28 يناير 2024
العشيقة الغبيّة في بلاط الأسد
ماذا كان يدور في خلد الطاغية، حين قرّر أن يطلع الشعب على إصابة زوجته بسرطان الثدي، رفقة صورةٍ تعمّد أن يكون إخراجها رومانسيًّا، جمعته معها في غرفةٍ معقّمةٍ في مستشفى عسكريّ، وبدا كرجل عاشق حنون هائم القلب، وهو ينظر إليها بشغف، وعيناه محلقتان في عينيها. ولولا أنبوب المصل المثبت في يدها، لكان دعاها إلى رقصةٍ هادئة، لتكتمل صورة العشق في أعين المخدوعين بهذا الوله الذي جمع طيريْن من طيور الحب في لحظة هيام غامرة... ولربما كان أول المخدوعين هي العشيقة ذاتها التي اختارت أن تربط مصيرها بمصير طاغية.
أغلب الظن أن الزوجة العاشقة، أسماء الأسد، كانت في لحظة الشغف تلك، تستذكر علاقة الحب التي جمعت بين إيفا براون وهتلر، سيما في الأيام الأخيرة من حياتهما، حين آثرت العشيقة أن تكون إلى جانب عشيقها الطاغية حتى النهاية، في القبو المنيع، تحت مبنى الرايخ، فيما كانت قوات الحلفاء على أبواب برلين، واختارت، في نهاية المطاف، أن تتجرّع سم السيانيد، لتنتحر معه، على الرغم من أنها كان يمكن أن تنجو بحياتها من هذا المصير؛ إذ لم تكن مشاركة فعلية له في طغيانه واستبداده ومذابحه.
ولربما، كانت عاشقة الأسد تستحضر، أيضًا، المدعوّة كلارا بينتاتشي، عشيقة موسوليني، طاغية إيطاليا الفاشي، التي آثرت، هي الأخرى، أن تظلّ إلى جانب عشيقها حتى لحظة إعدامهما، معًا، وتعليقهما مقلوبيْن من أقدامهما في محطة بنزين في ميلانو.
كل هذا وارد في ذهن أسماء الأسد في تلك اللحظة التي شعرت فيها بخطر السرطان يهدّد حياتها. وليس مستبعدًا أن خيالاتها الرومانسية كانت تهيئ لها مشهدًا للموت المزدوج مع عشيقها الطاغية، الذي سيشاركها المصير ذاته، ولا بأس إذا انقلب المشهد، فكانت حياة العشيقة هي المهدّدة؛ فعلى العشيق أن يموت معها، بالسيانيد أو غيره، مثلما كانت ستفعل هي، لو كان الموت اختار بشّار قبلها، خصوصًا وأنه كان الأقرب إلى ذلك، عندما كان محاصرًا قبل سنتين في قصره، لا يحكم غير نصف العاصمة ومدينتين أو ثلاثا فقط، فهي لم تتركه وحيدًا لمصيره، بل آثرت أن تظلّ إلى جانبه، وربما كانت تخبئ في مشدّ الصدر الذي ضربه السرطان حبّة سيانيد ستبتلعها إذا اقتضت الضرورة.
ما لم تدركه أسماء الأسد، وهو الأمر الذي يدور، غالبًا، خارج نطاق الصورة الرومانسية الملتقطة في الغرفة المعقّمة في المستشفى العسكري، أن الطغاة قد عقّموا أنفسهم من أي ارتباط روحي أو جسدي مع شعوبهم، بمن فيهم زوجاتهم وعشيقاتهم وأولادهم حتى، ولا يعنيهم غير رابط واحد، هو رابط الكرسيّ، فقط.
ستكون أسماء فواز الأخرس واهمةً إذا اعتقدت، حين استبدلت اسم عائلتها بالأسد، أن مثل هذا الارتباط سيكون مصيريًّا في حياة طاغيتها الحبيب؛ لأن من يفرّط بأزيد من نصف شعبه الهارب إلى المهاجر والمنافي، لن يتوقّف عند زوجةٍ أو عشيقة، سواء إن عاشت أو ماتت، وأن من يقصف النصف المتبقي من شعبه بالبراميل المتفجّرة والغازات الكيماوية لن يقدم لزوجته أو عشيقته، في أحسن الأحوال، غير "جرعة كيماوي"، إذا شعر بأنها باتت تمثل عبئًا عليه، أو تُشغله عن ممارسة سلطته واستبداده، فمثل هؤلاء تتجلّد قلوبهم وتنطفئ أعينهم، حالما يعتلون عروشهم.
وستكون أسماء الأسد من الغباء بمكان، إذا ظنّت أن الصورة التي أمر طاغيتها بتعميمها دليلًا على "المصير المشترك" بينهما، فهي ليست أزيد من مسحوق تجميلٍ يحتاجه الطاغية في هذه المرحلة، تحديدًا، لمحو صورة السّفاح التي احتلت المشهدين، السوري والعالمي، طوال خمس سنوات، وسيكون محتاجًا للظهور بمظهر الزوج الحاني، علّه يطمس مشهد "الجاني" من الأذهان التي لن تراه بعد اليوم إلا على تلك الصورة.
عمومًا، يقال إن المرض كفّارة من الذنوب.. لكن هل هناك أعظم ذنبًا ممن يعشق طاغية؟
أغلب الظن أن الزوجة العاشقة، أسماء الأسد، كانت في لحظة الشغف تلك، تستذكر علاقة الحب التي جمعت بين إيفا براون وهتلر، سيما في الأيام الأخيرة من حياتهما، حين آثرت العشيقة أن تكون إلى جانب عشيقها الطاغية حتى النهاية، في القبو المنيع، تحت مبنى الرايخ، فيما كانت قوات الحلفاء على أبواب برلين، واختارت، في نهاية المطاف، أن تتجرّع سم السيانيد، لتنتحر معه، على الرغم من أنها كان يمكن أن تنجو بحياتها من هذا المصير؛ إذ لم تكن مشاركة فعلية له في طغيانه واستبداده ومذابحه.
ولربما، كانت عاشقة الأسد تستحضر، أيضًا، المدعوّة كلارا بينتاتشي، عشيقة موسوليني، طاغية إيطاليا الفاشي، التي آثرت، هي الأخرى، أن تظلّ إلى جانب عشيقها حتى لحظة إعدامهما، معًا، وتعليقهما مقلوبيْن من أقدامهما في محطة بنزين في ميلانو.
كل هذا وارد في ذهن أسماء الأسد في تلك اللحظة التي شعرت فيها بخطر السرطان يهدّد حياتها. وليس مستبعدًا أن خيالاتها الرومانسية كانت تهيئ لها مشهدًا للموت المزدوج مع عشيقها الطاغية، الذي سيشاركها المصير ذاته، ولا بأس إذا انقلب المشهد، فكانت حياة العشيقة هي المهدّدة؛ فعلى العشيق أن يموت معها، بالسيانيد أو غيره، مثلما كانت ستفعل هي، لو كان الموت اختار بشّار قبلها، خصوصًا وأنه كان الأقرب إلى ذلك، عندما كان محاصرًا قبل سنتين في قصره، لا يحكم غير نصف العاصمة ومدينتين أو ثلاثا فقط، فهي لم تتركه وحيدًا لمصيره، بل آثرت أن تظلّ إلى جانبه، وربما كانت تخبئ في مشدّ الصدر الذي ضربه السرطان حبّة سيانيد ستبتلعها إذا اقتضت الضرورة.
ما لم تدركه أسماء الأسد، وهو الأمر الذي يدور، غالبًا، خارج نطاق الصورة الرومانسية الملتقطة في الغرفة المعقّمة في المستشفى العسكري، أن الطغاة قد عقّموا أنفسهم من أي ارتباط روحي أو جسدي مع شعوبهم، بمن فيهم زوجاتهم وعشيقاتهم وأولادهم حتى، ولا يعنيهم غير رابط واحد، هو رابط الكرسيّ، فقط.
ستكون أسماء فواز الأخرس واهمةً إذا اعتقدت، حين استبدلت اسم عائلتها بالأسد، أن مثل هذا الارتباط سيكون مصيريًّا في حياة طاغيتها الحبيب؛ لأن من يفرّط بأزيد من نصف شعبه الهارب إلى المهاجر والمنافي، لن يتوقّف عند زوجةٍ أو عشيقة، سواء إن عاشت أو ماتت، وأن من يقصف النصف المتبقي من شعبه بالبراميل المتفجّرة والغازات الكيماوية لن يقدم لزوجته أو عشيقته، في أحسن الأحوال، غير "جرعة كيماوي"، إذا شعر بأنها باتت تمثل عبئًا عليه، أو تُشغله عن ممارسة سلطته واستبداده، فمثل هؤلاء تتجلّد قلوبهم وتنطفئ أعينهم، حالما يعتلون عروشهم.
وستكون أسماء الأسد من الغباء بمكان، إذا ظنّت أن الصورة التي أمر طاغيتها بتعميمها دليلًا على "المصير المشترك" بينهما، فهي ليست أزيد من مسحوق تجميلٍ يحتاجه الطاغية في هذه المرحلة، تحديدًا، لمحو صورة السّفاح التي احتلت المشهدين، السوري والعالمي، طوال خمس سنوات، وسيكون محتاجًا للظهور بمظهر الزوج الحاني، علّه يطمس مشهد "الجاني" من الأذهان التي لن تراه بعد اليوم إلا على تلك الصورة.
عمومًا، يقال إن المرض كفّارة من الذنوب.. لكن هل هناك أعظم ذنبًا ممن يعشق طاغية؟