منذ أن انتشر خبر قدوم الطفل الفلسطيني محمد محيسن (9 أشهر) من قطاع غزة إلى مشفى الهلال الأحمر في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحرمان الاحتلال الإسرائيلي والدته من مرافقته في رحلته العلاجية، شعرت الشابة أنوار ارفاعية (24 عاماً) من مدينة الخليل بحرقة في قلبها، فتطوعت للبقاء بجانب الصغير ورعايته.
الرضيع جاء برفقة جده لأبيه دون والديه، لكن القدر وضع في طريقه أما ثانية، بدأت بزيارته للاطمئنان عليه في غرفة العناية المكثفة، وحرصت على رعايته بمحبة غامرة.
تقول أنوار ارفاعية لـ"العربي الجديد": "رغم منع الأطباء زيارة الطفل محمد والدخول إلى غرفة العناية المكثفة، إلا أنني أصريت على الدخول، وتمكنت من ذلك مرتين، في المرة الثانية استمعت لأحاديث تدور حول احتمالية إرجاع الطفل إلى غزة، لعدم وجود من يستطيع العناية به، فقررت أن أكون الشخص الذي يقوم بهذه المهمة الإنسانية، وقد عرضت على جده والمشفى الأمر، وجاء الرد بالموافقة والترحيب".
لم تمانع عائلة أنوار تطوعها للاعتناء بالطفل الغزي الوحيد في الضفة من دون أمه، وهي التي جاءته بلا خبرةٍ سابقة، فهي لم تتزوج لتختبر شعور الأمومة، ورغم ذلك اعتاد محمد، الذي تدعوه بـ"حمودة"، على وجودها، "لقد حرك محمد شعور الأمومة داخلي عندما احتضنته لأول مرة"، تقول أنوار.
قرابة الأسبوع مر على خروج الطفل محمد من العناية المكثفة، وهي المدة التي بدأت خلالها أنوار الاعتناء به، ولا تغادر غرفته أبداً، وتبيت معه في المشفى، لكن في أوقات نادرة تضطر للعودة إلى منزل عائلتها في مدينة الخليل، لأخذ قسطٍ من الراحة والعودة سريعة لرعاية محمد.
عندما خرج محمد من العناية المكثفة كانت أنوار أول من حمله واحتضنه، وهي تسهر على رعايته ليلاً، وفي كثير من الأحيان لا تستطيع النوم، وتجول الغرفة ذهاباً وإياباً كي يغفو الصغير محمد.
وسائل التواصل الاجتماعي لم تتوقف عن نشر قصة الطفل محمد محيسن، لكن هذه المرة بأخبار مفرحة، إذ انتشرت صور الطفل وبجانبه الشابة أنوار ارفاعية، تارة تقوم بإرضاعه، وتارة بملاعبته، وقد لاقى تطوعها لرعايته ردوداً جميلة من رواد التواصل الاجتماعي، بينما تزور عائلات كثيرة الطفل محمد محيسن، حتى وصل زوار ومتضامنون مع قصته من القدس المحتلة، وتعج غرفته غالباً بالزوار، تؤكد الشابة أنوار.
جدّ الطفل من جهة الأب منذر محيسن يؤكد لـ"العربي الجديد" أن وضع محمد مستقر بعد تحسن رئته، ومعالجة مشكلة التسمم في الدم ، وبقي وضع قدمه للبت فيه، إذ تم إجراء عملية جراحية لساقه من الجهة العلوية، وقد دخل، بفعل تأخر تشخيص وجود كسر في منطقة (الفخذ)، في غيبوبة لمدة 11 يوماً في أحد مشافي مدينة غزة، وتلوث عظمه ودمه على إثرها.
وفي غزة تنتظر والدة الطفل رائدة، ووالده امرؤ القيس، و3 إخوة وأختان عودة أصغر أفراد العائلة إلى المنزل، معافى من المرض، ومتحدياً عراقيل الاحتلال، لكن الشابة أنوار ارفاعية التي تعتني به، لا تستطيع تخيُّل اللحظة التي تفرقها عن محمد الذي قد لا تراه مجدداً، وتقول: "من الآن أبكي عندما أتخيل أن محمد سيعود إلى غزة ولن أراه بعد اليوم".