"وكان الرمل يتقلب كموج البحر الهادر، يبتلع كل شيء أمامه، فتختفي الخيام وتنعدم الرؤية، حتى ضوء الشمس لم نعد نراه"، وفق ما تقول أمّ عبد الكريم جابر، النازحة إلى مخيم الركبان منذ نحو خمس سنوات، لـ"العربي الجديد"، وتضيف: "صرت أركض حول الخيمة أنادي الأطفال وأجمع بعض الأغراض والملابس، منها ما أدخله إلى الخيمة ومنها ما أثقله بالحجارة، قبل أن تصل العاصفة إلينا".
محاولات الاحتماء من العاصفة الرملية في مخيم الركبان غالبا ما تكون بلا جدوى، فالنازحون يقيمون في غرف طينية سقفها عبارة عن شادر من النايلون أو خيام بدائية لا تحميهم من البرد والحر ولا من الغبار، نوافذ أبوابها في الغالب هي عبارة عن بقايا بطانيات أو قطع قماش.
وتوضح النازحة أن أقصى ما يمكن أن تفعله هو أن تبقي أطفالها الأربعة داخل الخيمة، وتضع على وجوههم قطع قماش مبلولة بالماء لتخفف عنهم الغبار.
وتتابع "بعدما مرت العاصفة الرملية قبل يومين، كانت الرمال قد غطت كل شيء في الخيمة، وسقطت فوق رؤوسنا، كان الوقت حينها يقترب من موعد الإفطار، ما جعلنا نتناول فطورنا أمام الخيمة والغبار يغطينا، وبالكاد جهزنا مكانا لننام فيه، فالظلام حلّ ولا توجد لدينا كهرباء".
ويسلم سكان المخيم أمرهم لرب العالمين، بحسب ما يقول أحمد زغيرة، وهو من سكان مخيم الركبان، لـ"العربي الجديد"، مضيفا "غالبا لا يملك سكان المخيم ترف القدرة على حماية أنفسهم من العواصف الرملية، فهم يترقبون مرور العاصفة ليحصوا أضرارهم، ويبدأوا بصيانة خيامهم وغرفهم".
ولفت إلى أن "المشهد مزر جدا في المخيم، فتجد الرمال تغطي المكان، ولا شيء يحمي تلك الخيام، لا أبواب ولا نوافذ".
"العاصفة الرملية تدفن سكان المخيم وهم أحياء، وترى الناس تنهض من تحت الرمال عقب انتهاء العاصفة، حتى نشعر بالرمال في أفواهنا"، هكذا وصف عمر الحمصي، حالهم لـ"العربي الجديد"، مضيفا "مع قدوم العاصفة، نحاول إغلاق النوافذ بما يوجد من وسادات، لكن الباب، وهو عبارة عن بطانية، من الصعب إحكام إغلاقه، لذلك تدخل الرمال ويصبح الجميع بلون التراب".
وأضاف "يراقب الناس ما يحيط بهم، فقد تقع الخيمة في أي لحظة، أو يطير سقف الغرفة الطينية، الذي غالبا ما يكون إما شادر نايلون أو بعض القصب والخشب، ويحاول الرجال والنساء أن يحموا أنفسهم من الغبار ملثمين بالشماخ أو الشال، وفي بعض الأحيان تتم حماية الأطفال ومن لديهم مرض بكمامة أو رقعة ثوب".
من جانبها، تشكو أم عبدو الحمصية، العالقة في المخيم بعدما خرج زوجها جراء حالة صحية حرجة ولم يستطع العودة عقب شفائه إلى المخيم، واقع المخيم المزري، قائلة "لا توجد في المخيم كمامات واقية، ما يجعلنا نستخدم بشكيرا مبللا (فوطة) بالماء ونضعه على وجوهنا".
وتضيف "عندما أقبلت العاصفة بالكاد دخلنا خيمتنا، إلا أننا اعتدنا على العواصف، فنحن نعاني منها منذ سنوات، لكن اليوم نحن بحاجة إلى مواد غذائية، وأن تكون الأسعار بمتناول اليد، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية المتوقفة منذ نحو 8 أشهر".
بدوره، قال أبو محمد، وهو مدير نقطة شام الطبية في مخيم الركبان، لـ"العربي الجديد": "وضع أهالي الركبان جراء العاصفة الرملية كارثي، وخاصة من يعانون من ضيق تنفس وحساسية، حيث يتم إسعاف هؤلاء للنقطة الطبية داخل المخيم، ليتم تقديم الإسعافات الأولية لهم".
وبين أن "عدد الذين تم إسعافهم إلى النقطة الطبية خلال العاصفة التي ضربت المخيم، أول أمس السبت، 30 شخصا"، لافتا إلى أن النقطة بحاجة إلى أجهزة رذاذ وأوكسجين، إضافة إلى أدوية خاصة بهذه الحالات".
ويقدر عدد قاطني مخيم الركبان، بحسب مصادر محلية، بنحو 12.700 شخص، يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة بسبب الحصار المفروض عليهم من قبل النظام وروسيا ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، والتي من المقرر أن ترسلها الأمم المتحدة عن طريق مكتبها في دمشق، كما رفضت الحكومة الأردنية إدخال المساعدات للمخيم من أراضيها، الأمر الذي زاد الوضع سوءا.