"أحلى أيّام". عبارة يقولها من يلتقي صدفة بصديق أو أصدقاء الطفولة. كانت أيّام جميلة. أما اليوم، فهؤلاء أنفسهم باتوا في حالة "ركض دائمة" في ظل المسؤوليات الكثيرة. وليس أجمل من لقاءات "لمّ الشمل"
مبادرة شخصٍ من الأصدقاء القُدامى قد تُحقّق لمّ الشمل. وهؤلاء في الصورة من العام الماضي، هم تلاميذ صف الثانوية العامة قبل أكثر من عشر سنوات. "ديما ما زالت على حالها. كأنّها لم تكبر. لكنّ هنري تغيّر، يبدو أكثر همّاً، وزاد وزنه". لم يعودوا كما كانوا. في الأمس القريب، كانت الحياة هي التي تُعدّهم لخوضها. وبعدما شكّلتهم، صنعوا حيوات خاصة بهم. بات لمعظمهم شركاء حياة وأطفال وقصص، منها ما هو جميل ومنها ما يُصنّف ضمن الهموم، التي لا بدّ وأن تعترض حياة الأفراد على الأرض.
لطالما كان مشاغباً. اليوم، تصير شخصيّة التلميذ القديم هادئة. من كان يتوقّع أن يصير طبيباً، ذلك الذي كان يعدّ المقلب تلو الآخر لمدرّسيه. يُحضر إلى الصف ذلك القلم الذي يُصدر صوتاً قوياً إذا ما جلس عليه المدرّس. هو نفسه، كان يُصدر أصواتاً في الصفّ، بمشاركة آخرين، فيؤلفون فرقة مزعجة. لكنّه صار طبيباً. وحتّى اليوم، يتذكّر هذه المرحلة وبعض زملاء المدرسة الذين ما زال على تواصل معهم. إلّا أنه لا يملك الوقت للّقاءات، فقد اتخذت حياته منحى مختلفاً. فجأة، يتملّك البعض حنين إلى ذلك الزمن، هم الذين كانوا في سرعة من أمرهم لاجتيازه. يقولون: "أحلى أيّام". حتى ذلك الذي كان وحيداً بعض الشيء، وتلك التي اعتادت مرافقة صديقة واحدة فقط، تردّد أنها "الأحلى". أقلّه، "كنا أفضى بالاً". ثمّة حنين إلى مرحلة، بحلوها ومرّها، ذلك لأنّ مرّها يبقى أقلّ من مرارة الأيّام الأخرى، أم أنّ للذكريات ما يميّزها دائماً.
وكلّما تقدّم الناس في السنّ، ينظرون إلى الماضي بطريقة مختلفة، بل إنهم يقدرون لحظاته. وهم اليوم هنا بسبب كل ما حملوه من ماضيهم. فإن كان صعباً، نجح البعض في الانتفاض عليه.
كأنّ هذه المرحلة لا تكتمل إلّا بعد لقاء "لمّ الشمل". وفي لقاء كهذا، تحضر الأحداث الطريفة والمؤلمة. وما ليس متوقعاً أنّها تبقى حاضرة في أذهان الغالبية. يضحكون كأنّها حدثت للتو، وكأنّ المدرّس "الغريب الأطوار" ما زال واقفاً أمامهم. "أتذكرون ذلك اليوم، حين نام نصف التلاميذ في الصف، فيما تابع الأستاذ شرحه؟". "كنّا أجمل، وكانت الحياة أقل تعقيداً. أكثر ما كان يقلقنا هو الامتحانات". هذا ما يُجمعون عليه. أما هي، فكانت تكره أن يناديها مدرّس الرياضيات لحلّ مسألة على اللوح. وهذا ما جعلها متوتّرة في معظم الحصص، باستثناء تلك التي كانت مخصّصة للشرح.
اقــرأ أيضاً
تعليقاً على صورتهنّ معاً، كتبت على صفحتها على "فيسبوك": "اليوم استعدت مع صديقات الطفولة والدراسة البدايات والتجارب الأولى. كان زمناً جميلاً ومرحلة لا تُنسى من عمرنا. مرّ زمن على صداقتنا، كأنّه أمس. كبرنا وتفرّقنا، وشقّ كلّ واحد منا طريقه بعيداً عن مجموعتنا الصغيرة، وعن أماكننا التي نرتاح إليها: درج الدير، مقاعد الدراسة، سهرات المخيم وكزدورة بعد الظهر. لكنّ بقيت اللهفة ذاتها والمحبة ذاتها يغذيها خزان ذكريات جميل لا ينضب... لم نشبع من الحديث في لقائنا بعد أعوام طويلة من الانقطاع، على أمل أن تنضم إلينا بقيّة الشلّة". في الصورة كنّ يضحكن، كأنهنّ خارجات للتوّ من المدرسة، لكن بثياب مختلفة وشعر مصبوغ.
أما هو، فما زال يحرص على تهنئة جميع أصدقائه القدامى بأعياد ميلادهم. وقبل نحو عامين، دعاهم عبر "فيسبوك" إلى اللقاء. لم يعد الأمر سهلاً كما في السابق. ميرنا لا تستطيع الوصول إلى المكان المتّفق عليه باكراً، فقد باتت أمّاً لطفلتين. وهناك من يعمل ويعيش في الخارج. في النهاية، كانوا ستة أشخاص فقط، إلّا أنّ اللقاء كان جميلاً، تعلّق لمى. لم تتزوّج بعد. قبل اللقاء، كانت تتساءل إذا ما كان أحدهم سيحاول الاستفسار عن سبب عدم ارتباطها. لكنهم سألوا بعضهم بعضاً عن حياتهم الحالية، وعادوا أكثر إلى الماضي. تقول أُخرى: "كانت لي مجموعة صغيرة من الأصدقاء. ولطالما اعتقدت أنني لست محبوبة، وقد رافقني هذا الشعور سنوات طويلة. لكن حين جلسنا بعد كل هذه السنوات، تبدّد هذا الأمر، فهو لم يكن موجوداً أصلاً".
يشعر البعض أنّ هذه اللقاءات تخصّهم وحدهم، فلا يشركون أزواجهم أو زوجاتهم. هي جزءٌ من ماضيهم وحدهم. وحتّى حين يجتمعون بعد كلّ هذه السنوات، يعودون إليه. ولا يتعلّق الأمر بالذكريات والتفاصيل التي تجمعهم، بل بشعورهم بهذا التفلّت من ضغوط الحياة. ضحكات من القلب ما زالت على حالها. بات لكلّ واحد منهم قصص، قد لا يهمّه أن يسردها، إلا أنها موجودة وتظهر على ملامحه. ربّما يملكون اليوم أشياء كثيرة، مع ذلك، يشعرون بشيء ما ينقصهم، فيجدونه في مراهقتهم، مع المراهقين أنفسهم.
اقــرأ أيضاً
وثمّة من لا تعنيه هذه الفترة. هؤلاء يحتفظون فقط ببعض المشاهد وربّما بصديق واحد. ولا يعنيهم "لمّ الشمل". مع ذلك، يرونهم على "فيسبوك". يتابعون تعليقاتهم وصورهم، ويعرفون مهنهم وأشياء أخرى. بعضُ أصدقاء الطفولة تحوّلوا إلى أصدقاء افتراضيين لا أكثر.
مبادرة شخصٍ من الأصدقاء القُدامى قد تُحقّق لمّ الشمل. وهؤلاء في الصورة من العام الماضي، هم تلاميذ صف الثانوية العامة قبل أكثر من عشر سنوات. "ديما ما زالت على حالها. كأنّها لم تكبر. لكنّ هنري تغيّر، يبدو أكثر همّاً، وزاد وزنه". لم يعودوا كما كانوا. في الأمس القريب، كانت الحياة هي التي تُعدّهم لخوضها. وبعدما شكّلتهم، صنعوا حيوات خاصة بهم. بات لمعظمهم شركاء حياة وأطفال وقصص، منها ما هو جميل ومنها ما يُصنّف ضمن الهموم، التي لا بدّ وأن تعترض حياة الأفراد على الأرض.
لطالما كان مشاغباً. اليوم، تصير شخصيّة التلميذ القديم هادئة. من كان يتوقّع أن يصير طبيباً، ذلك الذي كان يعدّ المقلب تلو الآخر لمدرّسيه. يُحضر إلى الصف ذلك القلم الذي يُصدر صوتاً قوياً إذا ما جلس عليه المدرّس. هو نفسه، كان يُصدر أصواتاً في الصفّ، بمشاركة آخرين، فيؤلفون فرقة مزعجة. لكنّه صار طبيباً. وحتّى اليوم، يتذكّر هذه المرحلة وبعض زملاء المدرسة الذين ما زال على تواصل معهم. إلّا أنه لا يملك الوقت للّقاءات، فقد اتخذت حياته منحى مختلفاً. فجأة، يتملّك البعض حنين إلى ذلك الزمن، هم الذين كانوا في سرعة من أمرهم لاجتيازه. يقولون: "أحلى أيّام". حتى ذلك الذي كان وحيداً بعض الشيء، وتلك التي اعتادت مرافقة صديقة واحدة فقط، تردّد أنها "الأحلى". أقلّه، "كنا أفضى بالاً". ثمّة حنين إلى مرحلة، بحلوها ومرّها، ذلك لأنّ مرّها يبقى أقلّ من مرارة الأيّام الأخرى، أم أنّ للذكريات ما يميّزها دائماً.
وكلّما تقدّم الناس في السنّ، ينظرون إلى الماضي بطريقة مختلفة، بل إنهم يقدرون لحظاته. وهم اليوم هنا بسبب كل ما حملوه من ماضيهم. فإن كان صعباً، نجح البعض في الانتفاض عليه.
كأنّ هذه المرحلة لا تكتمل إلّا بعد لقاء "لمّ الشمل". وفي لقاء كهذا، تحضر الأحداث الطريفة والمؤلمة. وما ليس متوقعاً أنّها تبقى حاضرة في أذهان الغالبية. يضحكون كأنّها حدثت للتو، وكأنّ المدرّس "الغريب الأطوار" ما زال واقفاً أمامهم. "أتذكرون ذلك اليوم، حين نام نصف التلاميذ في الصف، فيما تابع الأستاذ شرحه؟". "كنّا أجمل، وكانت الحياة أقل تعقيداً. أكثر ما كان يقلقنا هو الامتحانات". هذا ما يُجمعون عليه. أما هي، فكانت تكره أن يناديها مدرّس الرياضيات لحلّ مسألة على اللوح. وهذا ما جعلها متوتّرة في معظم الحصص، باستثناء تلك التي كانت مخصّصة للشرح.
تعليقاً على صورتهنّ معاً، كتبت على صفحتها على "فيسبوك": "اليوم استعدت مع صديقات الطفولة والدراسة البدايات والتجارب الأولى. كان زمناً جميلاً ومرحلة لا تُنسى من عمرنا. مرّ زمن على صداقتنا، كأنّه أمس. كبرنا وتفرّقنا، وشقّ كلّ واحد منا طريقه بعيداً عن مجموعتنا الصغيرة، وعن أماكننا التي نرتاح إليها: درج الدير، مقاعد الدراسة، سهرات المخيم وكزدورة بعد الظهر. لكنّ بقيت اللهفة ذاتها والمحبة ذاتها يغذيها خزان ذكريات جميل لا ينضب... لم نشبع من الحديث في لقائنا بعد أعوام طويلة من الانقطاع، على أمل أن تنضم إلينا بقيّة الشلّة". في الصورة كنّ يضحكن، كأنهنّ خارجات للتوّ من المدرسة، لكن بثياب مختلفة وشعر مصبوغ.
أما هو، فما زال يحرص على تهنئة جميع أصدقائه القدامى بأعياد ميلادهم. وقبل نحو عامين، دعاهم عبر "فيسبوك" إلى اللقاء. لم يعد الأمر سهلاً كما في السابق. ميرنا لا تستطيع الوصول إلى المكان المتّفق عليه باكراً، فقد باتت أمّاً لطفلتين. وهناك من يعمل ويعيش في الخارج. في النهاية، كانوا ستة أشخاص فقط، إلّا أنّ اللقاء كان جميلاً، تعلّق لمى. لم تتزوّج بعد. قبل اللقاء، كانت تتساءل إذا ما كان أحدهم سيحاول الاستفسار عن سبب عدم ارتباطها. لكنهم سألوا بعضهم بعضاً عن حياتهم الحالية، وعادوا أكثر إلى الماضي. تقول أُخرى: "كانت لي مجموعة صغيرة من الأصدقاء. ولطالما اعتقدت أنني لست محبوبة، وقد رافقني هذا الشعور سنوات طويلة. لكن حين جلسنا بعد كل هذه السنوات، تبدّد هذا الأمر، فهو لم يكن موجوداً أصلاً".
يشعر البعض أنّ هذه اللقاءات تخصّهم وحدهم، فلا يشركون أزواجهم أو زوجاتهم. هي جزءٌ من ماضيهم وحدهم. وحتّى حين يجتمعون بعد كلّ هذه السنوات، يعودون إليه. ولا يتعلّق الأمر بالذكريات والتفاصيل التي تجمعهم، بل بشعورهم بهذا التفلّت من ضغوط الحياة. ضحكات من القلب ما زالت على حالها. بات لكلّ واحد منهم قصص، قد لا يهمّه أن يسردها، إلا أنها موجودة وتظهر على ملامحه. ربّما يملكون اليوم أشياء كثيرة، مع ذلك، يشعرون بشيء ما ينقصهم، فيجدونه في مراهقتهم، مع المراهقين أنفسهم.
وثمّة من لا تعنيه هذه الفترة. هؤلاء يحتفظون فقط ببعض المشاهد وربّما بصديق واحد. ولا يعنيهم "لمّ الشمل". مع ذلك، يرونهم على "فيسبوك". يتابعون تعليقاتهم وصورهم، ويعرفون مهنهم وأشياء أخرى. بعضُ أصدقاء الطفولة تحوّلوا إلى أصدقاء افتراضيين لا أكثر.