28 يناير 2024
العز للرز المصري
لا أدري إذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسي اطلع، يوماً، على المثل الذي يتداوله فقراء الوطن العربي، كلما أضنتهم الفجوة الفاصلة بينهم وبين الأثرياء: "العز للرز.. والبرغل شنق حاله"، غير أنني على ثقةٍ في أن السيسي لم يجانب الصواب، وهو يضاهي أموال الخليج التي سال لعابه عليها، ذات انقلاب، بالرز، على اعتبار أن الرز يصلح، أيضاً، معياراً للتفريق بين الدول الغنية ونظيرتها الفقيرة.
كان السيسي، آنذاك، يبحث عن مزيد من "المكافآت"، لقاء الهدية التي قدمها لحلفائه، ممن حرّضوه على انقلابه العسكري ضد الديمقراطية المصرية الوليدة التي رأى فيها الحلفاء خطراً داهماً يهدّد "هدوء" المستنقع السياسي العربي الذي استكان إلى وحدانية الحاكم وربوبيته وطغيانه، خصوصاً وأنها ديمقراطيةٌ نابعةٌ من ثورة ربيع شعبي، من جهة، ولأنها تترعرع في بلد محوري مثل مصر، التي ينعكس الحدث فيها على سائر الأقطار العربية، شاء حكامها أم أبوا.
غير أن السيسي الذي لم تطمس "مكافآت الرز"، التي انهالت عليه ذاكرة "البرغل" من رأسه الفقير، أضمر في نفسه أن يردّ الصاع صاعين على أولئك الحلفاء، وبالرز أيضاً، مستخدماً، هذه المرة، سلاح "الرز المصري" الشهير.
ولئن كان التهكّم الذي صاحب عبارة السيسي عن أموال الخليج: "دوْل عندهم مصاري زي الرز"، ارتدّ مفعوله عكسياً، على السيسي نفسه، من خلال آلاف التعليقات والتغريدات التي سخرت من هذه العبارة، وأظهرت السيسي شحاذاً، ورجل مهمات قذرة، ينفذ ما يطلبه أسياده، فقد ارتأى أن ينتقم بعبارة جديدة قوامها: "دحنا عندنا رز زي المصاري"، ثم قرن القول بالفعل، بإغراق أسواق الحلفاء بالرز المصري المروي بمياه المجاري، ثم استرخى إلى جانب ترعةٍ، وراح يراقب ردود فعل من وصلتهم شحنات القمح الملوث.
والحال أن من حق السيسي أن يشمت بحلفائه، وليس من حق أحدهم أن يبدي أدنى نأمة احتجاج، وهو يلتهم الرز المصري "الدسم"، لأن هذا الرز، تحديداً، من جنس البضاعة نفسها التي قدّمها الحلفاء لإتمام الانقلاب، وما أكثرهم، لاسيما المتخفّون خلف الستائر، كالولايات المتحدة الأميركية، والغرب عموماً، فضلا عن دول عربية، فضلت التواطؤ من أمام الستار، وأشهرت موقفها علناً، بل ووعدت بتقديم "الرز" أيضاً لتوطيد الانقلاب، وطمر الديمقراطية ورموزها قتلاً وحرقاً وإخفاءً في عتمة السجون.
غير أن هؤلاء الحلفاء لم يدركوا أن هناك من بين الذين تربّوا على أخلاق البرغل، رجالاً لا تمنعهم التخمة الذاتية عن طلب المزيد، إذا تذوقوا طعم "الرز" ذات يوم، خصوصاً إذا كان هذا الرز مقترناً بنكهة السلطة والثراء، على غرار السيسي، فيصبح حالهم كحال "الهجين الذي وقع في سلة تين"، على حد تعبير مثل شعبي آخر.
معضلة من يحالفون الطغاة أنهم يستخفّون بحجم الارتدادات الزلزالية التي يمكن أن تطالهم، وتنعكس عليهم، لأن الطغاة، بوصفهم أطفالاً مدللين عند حلفائهم، يبيحون لأنفسهم الحرد والحرن، واقتراف سائر الموبقات، على اعتبار أن بدائلهم هو عين ما يخشاه الحلفاء من ثوراتٍ شعبية، وصناديق اقتراع، وحريات.
لعله درس لحلفاء السيسي، ولكل من يصنع طاغيةً، بأن من يئد حرية عليه أن يتوقع تطرفاً، ومن يغلق صندوق اقتراع، قد يفتح عليه أبواب جهنم، ومن يزرع مستبدّاً لن يحصد إلا إرهاباً، لأن الانفجار ما هو إلا حلم مكبوت يسخن ويتمدّد في أضيق حفر الظلم والعتمة.
فلتكفّ أميركا وحلفاؤها عن تبرّمهم، إذن، لأن من يحالف طاغيةً، عليه أن يتوقع "رز المجاري"، ولا يبعد أن تصل إليه عما قريب شحنات من "لحم الحمير" التي راجت تجارتها أخيراً، في مصر، عقب انقلاب السيسي، وما صوت النهيق ببعيد.
كان السيسي، آنذاك، يبحث عن مزيد من "المكافآت"، لقاء الهدية التي قدمها لحلفائه، ممن حرّضوه على انقلابه العسكري ضد الديمقراطية المصرية الوليدة التي رأى فيها الحلفاء خطراً داهماً يهدّد "هدوء" المستنقع السياسي العربي الذي استكان إلى وحدانية الحاكم وربوبيته وطغيانه، خصوصاً وأنها ديمقراطيةٌ نابعةٌ من ثورة ربيع شعبي، من جهة، ولأنها تترعرع في بلد محوري مثل مصر، التي ينعكس الحدث فيها على سائر الأقطار العربية، شاء حكامها أم أبوا.
غير أن السيسي الذي لم تطمس "مكافآت الرز"، التي انهالت عليه ذاكرة "البرغل" من رأسه الفقير، أضمر في نفسه أن يردّ الصاع صاعين على أولئك الحلفاء، وبالرز أيضاً، مستخدماً، هذه المرة، سلاح "الرز المصري" الشهير.
ولئن كان التهكّم الذي صاحب عبارة السيسي عن أموال الخليج: "دوْل عندهم مصاري زي الرز"، ارتدّ مفعوله عكسياً، على السيسي نفسه، من خلال آلاف التعليقات والتغريدات التي سخرت من هذه العبارة، وأظهرت السيسي شحاذاً، ورجل مهمات قذرة، ينفذ ما يطلبه أسياده، فقد ارتأى أن ينتقم بعبارة جديدة قوامها: "دحنا عندنا رز زي المصاري"، ثم قرن القول بالفعل، بإغراق أسواق الحلفاء بالرز المصري المروي بمياه المجاري، ثم استرخى إلى جانب ترعةٍ، وراح يراقب ردود فعل من وصلتهم شحنات القمح الملوث.
والحال أن من حق السيسي أن يشمت بحلفائه، وليس من حق أحدهم أن يبدي أدنى نأمة احتجاج، وهو يلتهم الرز المصري "الدسم"، لأن هذا الرز، تحديداً، من جنس البضاعة نفسها التي قدّمها الحلفاء لإتمام الانقلاب، وما أكثرهم، لاسيما المتخفّون خلف الستائر، كالولايات المتحدة الأميركية، والغرب عموماً، فضلا عن دول عربية، فضلت التواطؤ من أمام الستار، وأشهرت موقفها علناً، بل ووعدت بتقديم "الرز" أيضاً لتوطيد الانقلاب، وطمر الديمقراطية ورموزها قتلاً وحرقاً وإخفاءً في عتمة السجون.
غير أن هؤلاء الحلفاء لم يدركوا أن هناك من بين الذين تربّوا على أخلاق البرغل، رجالاً لا تمنعهم التخمة الذاتية عن طلب المزيد، إذا تذوقوا طعم "الرز" ذات يوم، خصوصاً إذا كان هذا الرز مقترناً بنكهة السلطة والثراء، على غرار السيسي، فيصبح حالهم كحال "الهجين الذي وقع في سلة تين"، على حد تعبير مثل شعبي آخر.
معضلة من يحالفون الطغاة أنهم يستخفّون بحجم الارتدادات الزلزالية التي يمكن أن تطالهم، وتنعكس عليهم، لأن الطغاة، بوصفهم أطفالاً مدللين عند حلفائهم، يبيحون لأنفسهم الحرد والحرن، واقتراف سائر الموبقات، على اعتبار أن بدائلهم هو عين ما يخشاه الحلفاء من ثوراتٍ شعبية، وصناديق اقتراع، وحريات.
لعله درس لحلفاء السيسي، ولكل من يصنع طاغيةً، بأن من يئد حرية عليه أن يتوقع تطرفاً، ومن يغلق صندوق اقتراع، قد يفتح عليه أبواب جهنم، ومن يزرع مستبدّاً لن يحصد إلا إرهاباً، لأن الانفجار ما هو إلا حلم مكبوت يسخن ويتمدّد في أضيق حفر الظلم والعتمة.
فلتكفّ أميركا وحلفاؤها عن تبرّمهم، إذن، لأن من يحالف طاغيةً، عليه أن يتوقع "رز المجاري"، ولا يبعد أن تصل إليه عما قريب شحنات من "لحم الحمير" التي راجت تجارتها أخيراً، في مصر، عقب انقلاب السيسي، وما صوت النهيق ببعيد.