفز سعر النفط إلى 150 دولاراً، وهو قريب من سعر الـ147 دولاراً الذي وصل إليه برميل النفط عام 2008 قبل الأزمة المالية العالمية.
ولذلك، يرى محللون كثيرون في كل هذه العوامل احتمالات دخول الاقتصاد الأميركي في حالة "الكساد التضخمي"، وقد يؤدي إلى انهياراتٍ في أسواق المال والعقار، وانفجار أزمة مديونيةٍ لا قبل لأحد بها.
ومتى عطست أميركا، يُصاب باقي العالم بالزكام. ومن هنا، قد يدخل العالم في أزمة كارثية أعمق مما شهدناه، وأصعب حلاً من كل الهزات السابقة.
وسيكون لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الـ(MENA) دور أساسي في إعادة إنعاش الاقتصاد العالمي إن دخل في فورة بناء وإعمار شاملة. ولكن القوى الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة والصين، قد تجد نفسها في مواجهةٍ عنيفةٍ في منطقتنا.
والمشروعات الكبرى التي تتحدّث عنها الصين، مثل "الحزام الواحد/ الطريق الواحد"، ومشروعات أخرى تناظر مشروعات أميركية قد تخلق تحالفاتٍ في المنطقة، تقف وراء أميركا وتتحالف معها.
أمامنا الفرصة، لو توحدنا وأزلنا خلافاتنا، أن نخلق لنا دوراً فاعلاً على الساحة الدولية. وما قاله أبو غزالة إننا باستثمار فرص بناء الاقتصاد المعرفي العربي، ورفع مستوى التعليم والإدارة لمواردنا، قد نقف على عتبة مرحلة جديدة، تأتي من وسط العتمة التي نحيا في داخلها. علينا أن نحطم السقف الزجاجي الذي نحيا تحته في حالة فرقةٍ وتربّص.