ازدادت الاصطفافات الفئويّة، لا سيّما المذهبية والسياسية، في اليمن. والمشكلة الأكبر عندما تعوّق حركة الفرد.
أظهرت حرب اليمن تباينات مذهبية وسياسية حادة على خلفيّة ممارسات المجموعات المسلحة المتصارعة في البلاد. فانعكس الأمر سلباً وبطريقة غير مسبوقة، على حريّة المواطن. بالتالي، أصبح حقّه بحريّة الحركة واختيار العمل مهدَّداً بممارسات تعسفية. وقد يكون التهديد أكبر عند نقاط التفتيش خصوصاً، بين المدن أو القرى.
يعاني يمنيون كثر من انتشار نقاط التفتيش، لا سيّما على طول الطريق الذي يربط بين مدينة عدن (العاصمة المؤقتة) والحدود الشمالية من محافظة لحج المجاورة. وكانت الحكومة قد وافقت على إقامة تلك النقاط، من جراء النقص في عديد القوات النظامية التي تقاتل في مناطق مختلفة. لكنّ المجموعات المسيطرة عليها تمنع دخول المواطنين من مناطق الوسط والشمال، في حال كانوا ينقلون أثاثاً منزلياً أو أدوات عمل. وفي ذلك محاولات واضحة للحؤول دون استقرارهم أو عملهم في مناطق معيّنة.
تجدر الإشارة إلى أنّ المواطنين الذين لا ينقلون معهم أياً من تلك "المحظورات"، ليسوا أفضل حالاً. هم يتعرّضون لمضايقات تطول، من خلال أسئلة تهدف إلى التحقق من أنّهم يملكون مبرراً آخر للانتقال إلى منطقة ما. فينبغي على قاصد المنطقة في مهمة عمل مؤقتة أو للسفر عبر مرافئها، أن يبرز وثيقة رسمية توضح غرض الزيارة لتسهيل مروره. وتبرّر المجموعات المسلحة (تابعة للحزام الأمني أو مجموعات سلفيّة) إجراءاتها تلك بأنّها تعمل للحؤول دون تسلل عناصر من الأطراف الأخرى وتنفيذ هجومات محتملة.
في سياق متصل، تتمتع نساء مدينة عدن بهامش واسع من حرية العمل والحركة، لكنّ الأمر ليس كذلك عند نقاط التفتيش. فعناصرها تعوّق خروجهنّ من المدينة عبر سؤالهنّ عن وجود محرم من أقاربهنّ. وكانت الباحثة الاجتماعية غادة حسين التي أعدّت مع زميلات لها في منظمة إغاثية مسحاً حول الأسر النازحة في محافظة لحج، قد اضطرّت إلى اصطحاب أخيها (15 عاماً) خلال تنقلاتها. وتوضح أنّ "المنظمة اضطرت إلى تخصيص سيارات لنا وأخرى للزملاء الذكور استجابة لشروط نقاط التفتيش (تابعة لمجموعات سلفيّة)، ثم ألزمنا باصطحاب أقرباء لنا من الدرجة الأولى في سياراتنا".
وتشير حسين إلى أنّ ذلك "دفع بالمنظمات المختلفة وبأصحاب العمل إلى تفضيل توظيف الذكور وتوكيلهم بالمهام الميدانية. يأتي ذلك، بعدما كانت الإناث هنّ المفضّلات في السابق، بسبب قدرتهنّ على العمل مع النساء والرجال على حدّ سواء".
إلى ذلك، في الجبهة الأكثر اشتعالاً في محافظة تعز (وسط)، يشتدّ التضييق على المدنيين الذين تختلف انتماءاتهم عن انتماءات عناصر نقاط التفتيش المختلفة. وقد يعمد المسلحون (تشكيلات من المقاومة الشعبيّة) في المدينة المحاصرة إلى توقيف نازح ما نجح في دخول المنطقة التي هُجّر منها لمعاينة وضع منزله أو محلّه أو ورشته أو نقل مقتنيات له، في حال شكّكوا بانتمائه. ويطالبون بتأكيد إمّا من زملاء لهم أو من مختار الحيّ، على عدم انتمائه إلى خصومهم.
من جهة أخرى، تمنع نقاط تفتيش (تابعة للحوثيين) عند معابر المدينة مرور العمال، خصوصاً الذين يشتغلون في البناء ويعانون بطالة مزمنة، على الرغم من توفّر فرص عمل بسبب حجم الدمار. ونادراً ما تسمح تلك النقاط بإدخال مواد وأدوات للبناء إلى المدينة، بحجّة الحؤول دون السماح للمجموعات المعادية ببناء متاريس أو سواتر حربية. هذا ما يؤكده عامل البناء خالد البركاني الذي يضطر إلى الانتقال يومياً من قريته غرب تعز إلى المدينة، نتيجة تدهور الأحوال المعيشية في منطقته وتوفّر فرص عمل كثيرة في مجال البناء في المدينة. يقول: "أشتري الأسمنت وأوصله إلى المدينة بسيارة النقل، عبر الالتفاف وسلوك طريق وعر نسبياً". يضيف أنّ "الرحلة تكلفني 10 آلاف ريال يمني (35 دولاراً أميركياً) وثماني ساعات، في حين لم تكن تستغرق أكثر من ساعة واحدة في السابق". على الرغم من المخاطر، يشير البركاني إلى أنّه يربح كثيراً من صفقاته بسبب الحصار وكثرة الطلب. فالأهالي في حاجة إلى المواد التي ينقلها من جهة وإلى مهارته من جهة أخرى. فهو يعمل على "سدّ أبواب أو واجهات المباني والمتاجر المتضررة، بواسطة مخلفات الطوب أو الحجارة المبعثرة في الشوارع. أمّا الهدف فمنع النهب أو إعادة بناء ما دمّرته الحرب".
أمّا في صنعاء، فيجد شبّان كثر صعوبة في الخروج من المدينة أو الدخول إليها بحرية، لا سيّما إن كانوا وافدين أو ذاهبين إلى مدينة مأرب التي تسيطر عليها القوات التابعة للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي. يُذكر أنّ نقاط التفتيش التابعة للشرعيّة وللحوثيين على حدّ سواء، تدأب على تفتيش المسافرين الشبّان تحديداً والمتنقّلين بين صنعاء ومأرب توجساً من أن يكونوا مقاتلين ويسعون إلى تنفيذ عمليات عسكرية. ويُصار إلى إنزال المسافرين الرجال من السيارات للتحقّق من هويّاتهم.
في هذا الإطار، تشدّد الباحثة الاجتماعية هند ناصر على أنّ "إعاقة حركة الناس وكذلك إعاقة ممارستهم أعمالهم على أساس الانتماء الفئوي، المذهبي أو السياسي، هي ظاهرة غير مسبوقة في اليمن، وإن كانت تسجَّل سابقاً لأسباب قبليّة في مناطق قبلية محدودة في الشمال".
وتصف ناصر الظاهرة بالخطيرة "إذ إنّها تمهّد لصراع مذهبي وفئوي حاد قريباً، يُضاف إلى الصراع السياسي الحالي". لكنّها توضح أنّ "الأخطر هو إعاقة جماعات مسلحة وصول مواد إغاثية إلى محتاجيها، والضغط عليهم للانتقال إلى بيئات أخرى من الانتماء نفسه". وتذكر أنّ "المنظمات في النهاية تعمد إلى توظيف من ينتمون إلى مذهب ومنطقة المجموعات المسيطرة على مناطق عمليات تلك المنظمات، وذلك بهدف تمرير مساعداتها من نقاط التفتيش".
تجدر الإشارة إلى أنّ خمس مجموعات شبه عسكرية رئيسية تتحكم بنقاط العبور في اليمن، وهي مجموعات الحوثيين ومجموعات الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومجموعات المقاومات المحلية في كلّ منطقة والجيش الوطني بالإضافة إلى مجموعات تابعة للتيار السلفي.