منذ أن هُجِّروا بفعل النكبة عام 1948 ونكسة 1967، وأعداد الفلسطينيين في الخارج تزداد حتى وصل عددهم اليوم لأكثر من 7 ملايين فلسطيني موزّعين في دول العالم حسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني لعام 2016، لكن الكثير منهم لا يزال يجهل معرفة الكثير من أقاربه الذين هجروا لمخيمات داخل غزة والضفّة الغربية، ومنهم من انخرط في ثقافة الدولة التي نزح إليها، وبات أكثر معرفة بها من مععرفته بقضية بلده الأم.
لكن هنا، وجد عدد كبير من الشباب من العائلات الفلسطينية في الداخل، خصوصًا في قطاع غزّة، وسيلة إنشاء مجموعات عائلية عبر الفيسبوك، تهدف إلى لمّ شمل العائلة ومحاولة البحث والتواصل معهم ليوحدوهم مع عائلاتهم في فلسطين، ويضعوهم في صورة الأوضاع مع الأسرة وأحوالهم في فلسطين، لأنهم لا يتمتّعون بحريّة التنقل الكاملة والسفر، ووسيلة التواصل هذه هي الأنسب لهم.
أحد المبادرين إلى إنشاء مجموعة عائلة على الفيسبوك في عام 2012، كان أحمد الأسطل وهو من عائلة تعود أصولها من خانيونس، كان يهدف من خلالها إلى جمع أخبار العائلة وكل مناسباتهم لتسهّل عليهم التواصل ما بينهم، لكن المجموعة لم تكتف بالتواصل لمعرفة أحوالهم، فكان على أحمد الوصول لابن عمه المفقود منذ نكسة 1967، عندما شارك كتيبة من الجيش المصري في تنفيذ هجوم على إحدى مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي في سيناء، ولم تنجح المهمّة وأودت بحياة ثمانية منهم، ومنذ ذاك الوقت لم يتم معرفة إن كان ابن عمّه على قيد الحياة أم لا؟
تمكّن الأسطل من التعرّف على أبناء عمّه، خليل وإياد والابنة الأخيرة منى عبر الفيسبوك، وتبيّن أن عمه عانى من كسور في الجمجمة على مدار ثلاثة أعوام، سببت له اضطرابات على مستوى المخ، وبعدما تعافى سافر إلى تشيلي وتزوّج من فلسطينية تعود أصولها لمدينة حيفا المحتلة في سنة 1984، وأقام في العاصمة سانتياغو إلى أن توفي سنة 2009، لكنّه ترك وصية لأبنائه حثّهم فيها على البحث عن أصولهم في فلسطين.
يقول الأسطل في حديث إلى "جيل": "نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في ربط العائلات الفلسطينية خصوصًا عبر مجموعات العائلات على الفيسبوك، لأن كل العائلات الفلسطينية مشتّتة وتكاد لا توجد عائلة إلا وتشتت أو نزح منها عدد كبير في الخارج، واليوم تغيّرت حياتنا عندما تعرّفنا على بيت عمّي في تشيلي وتعرّفوا على كل العادات والتقاليد والروايات الوطنية عن بلدهم الأصلي".
تضمّ بعض المجموعات العائلية في غزّة آلاف المشتركين من العائلة نفسها، وأصبحت تمثّل للكثيرين منهم مرجعًا مهمّا للاجتماع والاطمئنان على الأقارب، ومحاولة تفقّد كل ما هو جديد في العائلة، ومنهم من يتعرّف على مناسبات العائلة في الخارج، خصوصًا في الأردن التي ضمّت أكبر عدد من الفلسطينيين المهجّرين بعد النكبة.
مؤمن مهنا (40 سنة)، أحد الذين قاموا بتوحيد عائلته ما بين الأردن وغزّة عبر مجموعة مغلقة للعائلة على الفيسبوك، ومن خلالها أصبح كل فرد من العائلة يود السفر للأردن للعلاج أو التعليم أو لمناسبة أخرى حيث تقوم العائلة في الأردن باستقباله في مجلس العائلة في جبل عجلون.
يقول مهنا في حديث إلى "جيل": "هجرنا من بلدة المسمية الكبيرة بعد النكبة، وكان هناك تواصل لكل ضئيل جدًا مع الأقارب من الدرجة الأولى في الأردن، لكن اليوم أصبحنا متوحدين أكثر، حتى إن بعضًا من أفراد العائلة يساعدون المحتاجين من العائلة في غزّة ويتكفّلون ببعض الطلاب منهم، وهنا سعدت للمّ شمل العائلة عبر الفيسبوك على مدار عامين".
عائلات أخرى استغلّت لمّ شملها على صعيد شراكة اقتصادية، بعد التوصل لأقارب لهم عبر الفيسبوك، وضمهم لمجموعة العائلة، مثل عائلة دالي في البرازيل، وعلى مدار ثلاث سنوات من التواصل على الفيسبوك بين أيمن دالي (50 سنة) وابن عمه راني (38 سنة)، أسفرت عن سفر راني إلى غزّة والدخول عبر معبر إيرز الحدودي، وزار راني منزل العائلة في مخيّم الشاطئ، وتعرّف أكثر على العائلة والعادات والتقاليد الفلسطينية.
بعد التعرّف أكثر على التقاليد الفلسطينية، قرّر أيمن وراني عمل مشروع مشترك، عبارة عن مطعم وتسميته "مخيّم الشاطئ" في مدينة ريو دي جاما البرازيلية، ومنه تأتي أهداف وطنية أن يحافظوا على الموروث الفلسطيني وتقديم الوجبات الفلسطينية ومنشورات تتحدّث عن أصول الوجبات الفلسطينية والى جانبها الشامية، ويعرض صورًا لفلسطين التاريخية وأهم رموزها.
يقول أيمن في حديث إلى "جيل" في شهر أغسطس/ آب العام الماضي افتتح المطعم، وكان احتفالًا جميلًا حضرته من خلال بث مباشر عبر سكايب، ورُفعت الأعلام الفلسطينية والأغاني القديمة، ولم تمض عدة أشهر حتى اكتسب المطعم شهرة كبيرة ليس فقط للمأكولات، وإنّما تعريف الشعب البرازيلي بـ قضية الإنسان الفلسطيني".
يُشير أيمن إلى أن المطعم عرّف ابن عمه راني على فلسطينيين كُثُر كانوا يقبلون على المطعم وهم سياح ومن مناطق مختلفة أو فلسطينيون من سكان البرازيل، أقبلوا على المطعم بعد أن سمعوا عنه. هنا يعبّر المتحدّث عن سعادته لما تحقّق من أهداف، أكثر مما طمح له في البداية، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي هي بداية الفكرة.