أغلقت المحكمة المركزية للاحتلال الإسرائيلي اليوم ملف القاصر الفلسطينية مرح جودت موسى بكير بالحكم عليها بالسجن ثماني سنوات ونصفا وفرض غرامة عشرة آلاف شيكل.
الفتاة المقدسية من حي بيت حنينا شمالي القدس المحتلة، مضى أكثر من خمسة عشر شهرا، على اعتقالها وهي جريحة ومصابة باثنتي عشرة رصاصة اخترقت ثلاثة منها يدها لتخرج من الجهة الأخرى.
في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، كانت مرح طالبة الثانوية العامة تهم بالعودة من مدرستها المأمونية في حي الشيخ جراح، إلى منزلها في بيت حنينا شمالي القدس المحتلة.
اعتادت مرح كما تقول والدتها العودة بالقطار الخفيف، بعد وقت انتظار طويل في محطة لوقوف الحافلات في الشيخ جراح، لكن مرح عدلت عن فكرة الصعود إلى القطار بعد أن لمحت من بعد حافلة الركاب قادمة، عندها قطعت الشارع إلى الجهة المقابلة، وما إن فعلت ذلك حتى اصطدمت بشرطي احتلال بلباس مدني يصرخ ويدفعها إلى الحائط قبل أن يستل مسدسه ويشرع بإطلاق النار على مرح التي وقعت أرضا وبدأت بالصراخ، وبدلا من مساعدتها أو إسعافها حاصرها أربعة آخرون من ضباط شرطة الاحتلال في المكان شاهرين مسدساتهم في اتجاهها، في حين قام أحدهم بإطلاق النار على شاب مقدسي اشتباهاً منهم بأنه كان برفقتها، وكان يحاول مساعدة الفتاة المصابة التي أقعدتها إصابتها وبدأت تنزف دما.
اللحظات الصعبة
لا تزال سوسن المبيض، والدة مرح تتذكر تلك اللحظات الصعبة وتفاصيلها، خاصة بعد أن بثت مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزة مشاهد ظهرت فيها مرح ملقاة على الأرض وهي تستغيث وترجو جنود الاحتلال أن يكفوا عن إطلاق النار عليها.
تقول والدة مرح " كان أول اتصال تلقيته عن مرح من إحدى زميلاتها التي أخبرتني بأنها أصيبت بعد أن أطلق شرطي النار عليها قرب المدرسة. ظننت عندئذ بأنها تمزح قلت لها" بلا كلام فاضي وبلاش مزح بايخ وتقيل زيك". لكنها بدأت بالصراخ والبكاء وحياتك عمتي الشرطة طخوها" كان وقع ذلك على العائلة صعبا جدا. "لم نصدق ذلك إلى أن رأيناها ملقاة على الأرض وبالقرب منها شاب أيضا حاول مساعدتها، لكنهم أطلقوا النار عليه وأصابوه قبل أن يتم اعتقاله". تضيف والدتها.
حين توجهت عائلة مرح إلى مستشفى هداسا عين كارم كانت ردهة الطوارئ مزدحمة بعناصر الشرطة والمخابرات، "منعونا من الاقتراب، لكننا أبلغنا من المستشفى بأنها مصابة بأكثر من عشر رصاصات، أدت إلى تلف في الأعصاب بنسبة 80 في المائة"، هذا ما قاله شقيقها موسى الذي كاد أن يفقد وعيه بعد مشاهدتها على الأرض وهي مصابة".
عبثا حاولت العائلة الالتقاء مع ابنتها حتى بعد مغادرتها المستشفى ونقلها إلى سجن هشارون. وقبل ذلك تعرضت هناك لسوء المعاملة والتنكيل من قبل شرطيات إسرائيليات وضعن حراسة عليها وهي مكبلة بالسرير، ثم استبدلت الشرطيات بعناصر من أفراد الشرطة الذين لم يتوقفوا عن سبها وشتمها وتهديدها بالموت.
لم يسمح للعائلة بالزيارة إلا بعد مرور نحو ثلاثة شهور. " كانت أصعب المواقف التي تعرضت لها"، تقول والدتها، وتضيف: "بدأنا جميعا نبكي.. هي تفاجأت بحضورنا. ونحن فوجئنا من حالتها الصحية بينما كانت لاتزال تعاني من الإصابة وتشكو آلامها". في حين واجهت العائلة بعد ذلك قيودا وعراقيل بالزيارة تخللها سوء المعاملة.
قرار محكمة الاحتلال اليوم كان صادما بالنسبة لعائلة مرح. والدتها وصفت القرار بالظالم، وأكدت مجددا أن ابنتها لم تطعن ولم تنو القيام بأي عملية طعن.." حسبي الله عليهم وعلى محاكمهم.. إذا غريمك القاضي لمين تشكي...". قالتها المواطنة سوسن مبيض بغضب، بينما كان القضاة يهمون بمغادرة مقاعدهم في المحكمة الواقعة في شارع صلاح الدين، والتي أحيطت بحراسة من قبل شرطة الاحتلال الخاصة.
أما أمجد أبو عصب، من لجنة أهالي أسرى القدس، فقال لـ"العربي الجديد": "كنا نتوقع مثل هذا الحكم الجائر، كما فعلوا مع الطفل أحمد مناصرة، إذ قضوا بسجنه مدة اثني عشر عاما، والواقع أن هؤلاء القضاة لا نثق بعدلهم لأنهم يتلقون الإملاءات من مخابرات الاحتلال، التي تفرض عليهم الأحكام حين يتعلق الأمر بالفلسطيني سواء كان متهماً أو ضحية".
شقيقها الوحيد: تركت فراغا كبيرا
سوف تترك مرح فراغا كبيرا على مدى السنوات الثماني ونصف القادمة، كما يقول شقيقها موسى"، أكثر من سنة مضت كأنها عشرة أعوام. نحن نفتقدها في كل ركن من أركان البيت. يا رب يصبرني ويصبر أمي وخواتي". أضاف موسى وأوشك على البكاء بصمت.
لكن الأكثر تأثرا بابتعادها عنهم هما شقيقتاها نور وحلا، وأيضا زميلاتها على مقاعد الدراسة في المأمونية، إذ قدمت بعضهن امتحان الثانوية العامة الأخير، وأخريات سيقدمنه هذا العام دون زميلتهن، التي شاركت مع الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال فرصة تقديم التوجيهي، ومن داخل السجن، حصدت النجاح المرجو بمعدل يقارب 70 بالمائة.
كانت مرح ساعد الأم الأيمن في الاعتناء بشقيقتيها ومساعدتها في تدبير شؤون البيت، فهي.." أكثر من بنت وأعز من صديقة، حتى في داخل السجن ورغم إصابتها ومعاناتها، فهي تقدم الرعاية والمساعدة لأسيرات صغيرات معها في سجن هشارون، ومن بينهن نورهان عواد ومنار شويكي، وكانت الأخيرة أيضا تقرر حبسها لمدة ست سنوات" تقول والدتها. فالسجن عزز من شخصية مرح القيادية تماما كما كان حالها بين قريناتها في المدرسة.
مرح تعشق الحلويات، وفقا لوالدتها، وكعكتها المفضلة هي "تشيز كيك"،" دائما تطلبها، وكنا نحضرها لها في عيد ميلادها كل عام.. العام الماضي لم نتمكن من ذلك، فمرح كانت في السجن، ولن نحتفل بها هذا العام، وعلى مدى الأعوام الثمانية القادمة".