"نعم هناك آريّون سُمر البشرة أيها المتعصّبون أصحاب نظرية تفوّق العنصر الأبيض". بهذه الكلمات لخّص أستاذ التاريخ خوان كول Juan Cole في "جامعة ميتشغان" الأميركيّة ردّه على الهياج الذي استولى على العنصريين، في أوروبا وأميركا، الذين استفزّتهم مكتشفات تحدث لأول مرّة، تبيّن أن بعض الـ"فايكنغ" Vikings، سكّان اسكندنافيا، ربّما اعتنقوا الإسلام في الماضي. علا صراخ هؤلاء العنصريين واستنكروا أن يكون أفراد من "العرق الأبيض" اعتنقوا ديانة ذوي البشرة السمراء.
بدأت الإثارة التي غطتها وسائط إعلامية غربية عديدة، صحفاً ومحطات تلفاز وإذاعات، على نطاق واسع، قبل شهرين أو ثلاثة، وتصاعدت مع مطلع العام الحالي، حين عثر باحثون في السويد على حروف عربية مطرّزة على ثياب مستخدمة في دفن الموتى، وفي زوارق دفن اعتاد الفايكنغ على جعلها المثوى الأخير لموتاهم. وأثار هذا الاكتشاف أسئلة غير متوقّعة عن تأثير الإسلام في البلدان الاسكندنافية.
بالطبع لا علاقة لهذا الأمر برواية مايكل كرايتون Michael Crichton المسمّاة "آكلو الموتى" (1976) عن رحلة ابن فضلان المتخيّلة بحصانه العربي إلى اسكندنافيا هذه المرة، بل له علاقة بمادة ملموسة ووقائع؛ فهذه الثياب محفوظة منذ اكتشافها قبل مائة عام في قبور تعود إلى القرن التاسع والعاشر، وتمّ آنذاك استبعاد أن تكون من ثياب الدفن العائدة للفايكنغ، فأحيلت إلى المستودعات، إلا أن فحصاً جديداً لها ألقى أضواء غير مسبوقة على العلاقة بين الفايكنغ والعالم الإسلامي.
هذا الكشف المثير للدهشة من جانب والسخط من جانب آخر، تمّ على يد عالمة الآثار آنيكا لارسون Annika Larsson من "جامعة أوبسالا" السويدية. تقول لارسون: "إن تصاميم الحروف الهندسية الصغيرة، لا يزيد ارتفاعها عن 1.5 سم، لا تشبه أي شيء مرّ بها في السويد من قبل"، وإثر ذلك اهتمّت ببقية الثياب المهملة والمنسية بعد أن أدركت أن قماشها مصدره آسيا الوسطى، من فارس والصين. وتضيف: "لم أفهم في البداية ما تعنيه هذه التصاميم شبه الهندسية، ثم تذكّرتُ أين رأيت تصاميم مشابهة، في إسبانيا، في المنسوجات العربية".
وخلال تدقيقها لاحظت وجود كلمتين مطرّزتين بخيوط فضية وحريرية تتكرّران، تبيّنت أن إحداهما بمساعدة أحد زملائها هي كلمة "علي"، الخليفة الإسلامي الرابع، ولكن الكلمة التي تليها كانت قراءتها صعبة، ولحلّ اللغز كبّرت لارسون الحروف وفحصتها من كل الزوايا، وفجأة رأت كلمة "الله" مكتوبة عدة مرات بخط كوفي. ووجدت الاسمين يظهران معاً على عشر قطع من المئة قطعة التي تفحصها.
في ضوء ذلك أثار هذا الاكتشاف تساؤلات عن شخصية المدفونين في هذه القبور، ولم تستبعد هذه العالمة احتمال أن بعضهم كان مسلماً، خاصة أنها تعرف من فحصِ تنقيبات سابقة، وتحليل الحمض النووي الأميني لخلايا بعض المدفونين في مقابر الفايكنغ، أن أصولهم ترجع إلى بلاد فارس حيث ساد الإسلام.
الكشف عن هذا الأمر يمتدّ إلى زمن أبعد من هذه المكتشفات، فقد أشارت إلى العلاقات بين الفايكنغ والعالم الإسلامي كتابات تاريخية واكتشاف قطع نقدية إسلامية بكثرة في أنحاء مختلفة من القارّة الأوروبية. وقبل سنتين أعاد الباحثون فحص خاتم فضي اكتشف في إصبع امرأة من الفايكنغ، وعلى فصّه نقشت عبارة "الله"، بالخط الكوفي أيضاً.
الصخب الذي رافق نشر أخبار هذه المكتشفات، وجاء معظمه من المتعصبين القائلين بتفوق العرق الأبيض، كرّر ما أثاروه حين ظهر فيلم "تور" Thor للمخرج البريطاني كينيث براناه Kenneth Branagh في عام 2011، ووقف فيه الممثّل الأسمر إدريس آلبا حارساً على القنطرة السماوية "بيفروست" التي تفصل الأرض عن "آزجارد" المتخيّلة، فالفايكنغ بالنسبة لهؤلاء "أوروبيون بيض"، ولا علاقة لهم بأي صاحب بشرة سمراء لا في الماضي ولا في الحاضر.
ونتيجة لأنهم سجناء فرضيات حمقاء عن الأعراق، فقد فسّروا اكتشاف الثياب والخاتم والنقود بالقول إن الفايكنغ ربّما نهبوا بعض الأقمشة الإسلامية خلال غزواتهم وأخذوها إلى بلادهم، لأن "هؤلاء الفايكنغ لا يمكن أن يعبدوا رب سود البشرة هؤلاء أبداً". ولكن ما هو تفسيرهم للفحوص الجينية لبعض المدفونين في مواقع قبور الفايكنغ التي أظهرت أنهم من أصول شرقية، وقد تكون أصول عدد لا بأس به من الفايكنغ تعود إلى بلاد فارس أو بلاد ما بين النهرين أو المغرب العربي؟
أستاذ التاريخ خوان كول يضيف معلومات تاريخية إلى النقاش الدائر، فيكتب رداً على ما سماه "نزعة عنصرية ممقوتة" و"غباءً" هو من أكبر مشكلات هذه النزعة، أن جزيرة صقلية التي غزاها الفايكنغ في عام 860، كانت خلال الفترة كلها بين 827 و902، جزيرة يحكمها العرب المسلمون من شمال أفريقيا، الذين كانت قوّاتهم مؤلّفة من عرب وبربر وأفارقة سود، ومن لا يعتقد أن الفايكنغ امتزجوا بسكان صقلية قبل أن يعودوا إلى الشمال، بما في ذلك وجود أطفال لهم من نساء محليّات، فهو لا يعرف الكثير عن مجتمعات القرون الوسطى. إن تحوّل بعضهم إلى الإسلام أمر معقول.
وهناك أمر آخر وهو أن الفايكنغ تاجروا مع الإمبراطورية العباسية، وغزوا إسبانيا الإسلامية (الأندلس)، ولم يكونوا عنصريين، بل ولم يكونوا يعرفون ما هو العرق أصلاً. وبالنسبة لقبائلهم في القرون الوسطى، كانت مثل الأحزاب السياسية الراهنة، ينضمّ الناس إلى القبيلة الأقوى، ويجدون فجأة لهم جدّاً مشتركاً يجمعهم مع القبيلة التي انضمّوا إليها. والمعروف أن سكان الإمبراطوريات مهجّنون عادة، والفايكنغ ليسوا من عرق واحد، أو معتقد ديني واحد.
إضافة إلى أن أساطيرهم هي نسخة ثانية من الأساطير الهندية/ الأوروبية التي تشاركهم فيها الهند وإيران. وكانت معتقدات إيران القديمة تصف "قنطرة" بين السماء والأرض تماثل قنطرة "بيفروست" الشمالية، و "تور" الشمالي هو في الحقيقة نسخة عن "أندرا" أحد أبطال الفيدا الهندية.
ويختم أستاذ التاريخ مشاركته بالقول: "الأسوأ من كل هذا بالنسبة لأصحاب نظرية تفوّق العرق الأبيض، أن لا وجود لأعراق كما هو التصوّر الشعبي الشائع، فمظهر البشر الخارجي تحدّده نسبة 2% من جيناتنا، ليس من بينها الذكاء والصفات الشخصية. الإيرلنديون والصينيون أقرباء جينياً، ومع ذلك هم متباعدون على طرفي الأرض شرقاً وغرباً، وما لون الجلد إلا تكيّفٌ تفرضه الأشعة فوق البنفسجية ويتفاوت تأثيرها بتفاوت شدّة ضوء الشمس بين منطقة وأخرى.. وأخيراً ليسمح لنا المتعصّبون العنصريون؛ الفايكنغ شأنهم شأن بقية البشر، لا هم بالأفضل ولا بالأسوأ".