وفي الوقت الذي بدأت فيه الحكومة منذ سنوات عدة في اتخاذ خطوات واضحة لحل القضية الكردية ومحاولة حلحلة قضية المجازر التي تعرض لها الأرمن عام 1915، بقيت قضية العلويين عالقة حتى الآن بين وعود الحكومة والمعارضة قبل كل انتخابات، من دون أن يتخذ أي من الطرفين أي خطوات أو مبادرات تشريعية في هذا السياق، حتى أن الحكومة التركية كانت قد تراجعت عن حزمة إصلاحات في حق العلويين، كانت على وشك الإعلان عنها مع حزمة الإصلاحات التي خصّصتها للأكراد قبل الانتخابات البلدية التي أجريت في مارس/آذار الماضي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في تركيا في يونيو/حزيران من العام المقبل، تتدافع جميع الأطراف لجذب أصوات العلويين الذين يُشكّلون ما بين 10 إلى 15 في المائة من السكان، فاتخذت المعارضة ممثّلة بأكبر أحزابها حزب "الشعب الجمهوري"، خطوة أثارت الكثير من الخلافات والانقسامات في صفوفه وذلك بالاعتراف بمجزرة ديرسيم التي ارتُكبت في عهد حكم الحزب الواحد أثناء حكم "الشعب الجمهوري"، في محاولة لاستعادة أصوات العلويين بعد انفضاض جزء مهم منهم عن الحزب اعتراضاً على ترشيحه الإسلامي المحافظ، أكمل الدين إحسان، لانتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة.
ومن جهة الحكومة، فقد توجّه رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، إلى ديرسيم ليعلن مجموعة من الخطوات تجاه العلويين أثارت الكثير من الجدل، حول إن كانت حقاً انفتاحاً على العلويين أم أنها لا تعدو كونها خطوات تجميلية لا تلبي مطالبهم.
وستقوم الحكومة التركية بتحويل الثكنات العسكرية التي كانت قد بُنيت للقوات التي ارتكبت مجزرة ديرسيم إلى متحف سيضم تراث العلويين وثقافة المدينة، إضافة إلى الكثير من الخرائط والوثائق، بميزانية قدرها 10 ملايين دولار. كما ستقوم بتخصيص مبلغ 5 ملايين دولار لإصلاح وتمهيد الطرقات التي تؤدي إلى الأضرحة وبيوت الجمع العلوية في المنطقة وتجديد تلك المواقع.
ووعد داود أوغلو أيضاً بتغيير اسم جامعة تونجلي (الاسم التركي للمدينة) إلى جامعة مونزور، وهو اسم الوادي التي تقع فيه مدينة ديرسيم، كما لن يُسمح بأي تمييز عنصري ضد العلويين أثناء اختيار الدولة لموظفيها.
لكن اقتراحات داود أوغلو لم تلبِ مطالب العلويين، إذ أعلن علي أكبر يورت، رئيس جمعية العلويين، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة، بأنه شعر بسعادة كبيرة لزيارة داود أوغلو لأحد بيوت الجمع، والتي تُعتبر الزيارة الأولى لرئيس وزراء تركي لبيوت العبادة العلوية منذ تأسيس الجمهورية، مضيفاً، أنه سلّم داود أوغلو ورقة من 12 طلباً خاصاً بالعلويين.
أول تلك الطلبات ضمانة حقوق مدنية متساوية تُنهي التمييز العنصري في حق العلويين، إذ لا يوجد والٍ أو مدير عام أو وكيل وزارة من العلويين في تركيا في الوقت الحاضر.
كما طالبت الجمعية بإقرار دستور مدني ديمقراطي جديد، وإيجاد وضعية قانونية لتشريع وجود بيوت العبادة العلوية المعروفة ببيوت الجمع ومساواتها بالمساجد والكنائس والكُنُس اليهودية، وتسليم المراقد والأضرحة العلوية وبالأخص مزار حاجي بكداش إلى المجتمع العلوي.
ووجّهت الجمعية نداء إلى الحكومة لوقف سياسات الاستيعاب التي اتّبعها "انقلابيو 1980" كبناء المساجد في القرى العلوية وتعيين أئمة لها.
كما طالبت الورقة بتحويل دروس الدين الحالية إلى دروس اختيارية في المدارس التركية وتعليم المذهب العلوي، والسماح ببناء مدارس وأكاديميات علوية، ومنح استقلالية كاملة لإدارة الشؤون الدينية التركية لتتمثل فيها جميع الطوائف بشكل متساوٍ فيما يخص الميزانية، واحترام الأماكن المقدسة العلوية والحفاظ عليها وليس تدميرها بإنشاء سدود وطرقات فوقها، وإعلان يوم عاشوراء عطلة وطنية.
ودعت أيضاً إلى إعادة تسمية الجسر الثالث على البوسفور الذي كانت الحكومة قد أطلقت عليه اسم السلطان، يافوز سليم، المتهم بارتكاب مجزرة ضد العلويين ممن تمردوا عليه قبل 500 عام وتعاملوا مع الدولة الصفوية.
يُذكر بأن العلويين بقوا حتى مجيء "العدالة والتنمية" إلى الحكم يخشون حتى من التصريح عن انتمائهم أو مذهبهم، وعلى الرغم من الانفتاح الذي حصل تجاه جميع الأقليات في العقد الماضي، إلا أن ملف تركيا فيما يخص حقوق الأقليات شائك بما يستعصي حتى على الحل في ظل ظروف إقليمية منقسمة بشكل حاد على جميع المستويات المذهبية والقومية.
وينقسم العلويون في تركيا إلى جزأين رئيسيين، أولهما: العلويون البكداشيون المنتسبون للقوميتين الكردية والتركية، والذين يقطنون وسط الأناضول بشكل أساسي. وثانيهما: العلويون النصيريون العرب، والذين يقطنون ساحل المتوسط في كل من ولاية هاتي أو اسكندرون وأضنة وميرسين وصولاً إلى أنطاليا.