يعكس الصمت العربي الذي استحال مواقف خجولة بعد ساعات على إعلان الاتفاق النووي الإيراني، حجم الوهن من المحيط إلى الخليج. كما أنه يعكس كيف ظلّت دبلوماسية النظام الرسمي العربي، في مشرقه ومغربه وخليجه، تسير على مبدأ الاتكال على حالة "الستاتيكو" حيال إيران، أي الوضع القائم منذ 12 عاماً، حين بدأت مفاوضات الخمسة زائد واحد مع إدارة الرئيس الأسبق محمد خاتمي. فهذا "الستاتيكو" ضَمِن للعرب ثلاثة مكاسب: عدم مهاجمة إيران مباشرة لأي دولة عربية من جهة، ثم عدم مهاجمة إيران عسكرياً من الغرب وإسرئيل بما ينتج عن ذلك من تمدد النيران إلى كل المنطقة (وإن كان بعض العرب يرغبون في توجيه ضربة عسكرية لإيران، لكن ظلّ الموقف الرسمي العربي الغالب رافضاً فعلاً مثل هكذا خيار انتحاري)، وثالثاً حرمانها من حيازة القنبلة الذرية بما يوسّع دائرة قوة هذه الدولة التوسعية أصلاً.
هذا ما كان يناسب النظام العربي الرسمي فترةً طويلة من تسليم أوراق الدبلوماسية العربية الغائبة لواشنطن وبقية مراكز القرار في الغرب. في هذا الوقت، كانت إسرائيل تعمل بجهد استثنائي لعرقلة الوصول إلى لحظة الاتفاق التاريخي، بالتهويل والتهديد والتوسّل، وليس سراً أن حرص الكتلة الغربية على منع إيران من إنتاج القنبلة النووية، أخذ في الاعتبار الأساسي عدم كسر الاحتكار النووي للدولة العبرية في المنطقة.
اقرأ أيضاً: اتفاق نووي "تاريخي" بين إيران والغرب .. والسعودية تنتقد
فشل العرب في الإبقاء على الوضع القائم المناسب لهم، وفشلت إسرائيل في إعاقة الوصول إلى "اتفاق سيء" بمصطلحات بنيامين نتنياهو وأسلافه. الأولون فشلوا من دون أن يفعلوا شيئاً، أما دولة الاحتلال ففشلت على الرغم من جهودها، فلهذا أجر ولذاك لا شيء. فشلت تل أبيب لأن الأسطورة العربية عن أن إسرائيل تحكم أميركا وتملي إرادتها على العالم، غير صحيحة، لكنها في المقابل ستكسب جوائز ترضية "تعويضية" من نوع آخر، من واشنطن خصوصاً، على شاكلة مساعدات عسكرية ومالية والمزيد من الحصانة السياسية للعدوانية الصهيونية.
أما العرب، فباستثناء المزحة السمجة لبشار الأسد وبرقية التهنئة التي وجهها لحكام طهران، فإنّ صمتاً مطبقاً لفّ المنابر الإعلامية للدبلوماسية العربية إزاء الإعلان "التاريخي". سباق التسلح النووي في دول الخليج خصوصاً، سينطلق على الأرجح، بما أن أغلب الظنّ أن الاتفاق النووي الإيراني لا يتضمن تسوية أزمات منطقة الشرق الأوسط، من فلسطين إلى سورية فاليمن والعراق ولبنان... بالتالي، فإنّ الاعتراف الغربي الضمني بمواصلة الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط، سيعني ترك الملفات النازفة مفتوحة، جرياً على "حكمة" باراك أوباما التي أبلغها ضيوفَه الخليجيين في قمة "كامب دايفيد"، في مايو/أيار الماضي، وحرفيتها: لا أضمن لكم سوى حمايتكم من هجوم إيراني مباشر ضدكم، أما "أدوات" إيران، من حزب الله إلى النظام السوري والحوثيين، فهي شأنكم، فتصرّفوا وإلا فاصمتوا".
لا يزال مبكراً ضرب التخمينات المتعلقة بسيناريوهات خريطة، ومشهد منطقتنا على ضوء الاتفاق التاريخي. وحدها الأيام أو "ويكيليكس" مثلاً ستسمح بمعرفة ما إذا كان هناك بنود سرية سياسية أو ملاحق غير معلنة في الاتفاق من عدمه، تتعلق بتقاسم ما للنفوذ في المنطقة، أو نيات بتسويات معينة للحروب الأهلية التي تنهش أربع دول عربية مرشحة لأن تصبح خمس أو ست أو سبع دول. لكن لا مؤشرات لوجود مثل هذه البنود السرية، مجدداً نظراً لتعهدات أوباما التي قطعها منذ تسلمه السلطة في البيت الأبيض، والقائمة على الانسحاب الأميركي بقدر الإمكان من أزمات المنطقة والاكتفاء بمنع تجاوزها حدود الخطوط الحمراء (إسرائيل، طرقات النفط الرئيسية ومنابعها في الخليج، خطوط التجارة العالمية...). تزيد القناعة باستبعاد وجود ملاحق سرية سياسية حول منطقة الشرق الأوسط، عند النظر إلى فحوى نظرية أوباما خلف تسهيل التوصل إلى الاتفاق، وهي ربما من بقايا خلفيته الماركسية، والتي تفيد بتشجيع اتفاق يتيح تكوين طبقة جديدة من البورجوازية في المجتمع الإيراني الحيوي أصلاً، تستفيد بشكل رئيسي من مكاسب الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، ليصبح استمرار تطبيق الاتفاق مطلباً حيوياً ووجودياً لهذه الطبقة الوليدة بشكل لا بد أن يغير من طبيعة النظام الإيراني بنيوياً. هدف طَموح وطويل المدى، ربما لا تبدأ مؤشراته في الظهور إلا بعد ثماني سنوات بالتزامن مع الموعد المحدد في الاتفاق نفسه حول إلغاء العقوبات التي ستبقى مفروضة على التجارة بالسلاح بين إيران والخارج. بالنسبة لأوباما وفريقه، ربما بعد ثماني سنوات، لن تكون تركيبة النظام الإيراني بحاجة لإلغاء هذه العقوبات العسكرية المفروضة على طهران... وفي انتظار هذه "الطبقة الثورية" لا مشكلة أن ينقص العرب، أو تحديداً الفقراء منهم، مليوناً أو مليونين من سكانهم في حروب أهلية غير عابئة بالاتفاقات العالمية التاريخية.
هذا ما كان يناسب النظام العربي الرسمي فترةً طويلة من تسليم أوراق الدبلوماسية العربية الغائبة لواشنطن وبقية مراكز القرار في الغرب. في هذا الوقت، كانت إسرائيل تعمل بجهد استثنائي لعرقلة الوصول إلى لحظة الاتفاق التاريخي، بالتهويل والتهديد والتوسّل، وليس سراً أن حرص الكتلة الغربية على منع إيران من إنتاج القنبلة النووية، أخذ في الاعتبار الأساسي عدم كسر الاحتكار النووي للدولة العبرية في المنطقة.
فشل العرب في الإبقاء على الوضع القائم المناسب لهم، وفشلت إسرائيل في إعاقة الوصول إلى "اتفاق سيء" بمصطلحات بنيامين نتنياهو وأسلافه. الأولون فشلوا من دون أن يفعلوا شيئاً، أما دولة الاحتلال ففشلت على الرغم من جهودها، فلهذا أجر ولذاك لا شيء. فشلت تل أبيب لأن الأسطورة العربية عن أن إسرائيل تحكم أميركا وتملي إرادتها على العالم، غير صحيحة، لكنها في المقابل ستكسب جوائز ترضية "تعويضية" من نوع آخر، من واشنطن خصوصاً، على شاكلة مساعدات عسكرية ومالية والمزيد من الحصانة السياسية للعدوانية الصهيونية.
أما العرب، فباستثناء المزحة السمجة لبشار الأسد وبرقية التهنئة التي وجهها لحكام طهران، فإنّ صمتاً مطبقاً لفّ المنابر الإعلامية للدبلوماسية العربية إزاء الإعلان "التاريخي". سباق التسلح النووي في دول الخليج خصوصاً، سينطلق على الأرجح، بما أن أغلب الظنّ أن الاتفاق النووي الإيراني لا يتضمن تسوية أزمات منطقة الشرق الأوسط، من فلسطين إلى سورية فاليمن والعراق ولبنان... بالتالي، فإنّ الاعتراف الغربي الضمني بمواصلة الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط، سيعني ترك الملفات النازفة مفتوحة، جرياً على "حكمة" باراك أوباما التي أبلغها ضيوفَه الخليجيين في قمة "كامب دايفيد"، في مايو/أيار الماضي، وحرفيتها: لا أضمن لكم سوى حمايتكم من هجوم إيراني مباشر ضدكم، أما "أدوات" إيران، من حزب الله إلى النظام السوري والحوثيين، فهي شأنكم، فتصرّفوا وإلا فاصمتوا".
لا يزال مبكراً ضرب التخمينات المتعلقة بسيناريوهات خريطة، ومشهد منطقتنا على ضوء الاتفاق التاريخي. وحدها الأيام أو "ويكيليكس" مثلاً ستسمح بمعرفة ما إذا كان هناك بنود سرية سياسية أو ملاحق غير معلنة في الاتفاق من عدمه، تتعلق بتقاسم ما للنفوذ في المنطقة، أو نيات بتسويات معينة للحروب الأهلية التي تنهش أربع دول عربية مرشحة لأن تصبح خمس أو ست أو سبع دول. لكن لا مؤشرات لوجود مثل هذه البنود السرية، مجدداً نظراً لتعهدات أوباما التي قطعها منذ تسلمه السلطة في البيت الأبيض، والقائمة على الانسحاب الأميركي بقدر الإمكان من أزمات المنطقة والاكتفاء بمنع تجاوزها حدود الخطوط الحمراء (إسرائيل، طرقات النفط الرئيسية ومنابعها في الخليج، خطوط التجارة العالمية...). تزيد القناعة باستبعاد وجود ملاحق سرية سياسية حول منطقة الشرق الأوسط، عند النظر إلى فحوى نظرية أوباما خلف تسهيل التوصل إلى الاتفاق، وهي ربما من بقايا خلفيته الماركسية، والتي تفيد بتشجيع اتفاق يتيح تكوين طبقة جديدة من البورجوازية في المجتمع الإيراني الحيوي أصلاً، تستفيد بشكل رئيسي من مكاسب الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، ليصبح استمرار تطبيق الاتفاق مطلباً حيوياً ووجودياً لهذه الطبقة الوليدة بشكل لا بد أن يغير من طبيعة النظام الإيراني بنيوياً. هدف طَموح وطويل المدى، ربما لا تبدأ مؤشراته في الظهور إلا بعد ثماني سنوات بالتزامن مع الموعد المحدد في الاتفاق نفسه حول إلغاء العقوبات التي ستبقى مفروضة على التجارة بالسلاح بين إيران والخارج. بالنسبة لأوباما وفريقه، ربما بعد ثماني سنوات، لن تكون تركيبة النظام الإيراني بحاجة لإلغاء هذه العقوبات العسكرية المفروضة على طهران... وفي انتظار هذه "الطبقة الثورية" لا مشكلة أن ينقص العرب، أو تحديداً الفقراء منهم، مليوناً أو مليونين من سكانهم في حروب أهلية غير عابئة بالاتفاقات العالمية التاريخية.