تتعرّض العاملات المنزليات الأجنبيات إلى انهاكات عدّة في البلدان، التي قصدنها لكسب العيش. في السعودية، يسعى المعنيون إلى تحسين ظروف هؤلاء على الرغم من ثغرات كثيرة.
منذ خمس سنوات، تحاول وزارة العمل السعودية، بالتعاون مع وزارات الداخلية والخارجية والعدل، تحديث الأنظمة والقوانين التي تحمي العمالة الوافدة في البلاد خصوصاً المنزلية منها، وحفظ حقوق السعوديين في الوقت نفسه. وقد سنّت منذ ذلك الحين قوانين وأنظمة عدّة من شأنها إعادة تحديد العلاقة القانونية بين العاملة المنزلية وبين أرباب عملها.
وتواجه وزارة العمل السعودية، منذ سنوات طويلة، مشاكل كثيرة من جرّاء تعامل بعض السعوديين غير اللائق مع العاملات المنزليات، في حين تعيد دول عدّة بعض الجرائم، التي قد تُرتكب من قبل بعض هؤلاء، إلى ذلك التعامل غير اللائق. ومن تلك الدول بنغلادش وإثيوبيا وكينيا وإندونيسيا والهند.
وعلى الرغم من بعض تحسّن ملحوظ في ملف حقوق العمالة المنزلية في السعودية، إلا أنّ اتهام دبلوماسي سعودي باغتصاب عاملته المنزلية النيبالية وابنتها في الهند، أعاد إلى الواجهة ظروف العمل واحترام حقوق العاملات المنزليات في السعودية. كثر هم الحقوقيون الذين يرون ذلك قاصراً، رافي كان واحداً منهم. هو محام متخصص في حقوق الإنسان ومن مؤسسي جمعية "لشاكتي فاهيني" التي تعنى بالاتّجار بالبشر. بالنسبة إليه، "ما حدث في الهند ليس أمراً مستغرباً، خصوصاً أنّ السعودية تعدّ الدولة الأكثر استخداماً للعمالة المنزلية التي تعود إلى بعض الدول الأكثر فقراً في العالم، مثل النيبال والفيليبين وسريلانكا. ويعمل فيها نحو 2.1 مليونَي عاملة منزلية، يمثلن 12 في المائة من العمالة الوافدة إلى البلاد التي تقدّر بنحو 11 مليون عامل وافد".
من جهته، يرفض المحامي المتخصص في حقوق الإنسان، وليد الزيد، اتهامات منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش"، التي تشير إلى أنّ "العاملات في السعودية يتعرّضن بصورة متكررة إلى انتهاكات عدّة، بما في ذلك تدنّي الأجور والاحتجاز الحصري والحرمان من الطعام والاغتصاب، من دون محاسبة أرباب أعمالهم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "القانون السعودي صارم في هذا الجانب، وهو لا يفرّق بين عامل وكفيل. كذلك فإنّ الرواتب تحدّد بالاتفاق مع الدول المصدّرة للعمالة".
وكانت تقارير حقوقية عدّة قد صدرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعضها من منظمات عالمية وأخرى من منظمات غير معروفة، تنتقد وضع العمالة في السعودية. وذلك خصوصاً بعد حملة الترحيل الكبيرة التي قامت بها السعودية، والتي استهدفت العمالة المخالفة للأنظمة. ويلفت نائب رئيس "جمعية حقوق الإنسان السعودية"، الدكتور خالد الفاخري، إلى أنّ "مشكلة بعض التقارير، أنّ من يعدّها لا يملك خلفية عن النظام القانوني المعمول به في السعودية". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "البعض ينتقد تطبيق الأنظمة في السعودية ويعدّها غير إنسانية. لكنّ من يخالف القانون يُعاقب في أية دولة من العالم". بالنسبة إليه، فإنّ "أكثر الأخطاء التي وقعت فيها تلك التقارير، هي عدم اطّلاعها على القانون السعودي عند الحديث عن قضية العمّال غير الشرعيين مثلاً. ومن حقّ السعودية تطبيق القوانين والأنظمة الخاصة بها، ومنع بقاء العمّال غير النظاميين". ويشير إلى أنّ "هذا الأمر معمول به في كلّ الدول. أمّا تلك التقارير، فتتجاهل الخطوات الواسعة التي قامت بها السعودية في سبيل حماية العمالة، مثل نظام حماية الأجور أو نظام مكافحة الاتّجار بالبشر. وهذا النوع من القوانين يسعى إلى الحدّ من الإساءة إلى العمالة".
ولعلّ أبرز الأنظمة والقوانين التي سنّتها الجهات المعنية في السعودية أخيراً، هو قانون منع المتاجرة بالعمالة المنزلية وإدراجها من ضمن جرائم الاتّجار بالبشر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن 15 سنة. وبهدف مراقبة ذلك، استحدثت وزارة العمل إدارة جديدة لمكافحة عمليات استغلال العمالة، كذلك تواصل السلطات حملات التفتيش الدورية للتحقق من تطبيق الأنظمة. وتلاحق الوزارة بالتعاون مع الأمن العام المخالفين لنظام الإقامة والعمل في السعودية، وترصد الإعلانات المتداولة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للمتاجرة بالعمالة المنزلية.
كذلك أوصت لجنة مؤلفة من وزارات الداخلية والخارجية والعمل والتنمية الاجتماعية، بدراسة فرض ضوابط للحدّ من نشاط الأشخاص، الذين يستقدمون اليد العاملة من الخارج من دون تراخيص. وقد خلصت اللجنة إلى أنّ تهريب العمالة المنزلية بقصد الاستغلال بالإكراه أو التهديد أو الخداع، يُعَدّ من صور الاتّجار بالأشخاص ويعرّض المتاجر والوسيط والمشغّل، وكل من يساعدهم في ذلك، إلى عقوبات مدرجة في نظام مكافحة جرائم الاتّجار بالأشخاص.
في هذا السياق، يقول المستشار القانوني، أحمد الراشد، إنّ "السعودية أصدرت في عام 2012 قانون الاتّجار بالبشر الذي تصل عقوبته إلى 15 عاماً، مع غرامة بقيمة 265 ألف دولار أميركي. لكنّه لم يفعّل بالكامل إلا قبل أشهر". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "تأجير العاملات بطريقة تخالف النظام هو استغلال للسلطة واستغلال لضعف العمالة. وبحكم القانون بات هذا الأمر إجراماً. كذلك فإنّ ثمّة فتاوى رسمية من هيئة كبار العلماء، تحرّم هذا الفعل وتعدّه عبودية". ويشدّد الراشد على "وجوب تطبيق القوانين بطريقة صارمة ورادعة".