تتزايد وتيرة لقاءات الشخصيات السورية المعارضة، الفاعلة عسكرياً وسياسياً، من أجل تسريع الإجراءات الكفيلة بجعل القوى العسكرية المعارضة الفاعلة ضمن الأراضي السورية، جسماً متجانساً ومرتبطاً بالجهة التمثيلية السياسية الأكبر حالياً، أي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وهو ما بات مطلباً ليس سورياً فحسب، بل أيضاً عربياً وإقليمياً، الأمر الذي يندرج في خانته مؤتمر الرياض المنتظر للمعارضة السورية.
وتأتي أهمية الوصول إلى جسم عسكري متجانس ومرتبط بحامل سياسي في سورية بالنسبة لدول المنطقة، من كونه يؤمن بالنسبة لتلك الدول جسماً عسكرياً وسياسياً يستطيع تحقيق انتصارات على الأرض، ويترجمها بنفس الوقت إلى انتصارات سياسية، تضع حدّاً للتمدّد الإيراني في سورية، كما تمكّنه من تسويقها دولياً كجهة قادرة على ملء الفراغ فيما بعد رحيل نظام بشار الأسد، وخاصة بعد الرسائل الواضحة من الولايات المتحدة لدول الخليج ودول المنطقة بهذا الإطار والتي تقول إن الولايات المتحدة معنية فقط بالدفاع عن هذه الدول ضد الهجمات الإيرانية المباشرة، فيما يقع على عاتق تلك الدول "التعامل مع أدوات إيران" في المنطقة بشكل مباشر، والتي تتمثل بالحوثيين في اليمن والنظام السوري وحزب الله في سورية.
ويبدو من خلال اللقاءات التي جرت أخيراً بين قادة الفصائل العسكرية الكبرى والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوري أن الأخير يعمل على أن يكون هو الجهة المؤهلة لأن تشكل الحامل السياسي لتلك الفصائل، وهو يعمل من أجل الحصول على أوراق اعتماد له من كبرى الفصائل قبل الذهاب إلى مؤتمر "الرياض"، الذي يجمع معظم مكونات المعارضة السورية، ويتم برعاية السعودية، بالإضافة إلى سعيه لاستقطاب مكونات أخرى من المعارضة السياسية غير الداخلة في الائتلاف، خصوصاً ما يسمى بالمعارضة الداخلية، وذلك بهدف سحب ورقة من النظام من جهة، وإعطاء تمثيل أوسع للائتلاف من جهة أخرى.
اقرأ أيضاً: عودة الروح لـ"الائتلاف السوري"
كما أن التنسيق الأخير بين الفصائل المسلحة وتحقيقها انتصارات في المعارك التي تخوضها ضدّ النظام ومليشياته وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) جعلها تشعر بالحاجة الماسة لزيادة التنسيق فيما بينها على الأقل، وإن لم يصل الأمر إلى الانخراط ضمن جسم عسكري واحد. كما جعلها تشعر بأهمية وجود حامل سياسي لها يستطيع ترجمة انتصاراتها العسكرية إلى انتصارات سياسية تثبت وجودها كنواة لجيش وطني شرعي، وجزء من الدولة السورية في المرحلة المقبلة.
وعلمت "العربي الجديد" من مصدر خاص أن معظم الفصائل الإسلامية الكبرى الفاعلة في سورية، وفي المقدّمة حركة "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" تحاول من خلال اجتماعات بين شرعييها وقادتها أن ترسم ملامح التنسيق المشترك فيما بينها، وأن تحدد ملامح المرحلة المقبلة من خلال التوصل إلى توافقات على كيفية التعامل مع الفصائل التي قد تخرج عن التوافقات التي تجمع عليها تلك الفصائل.
وأكد المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه أن هناك شبه إجماع بين شرعيي الفصائل على أن العدو المقبل لفصائل المعارضة سيكون "جبهة النصرة"، في حال بقيت على ارتباطها بتنظيم "القاعدة"، وأبقت على سياساتها البعيدة عن الأجندة الوطنية. وبين أن حركة "أحرار الشام" ذاهبة باتجاه التخلي عن الجهادية السلفية والانخراط ضمن المشروع الوطني، متوقعاً أن يتم هذا الأمر خلال فترة قريبة قد تسبق مؤتمر الرياض. غير أن المطلب الآخر لباقي الفصائل من حركة "أحرار الشام"، هو التخلي عن جهاد النخبة، وعدم تفضيل خريجي سجن صيدنايا على باقي مكونات الحركة من المجاهدين.
اقرأ أيضاً: احتدام المعارك شمالي درعا وقيادة مشتركة لـ"الجبهة الجنوبية"
وأشار المصدر نفسه إلى أن نقاشاً كبيراً يدور بين الفصائل الإسلامية حول سبل مواجهة "النصرة"، بحيث طرحت جميع الخيارات بما فيها المواجهة العسكرية، إذ ارتأت بعض الفصائل أن يتم التواصل مع الجبهة ومحاولة دفعها للانفصال عن تنظيم "القاعدة"، ومحاولة إدخالها في التشكيل الجديد من خلال الحوار. في حين طرحت فصائل أخرى المواجهة المسلحة والتي اعترضت عليها بعض الفصائل التي تمتلك "النصرة" قوة كبيرة ضمن مناطق وجودها، ما يهدد تلك الفصائل.
وأكد مصدر مطلع من "الائتلاف" الوطني المعارض فضل عدم انشر اسمه، لـ "العربي الجديد" أن "الائتلاف يسعى إلى التشاور مع جميع مكونات المعارضة السورية المتفقة على ثوابت الثورة السورية، وتشكيل رؤية مشتركة للحل السياسي في سورية من دون أن يكون للأسد أي دور فيه".
وأوضح أن الائتلاف التقى بكبرى الفصائل العسكرية والثورية وأتم الاتفاق على خمس نقاط أساسية، مضيفاً أن المرحلة المقبلة ستشهد توحيد أكبر للمعارضة، وهذا ما سيوجه ضربات موجعة للنظام.
وأشار إلى أن الائتلاف وبالتعاون مع السعودية وتركيا وقطر، يعمل على ربط جميع الفصائل بحامل سياسي لإقناع المجتمع الدولي بوجود جسم بديل قادر على ملء الفراغ بعد سقوط النظام.
وعن الفصائل التي ترفض التعاون أو التقيد بما تجمع عليه قوى الثورة (جبهة النصرة)، بيّن المصدر أنه سوف يتم التعامل معها كما يتم التعامل مع تنظيم داعش ونظام الأسد، لافتاً إلى أن هناك سعيا جادا لشق النصرة عن تنظيم القاعدة وتأهيل عناصرها ضمن مشروع وطني.
وبيّن أن الائتلاف يعمل منذ وقت على تأسيس جيش وطني يضم جميع الفصائل مهمته حماية الأراضي السورية والدفاع عن الشعب السوري وتحرير كافة الأراضي السورية وطرد كافة التنظيمات الإرهابية.