شهدت الأسابيع الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية سلسلة أحداث أعادت الجدل حول تركة العنصرية وتجذرها في مؤسسات البلد إلى الواجهة. فمن تظاهرات في جامعة يال العريقة ومواجهات بين الطلبة والأساتذة بخصوص العنصريّة المبطّنة نحو الطلاب السود، إلى تظاهرات في جامعات برينستون وجورج تاون وجامعات أخرى في ذات السياق، طالب فيها الطلّاب بتغيير أسماء شخصيّات تاريخيّة كانت متورطة في تجارة العبيد تم إطلاقها على مباني هذه الجامعات. ويأتي كل هذا بعد عام شهد أحداث عنف مميتة من الشرطة في عدد من المدن الأميركية ضد شبّان سود أدّت إلى ظهور حركة احتجاجية في المدن الرئيسية بعنوان "حياة السود ذات قيمة".
ومدينة شيكاغو باتت الآن مسرحاً لتداعيات حادث سيكون له صداه في الأسابيع المقبلة. فقد رضخت شرطة المدينة هذا الأسبوع ونشرت لأول مرة شريط فيديو لحادث قتل وقع قبل أكثر من سنة للشاب الأميركي من أصول إفريقية، ليكوارن ماكدونالد، 17 عاماً، وإعدامه وسط الشارع بدم بارد على يد شرطي أبيض يدعى جيسين فانديك. ويظهر الشريط الشاب ماكدونالد يمشي بعيداً عن الشرطة من دون أن يشكّل أي خطر عليها، وإن كان يحمل سكيناً يلوّح بها. وعلى الرغم من ذلك يقوم الشرطي وبعد وصوله إلى الموقع بثلاثين ثانية بإطلاق 16 رصاصة عليه ويستمر بإطلاق النار حتى بعد سقوط الشاب على الأرض. كما ترك باقي قوات الشرطة الشاب في المكان مرمياً على الأرض من دون أي إسعاف.
لا تنتهي القصة عند مقتل الشاب، بل إن ما دار منذ أكثر من عام يطرح الكثير من الأسئلة الجديدة، وينذر بموجة جديدة من الاحتجاجات والغليان في نفوس الكثير من الشبان الأميركيين من أصول أفريقية والأقليات عامة، بعدما خرجت هذا الأسبوع تفاصيل الحادث لأول مرة لوسائل الإعلام. ولم يُكشف عن الحادث من قبل ولم تُقدّم أي لائحة اتهام ضد الشرطي إلا هذا الأسبوع، وقبل ساعات من بث الشريط، أعلن مكتب المدعية العامة تقديم لائحة اتهام ضده واتهامه بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى. وهي أول مرة خلال 35 عاماً يتم فيها توجيه اتهام بالقتل لشرطي في مدينة شيكاغو.
اقرأ أيضاً: "واشنطن بوست": تصاعد الخطاب المعادي للإسلام داخل الحزب الجمهوري
سُجلت القضية في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عند وقوعها كمسألة جنائية "عادية"؛ وقالت الشرطة إن خبراً وصلها عن حمل شاب لسكين ومحاولة سرقة إحدى السيارات وعند وصولها حاول الشاب مهاجمة عناصرها مما اضطرهم لإطلاق النار. لكن الشريط الذي خرج للصحافة بعد ضغط من قبل مؤسسات حقوقية، أظهر تفاصيل مخيفة تثبت مجدداً الفساد والعنصرية المؤسساتية المتجذرة، إذ إن مكتب المدعية العامة عرف بتفاصيل الحادثة واطلع على الشريط، الذي سجلته كاميرات الشرطة، أسابيع بعد الحادث. إلا أن المكتب لم يُقدّم أي لائحة اتهام ضد الشرطي بحجة انتظار التحقيقات الفدرالية.
كما تبيّن أن الشرطي نفسه، من غير الواضح حتى اللحظة إذا كان مع آخرين، قد توجّه إلى مطعم "ماكدونالدز" للوجبات السريعة وطلب مشاهدة تسجيلات كاميرات المراقبة للمطعم التي سجلت الحادث من زاوية أخرى، وقام بمسحها.
وعلى الرغم من أن الكثير من التفاصيل لم تتضح بعد، كما أن الشرطي لم يقدّم دفاعه أمام الإعلام، إلا أن تقديمه للمحاكمة بتهمة قتل من الدرجة الأولى يعني أن القضاء يؤمن أن القتل حدث بدم بارد من دون أي سبب "مبرر". لكن رفض الشرطة نشر الفيديو والانتظار عاماً كاملاً قبل تقديم لائحة اتهام ضده يشير إلى الإشكاليات المتجذرة في المؤسسة الأمنية الأميركية ويثير مجدداً الكثير من علامات السؤال حول نزاهتها. يُذكر أن عائلة القتيل، التي رفعت قضية ضد المدينة تمت تسويتها بدفع خمسة ملايين دولار، قد نشرت تصريحاً قبل بث الشريط تطالب فيه بالهدوء والجنوح للسلم. وكانت بلدية مدينة شيكاغو، قد حاولت منع بث الشريط لكنها خسرت المعركة في المحكمة إذ حكم القاضي لصالح صحافي كان قد رفع قضية للكشف عن الشريط.
وتأتي تداعيات هذا الحدث في مناخ تتصاعد فيه العنصريّة، وخصوصاً في صفوف بعض مرشحي وناخبي الحزب الجمهوري، ضد الأقليّات، سواء كانوا من العرب والمسلمين، أو من السود. فمن جهة هناك تصعيد وترهيب منظّم يمارسه عدد من الساسة في خطابهم وفي ممارساتهم وذلك بتقديمهم مشروع قرار يمنع دخول اللاجئين السوريين إلى البلد. ومن جهة أخرى تتصاعد وتيرة العنف ضد السود. فعلى سبيل المثال قام بعض مؤيدي المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بالاعتداء بالضرب على أحد الأميركيين من أصول أفريقية لأنه رفع شعارات مناهضة لخطابات ترامب العنصرية أمام أعينه خلال إحدى الأمسيات الداعمة لحملته. وقبل أيام قليلة كذلك اعتدت مجموعة بالسلاح أغلبها من البيض، على متظاهرين سلميين من حركة "حياة السود ذات قيمة" مما أوقع ثلاثة جرحى. كل هذا ينبئ بأن موضوع العنصرية والعنف ضد الأقليّات لن يوضع على الرف قريباً.
اقرأ أيضاً: هكذا تفادى مسلمو أميركا استفزازات العنصريين