12 مايو 2024
الفرصة التي تمنحها "سرقة" القرن
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
عندما تصف واحدةٌ من أكثر المجلات رصانةً وعراقة، كالإيكونومست، صفقة القرن بـ "سرقة القرن"، فهذا يعني أننا لا نحتاج جهدا لإقناع العالم بالخسارة الصافية للمسروق، والربح الصافي للسارق مادياً، والعكس تماما أخلاقياً. مرحلة ترامب وصبييه، كوشنر والقهوجي (حقيقية، من يصنع له القهوة)، هي حملة علاقات عامة للقضية الفلسطينية، وهي تدخل قرنها الثاني، قضية آخر أرض مسروقة من تركة استعمار القرن الماضي.
أحسن ترامب، بفجاجته المعهودة، في تبديد أوهام "أوسلو" وما تلاه من "عملية" سلام بلا سلام. لا توجد أرضٌ وشعبٌ ولاجئون وحدود وقدس ودولة. يوجد مطوّر عقاري يريد التخلص من ساكني عشوائياتٍ، بإعادة توطينهم، وإيجاد ملاذاتٍ وبيوت إيواء لهم وفرص عمل وغير ذلك. وممكن أن يختاروا من بينهم زعيما للتعامل مع باقي البشر وشركات العقار وحماية المجتمع من شرورهم ومشكلاتهم. طبعا ليس المطوّر فاعل خير، حتى يموّل مشروعا عقاريا كهذا، اكتشف "طوليين الأعمار" الذين يريدون غسل سمعتهم كفاعلي خير.
في سرقة القرن، يغسل عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، سمعتهم على ما فعلوه في اليمن وليبيا وبلدانهم من انقلاباتٍ وجرائم بحق البشر، من جمال خاشقجي إلى جيف بيزوس، ويتبرّعون بمليارات معدودة (تكاليف حرب اليمن، وما دُفع لانقلاب السيسي أكثر منها). ويقومون بواجب الضغط على الفلسطينيين، لإيوائهم في إسكاناتٍ جديدة، وهم يدفعون كلفة الحراسة والكناسة، ويمكن أن يطلقوا على الإسكان اسم دولة، لكنها لا تملك أيا من مقوّمات الدولة، لا مطار ولا ميناء ولا حدود ولا جيش ولا قدس.
يستحق كوشنر التصفيق، وهو صهيوني مجتهد، وفيٌّ لأسرة ظلت تتبرّع لبناء المستوطنات، وتمكّن من تجنيد السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد في مشروعه العقاري، وهم منسجمون معه حتى تقنيا. لدى السيسي عاصمة إدارية جديدة عقار، ولدى ابن سلمان "نيوم" (مع إطلالة على البحر الأحمر وروبوتات) ولدى ابن زايد برج خليفة وغيرها من عقاراتٍ تستهوي العالمين. ما الفرق بين تلك المشاريع وفلسطين المستقبل؟ إطلالة على البحر ونفق تحت الأرض ومنطقة صناعات تقنية (راحت على مشروع نيوم)؟
هذه المسخرة ضرورية لإيقاظ الفلسطينيين. وحسناً فعل أبو مازن عندما لم يختم حياته بهذه السرقة. صحيحٌ أنه غير قادر على إشعال الشارع، كما فعل أبو عمّار بعد "كامب ديفيد" في العام 2000، لكنه أسهم في رفض التسليم بالسرقة. على الفلسطينيين إبداع وسائل جديدة في المقاومة، تعتمد أساسا على وحدة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والداخل والشتات. والعالم اليوم أكثر وعيا بعدالة القضية، لا يريدون دولتين، لتكن دولة واحدة على قاعدة المساواة.
تقديم الفلسطينيين كالسود في جنوب أفريقيا، يبحثون عن المساواة على أرضهم، يجد آذانا صاغية في العالم، وعلى السلطة وحركة حماس أن ينهيا مسخرة السلطة نيابةً عن الاحتلال. لا توجد سلطة ولا دولة، طالما أن إسماعيل هنية ومحمود عباس يغادران أرض فلسطين، أو سجن فلسطين، بإذنٍ من السجان. طبعا هنية بإذن من نتنياهو ومن السيسي. عليهما أن يقدّما نفسيهما للعالم باعتبارهما يديران سجنا لا وطنا. وهذا أكرم لهما من ألقابٍ لا معنى لها.
بعد قرنٍ من التهجير والقتل والتشريد، أثبت الفلسطيني أنه قادر على الصمود قرنا آخر، ولن يسلّم للسارق. أما من تعاونوا مع السارق، فقد فضحوا أنفسهم علانيةً، وما كانوا يوما إلا معه. المهم ننتظر مانديلا فلسطيني، يقود الشعب لمواجهة نظام الفصل، وتلك معركة القرن الثاني للقضية الفلسطينية.
في سرقة القرن، يغسل عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، سمعتهم على ما فعلوه في اليمن وليبيا وبلدانهم من انقلاباتٍ وجرائم بحق البشر، من جمال خاشقجي إلى جيف بيزوس، ويتبرّعون بمليارات معدودة (تكاليف حرب اليمن، وما دُفع لانقلاب السيسي أكثر منها). ويقومون بواجب الضغط على الفلسطينيين، لإيوائهم في إسكاناتٍ جديدة، وهم يدفعون كلفة الحراسة والكناسة، ويمكن أن يطلقوا على الإسكان اسم دولة، لكنها لا تملك أيا من مقوّمات الدولة، لا مطار ولا ميناء ولا حدود ولا جيش ولا قدس.
يستحق كوشنر التصفيق، وهو صهيوني مجتهد، وفيٌّ لأسرة ظلت تتبرّع لبناء المستوطنات، وتمكّن من تجنيد السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد في مشروعه العقاري، وهم منسجمون معه حتى تقنيا. لدى السيسي عاصمة إدارية جديدة عقار، ولدى ابن سلمان "نيوم" (مع إطلالة على البحر الأحمر وروبوتات) ولدى ابن زايد برج خليفة وغيرها من عقاراتٍ تستهوي العالمين. ما الفرق بين تلك المشاريع وفلسطين المستقبل؟ إطلالة على البحر ونفق تحت الأرض ومنطقة صناعات تقنية (راحت على مشروع نيوم)؟
هذه المسخرة ضرورية لإيقاظ الفلسطينيين. وحسناً فعل أبو مازن عندما لم يختم حياته بهذه السرقة. صحيحٌ أنه غير قادر على إشعال الشارع، كما فعل أبو عمّار بعد "كامب ديفيد" في العام 2000، لكنه أسهم في رفض التسليم بالسرقة. على الفلسطينيين إبداع وسائل جديدة في المقاومة، تعتمد أساسا على وحدة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والداخل والشتات. والعالم اليوم أكثر وعيا بعدالة القضية، لا يريدون دولتين، لتكن دولة واحدة على قاعدة المساواة.
تقديم الفلسطينيين كالسود في جنوب أفريقيا، يبحثون عن المساواة على أرضهم، يجد آذانا صاغية في العالم، وعلى السلطة وحركة حماس أن ينهيا مسخرة السلطة نيابةً عن الاحتلال. لا توجد سلطة ولا دولة، طالما أن إسماعيل هنية ومحمود عباس يغادران أرض فلسطين، أو سجن فلسطين، بإذنٍ من السجان. طبعا هنية بإذن من نتنياهو ومن السيسي. عليهما أن يقدّما نفسيهما للعالم باعتبارهما يديران سجنا لا وطنا. وهذا أكرم لهما من ألقابٍ لا معنى لها.
بعد قرنٍ من التهجير والقتل والتشريد، أثبت الفلسطيني أنه قادر على الصمود قرنا آخر، ولن يسلّم للسارق. أما من تعاونوا مع السارق، فقد فضحوا أنفسهم علانيةً، وما كانوا يوما إلا معه. المهم ننتظر مانديلا فلسطيني، يقود الشعب لمواجهة نظام الفصل، وتلك معركة القرن الثاني للقضية الفلسطينية.
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
ياسر أبو هلالة
مقالات أخرى
22 ابريل 2024
18 مارس 2024
07 يناير 2024