29 نوفمبر 2016
العسكر والصندوق في مصر
ليس صندوق النقد الدولي جهة خيرية توزع المعونات والمنح المجانية، بل هو أداة في يد منظمة الأمم المتحدة لتجنب حالات عدم الاستقرار في الاقتصاد الدولي، فاستقرار السوق العالمي مقدمة على المصالح الخاصة بالدول إذا تعارضا، بمعنى أنه إذا كان استقرار البلد اقتصادياً ورفاهيته تتعارض مع استقرار التجارة العالمية، فللعالم الأولوية. لذا يحرص الصندوق على وجود تقييمات صحيحة لعملات الدول، حتى لا تتضرّر الدول المتعاملة معها اقتصاديا. ويهدف الصندوق أيضاً إلى تيسير التوسع والنمو في التجارة الدولية، فقد تسعى الدولة إلى تخفيض قيمة عملتها، من أجل إيجاد ميزة تنافسيةٍ، تساعدها على ترويج منتجاتها بأقل الأسعار، والعكس صحيح في حالة الدول التي يعتمد اقتصادها على الاستيراد، ويتصف ميزانها التجاري بالعجز شبه الدائم، ومن أجل اقتصاد عالمي مستقر، فإن الصندوق يميل دائماً إلى عدم وجود سلع تدعمها الدول، من أجل إنشاء سوق عالمي متوازن إلى حد ما.
وبهذه المقدمة البسيطة، وبالقياس على الحالة المصرية، من البديهي أن اللجوء إلى القروض من الدول الشقيقة والداعمة، والتي لا تفرض شروطاً، ولا تضع قيوداً، هي الأفضل اقتصادياً والأوفر سياسياً، إذ لا يتبعها فاتورة كبيرة من زيادة احتقان المواطن، نتيجة رفع الدعم عن المحروقات والسلع الرئيسية والحيوية، في حياة المواطنين الذي يعيشون تحت خط الفقر، والتي تتجاوز نسبتهم 26% من السكان، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري الصادرة في نهاية عام 2015، أو تخفيض قيمة العملة، وما يتبعه من زيادة أسعار معظم، إن لم يكن كل السلع والخدمات، وفرض مزيد من الضرائب على البسطاء، مثل قانون ضريبة القيمة المضافة الذي تم إقراره أخيراً.
وإذا أضفنا إلى ما سبق أن حجم الأموال التي يحتاجها الاقتصاد المصري للخروج من حالات الكبوات والفشل المتتالية، منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، وعدم الاستقرار السياسي المنعكس تأثيره المباشر على الاقتصاد، نجد أن حجم العجز في موازنة 2016/2017 بلغ 319 مليار جنيه (36 مليار دولار تقريباً) وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي والتركيبة الهيكلية لهذا الاحتياطي التي تجعله يظهر على غير الحقيقة، مع ارتفاع الدين الخارجي إلى 47.8 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2015 مقابل 43.2 مليار دولار في تاريخ الانقلاب العسكري، وارتفاع خدمة الدين الحكومي الداخلي والخارجي إلى 429 مليار جنيه (48 مليار دولار تقريباً) عام 2014/2015، فضلاً عن انهيار العملة الكائن والمتوقع.
كل ما سبق يجعلنا نتساءل هل حقاً إن قرضاً بمبلغ 12 مليار دولار كفيل بحل مشكلات مصر الاقتصادية؟ ولماذا تقبل سلطات الانقلاب تنفيذ شروط صندوق النقد؟ والإجابة يعلمها جيداً متخذ القرار في مصر، هي أن القرض الذي لن يتجاوز سوى أربعة مليارات دولار سنوياً لن يكفي ليكون مسكّناً، فضلاً عن أن يكون علاجاً للمشكلة، إذا فلماذا حالة الصخب الإعلامي المصاحبة للقرض، منذ الشروع في الحصول عليه، وفي أثناء زيارة وفد الصندوق مصر في أغسطس/ آب 2016 وحتى كتابة هذه الأسطر؟ وهل حقاً يضفي منح القرض نوعاً من الثقة في الاقتصاد المصري المنهار؟
من وجهة نظر الكاتب، لا يضفي منح القرض الثقة المزعومة، والتي يتم ترويجها في الإعلام المصري، يدلل على ذلك منح الصندوق قروضاً لدول أعلنت إفلاسها لاحقاً، مثل الأرجنتين التي تسببت قروض الصندوق في تفاقم أزمتها وإعلان إفلاسها عام 2001، لكنه يمنح قادة الانقلاب في مصر فرصة ذهبية للتعويل على سبب منطقي ووجيه، يمكن الركون إليه عند اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية على المواطن المصري الذي لا يملك حق الاعتراض، أو إبداء الرأي (شماعة بلغة المصري الفصيح)، فالضغط على المواطن واستنزافه بديل ذو فاتورة أكثر انخفاضاً من مواجهة منظومة الفساد التي ترتبط وجوداً وعدماً باستمرار العسكر في الحكم، أو مواجهة إمبراطورية العسكر الاقتصادية، والتي تؤثر سلباً على مناخ الاستثمار في ظل عدم وجود بيئةٍ تنافسيةٍ عادلة، كما أن الاتفاق، في حد ذاته، يعد حالة نجاح مصطنعة، يمكن ترويجها إعلامياً في ظل أمواج الفشل المتتالية.
لن تنجح مليارات الصندوق الزهيدة فيما فشلت في إصلاحه مليارات الخليج التي تدفقت كالسيول من يوليو/ تموز 2013 وحتى يونيو/ حزيران 2015، ثم أصبحت قطرات صغيرة بفعل انخفاض سعر البترول والمشكلات الاقتصادية التي واجهتها دول الخليج، والأسوأ لم يأت بعد، إذا لم يتم عمل مصالحة سياسية ومجتمعية، والحديث عن خطط الإصلاح الاقتصادي نوع من اللغو، إذا لم يسبقها استقرار سياسي، لن يأتي إلا بمصالحة سياسية، تستوعب كل المواطنين مع اختلاف انتمائهم السياسي، ويكمن الحل الجذري في احترام إرادة الشعب التي عبّر عنها الصندوق، وعندها قد تنعدم الحاجة للجوء لقروض الصندوق.
وبهذه المقدمة البسيطة، وبالقياس على الحالة المصرية، من البديهي أن اللجوء إلى القروض من الدول الشقيقة والداعمة، والتي لا تفرض شروطاً، ولا تضع قيوداً، هي الأفضل اقتصادياً والأوفر سياسياً، إذ لا يتبعها فاتورة كبيرة من زيادة احتقان المواطن، نتيجة رفع الدعم عن المحروقات والسلع الرئيسية والحيوية، في حياة المواطنين الذي يعيشون تحت خط الفقر، والتي تتجاوز نسبتهم 26% من السكان، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري الصادرة في نهاية عام 2015، أو تخفيض قيمة العملة، وما يتبعه من زيادة أسعار معظم، إن لم يكن كل السلع والخدمات، وفرض مزيد من الضرائب على البسطاء، مثل قانون ضريبة القيمة المضافة الذي تم إقراره أخيراً.
وإذا أضفنا إلى ما سبق أن حجم الأموال التي يحتاجها الاقتصاد المصري للخروج من حالات الكبوات والفشل المتتالية، منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، وعدم الاستقرار السياسي المنعكس تأثيره المباشر على الاقتصاد، نجد أن حجم العجز في موازنة 2016/2017 بلغ 319 مليار جنيه (36 مليار دولار تقريباً) وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي والتركيبة الهيكلية لهذا الاحتياطي التي تجعله يظهر على غير الحقيقة، مع ارتفاع الدين الخارجي إلى 47.8 مليار دولار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2015 مقابل 43.2 مليار دولار في تاريخ الانقلاب العسكري، وارتفاع خدمة الدين الحكومي الداخلي والخارجي إلى 429 مليار جنيه (48 مليار دولار تقريباً) عام 2014/2015، فضلاً عن انهيار العملة الكائن والمتوقع.
كل ما سبق يجعلنا نتساءل هل حقاً إن قرضاً بمبلغ 12 مليار دولار كفيل بحل مشكلات مصر الاقتصادية؟ ولماذا تقبل سلطات الانقلاب تنفيذ شروط صندوق النقد؟ والإجابة يعلمها جيداً متخذ القرار في مصر، هي أن القرض الذي لن يتجاوز سوى أربعة مليارات دولار سنوياً لن يكفي ليكون مسكّناً، فضلاً عن أن يكون علاجاً للمشكلة، إذا فلماذا حالة الصخب الإعلامي المصاحبة للقرض، منذ الشروع في الحصول عليه، وفي أثناء زيارة وفد الصندوق مصر في أغسطس/ آب 2016 وحتى كتابة هذه الأسطر؟ وهل حقاً يضفي منح القرض نوعاً من الثقة في الاقتصاد المصري المنهار؟
من وجهة نظر الكاتب، لا يضفي منح القرض الثقة المزعومة، والتي يتم ترويجها في الإعلام المصري، يدلل على ذلك منح الصندوق قروضاً لدول أعلنت إفلاسها لاحقاً، مثل الأرجنتين التي تسببت قروض الصندوق في تفاقم أزمتها وإعلان إفلاسها عام 2001، لكنه يمنح قادة الانقلاب في مصر فرصة ذهبية للتعويل على سبب منطقي ووجيه، يمكن الركون إليه عند اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية على المواطن المصري الذي لا يملك حق الاعتراض، أو إبداء الرأي (شماعة بلغة المصري الفصيح)، فالضغط على المواطن واستنزافه بديل ذو فاتورة أكثر انخفاضاً من مواجهة منظومة الفساد التي ترتبط وجوداً وعدماً باستمرار العسكر في الحكم، أو مواجهة إمبراطورية العسكر الاقتصادية، والتي تؤثر سلباً على مناخ الاستثمار في ظل عدم وجود بيئةٍ تنافسيةٍ عادلة، كما أن الاتفاق، في حد ذاته، يعد حالة نجاح مصطنعة، يمكن ترويجها إعلامياً في ظل أمواج الفشل المتتالية.
لن تنجح مليارات الصندوق الزهيدة فيما فشلت في إصلاحه مليارات الخليج التي تدفقت كالسيول من يوليو/ تموز 2013 وحتى يونيو/ حزيران 2015، ثم أصبحت قطرات صغيرة بفعل انخفاض سعر البترول والمشكلات الاقتصادية التي واجهتها دول الخليج، والأسوأ لم يأت بعد، إذا لم يتم عمل مصالحة سياسية ومجتمعية، والحديث عن خطط الإصلاح الاقتصادي نوع من اللغو، إذا لم يسبقها استقرار سياسي، لن يأتي إلا بمصالحة سياسية، تستوعب كل المواطنين مع اختلاف انتمائهم السياسي، ويكمن الحل الجذري في احترام إرادة الشعب التي عبّر عنها الصندوق، وعندها قد تنعدم الحاجة للجوء لقروض الصندوق.