توطئة..
الفن والأدب الساخران:
كلاهما يقدم صورة مبالغاً فيها، ويخاطبان ميلاً خفياً في التشويه عند الإنسان المقهور عادة من سلطة سياسية أو دينية، وهما بذلك يتفلتان من الرقابة الجائرة إلى حدّ ما، والرقابة عادة ما تكون الأولى سياسية مرتبطة بالسلطة على اختلاف توصيفاتها، ومنها الحكومات الدستورية والحرة، حيث يفترض أن الشرعية تدير شؤونها وتقود البشر فيها وتوجه أفعالهم بحسب(حنه أرندت)، بمقابلة وجود طغيان آخر متمثل في الإرهاب بأشكاله وسطوته على أنَّ هذه الشرعية وكذلك الإرهاب لا ينجحان في توجيه السلوك البشري وإدارته بشكل جيد، من هنا تأتي أدوات معرفية مساعدة تقوم بحمل جزء من توجيه الرأي أو صناعته، وقد تأخذ الأداة المتمثلة في قطعة أدبية ساخرة أو كأن تكون رسماً كاريكاتيرياً مادتها من حدث ما أو تستند إلى الحمولة النمطية لدى المنتج أو الاستعانة بالصورة النمطية لدى المتلقي، كأن يكون الأمر احتقاناً سياسياً أو ربط فعل مجموعة معينة بالدين واعتبار الفعل من جنس الديني، وبالتالي وسم المجموع بوسم الفرد كتصرف لا يلتزم النص الواضح، وإنما يذهب إلى الاجتهاد وفق منظور عقلي فردي، يترتب عليه معاملته ككائن أرضي، وفعله ليس سماوياً على افتراض أن الديانات المستوجبة لردة الفعل وأخذ الثأر لها هي سماوية ولله كلمته فيها، وما يحدث وكثيراً، أن يُجتزأ من النص ما يتوافق مع صورة نمطية مبيتة تساعدُ(المُشوّه) لتكوينِ صورتهِ الصادمة والمحرّضة.
(الكاريكاتير) تاريخيّاً وآنيّاً:
منذ ابتداع هذا الفن واشتقاق اسمه من الإيطالية، حيث استخدمها نيبالي كاراتشي وشقيقه آغوستينو مع صور البورتريه المحرّفة أو المبالغ فيها، يتم الجدل حولها، بعضهم يربطها بالرسوم البدائية لسكان الكهوف في العصر الحجري أو على أوراق البردي والمسلات الفرعونية أو الصور المشوهة عمداً للإنسان والحيوان في العهود السومرية والآشورية والبابلية، وربما أقدم رسم كاريكاتيري يظهر بشكل مقارب، يصور أسداً يلعب مع الغزلان، ويأخذها المؤرخ على أن الأسد هنا هو الفرعون رمسيس الثالث، ما يعني أنَّ التوريةَ قائمة وما التشويه الحاصل للصورة وبالترميز الحيواني لها إلاَّ التفافاً على السلطةِ السياسية والربوبية لفرعون وسطوته القاتلة.
الفن الساخر كجريمة سياسية:
منذ الثورة الفرنسية وما يليها، عومل الفن هذا كنسق تفكير أو صانع رأي وقرار، تمَّ اعتماده من السلطة السياسية على منحيين:
1- منحى المعارضة باستخدامه لما يحمل من مواربة يمكن فيها الالتفاف على الحالة الاستبدادية وتحقيق أكبر قدر من جذب جمهور من خلال مخاطبة ميوله، وذلك بتشويه رموز سياسية لها فعلها، كالتصوير الذي مسَّ البابا في فرنسا بإظهار بذخه أمام زهد (يسوع)، وهنا سنجد السلطتين السياسية الدنيوية المتمثلة في البابا والدينية المتمثلة (بيسوع) كسلطة، والتي لم يتعرض لها الفن تشويهاً، وإنَّما مسّ التشويه البابا بوصفه سلطة سياسية/ دينية، وهي مؤقتة بمقابلتها بالسلطة الدينية/ السماوية للسيد المسيح.
وقد فعلها على سبيل المثال، أيضاً، جيمس غيلاري(1756 - 1815) بصورة نابليون بونابرت، فأوحى الأخير أن رسامي الكاريكاتير قتلة يجب محاكتمهم، فأخذ عنه جورج الثالث، ملك بريطانيا المسعى ذاته ليكمم أفواه الفنانين. المنحى.
2- السلطة واستفادتها من هذا الفن بتطويع مريديها وتكوين القرار السياسي لمجموع البشر، وهو ما نراه في تحول مجلة الكاريكاتير الأسبوعية الألمانية، والتي عملت كمعارضة في زمن السلم إلى مساهمة في البروباغندا في زمن الحرب، وهذا يعني أنَّ هذا الفن ممكن أن يساهم في التنمية، أيضاً، ولا يكون في كل أحواله محرضاً سياسياً أو دينياً أو ضمن إمكانية مساهمته وقوته الضاربة في تغيير الصور النمطية والاشتغال على الانفتاح وتبيان الصور الجوهرية الحقيقة، وإن تمّ تحريفها شكلاً، فإنه تحريف لا يطاول المضمون باعتباره جوهراً جيداً له علاقة بالتعايش والحوار المفترض بين الحضارات أفقياً وعمودياً.
الكاريكاتير في مواجهة السلطة السياسية كحالة مؤقتة والديني كديمومة تاريخية ومستمرة:
يأتي اللبس من جهة أن السلطة السياسية مؤقتة بتبدل الحكومات، وهو ما يجعل الصورة المعرية للسلطة أحياناً تجابه بقبول اجتماعي، في حين أن الديني والمشكل لمجموع البشر فطرياً أو مشغولاً عليه يمثل تابو لا يمكن اختراقه، فالدين لم ينظر إليه بوصفه دائرة من دوائر المجتمع بقدر ما ينظر إليه بوصفه السماوي/ المثال وما يرتبط به من قيم مؤسِسة ورموز تشكل الوعي الجمعي، يمكن الاستفادة من حادثة شارل إيبدو، وكذلك من حادثة كسر أصابع فنان الكاريكاتير السوري العالمي، عدنان فرزات، مع الثورة السورية، فالأول ذهب إلى رمز ديني وقوبل برد فعل جماعة لا تنتمي إلى النسق بقدر ما تنتمي إلى جماعة متشددة، جاء رد فعلها من جنس الفعل، بينما في المثال الثاني فإن الفعلَ تجاوز فعلَ الفن الذي أراد الإتيان بصورة معيشة ومتداولة، وكان يمكن أن يكون الرد ضمن القوانين، فيما لو كانت القوانين هي التي تبت في هذه الشؤون!.
خلاصة:
تبني فكرة التعاطي مع الرموز كاريكاتيرياً يحمل تشويها شكلياً ومسخاً ينهل من النظرة النمطية للإسلام إذا حددت حوادث عدة، ربما مجموعها يشكل نسقاً في تبني النمطي والذي يعتبر تعدياً واختراقاً للوجداني الذي يخص سدس العالم، وما لهذه النظرة من تبادل للكراهية قفزاً على فكرة تعاضد الحضارات وتثاقفها، وتماشياً مع الفكرة التي يبينها المفكر المغربي، المهدي المنجرة، في كتابه(قيم القيم): "إن الغرب الأميركي أولاً ومن ثم الأوروبي يصر على وجود عدوين له، أحدهما متغير حسب المصلحة والظروف والثاني ثابت لا يتغير وهو الإسلام".
وإذا كانت الحروب القادمة حروباً لغوية كما يأتي به أحد المفكرين المعاصرين، فإنَّ تكوين رأي ضمن هذه الحدية سيكون كارثياً على البشرية أكثر من فعل قنبلة نووية، ويمكن النظر هنا في "W.Lippmann" في كتابه الرأي العام "public opinion" وتعريته مفهوم النمطية (Stereotype).
إنَّ النظر ضمن الممكنات الإعلامية والانفتاح الهائل على وسائل التواصل الاجتماعي لتكوين ظروف تعايش سلمي واندماج حقيقي ضمن محافظة كل طرف على ثقافته المشكلة للهوية والتي تقبل الآخر بوجوده في هويته الثقافية، يعدّ، اليوم، حاجة وضرورة وتحدياً لابدَّ للشعوب أن تمرَّ بها لتوفير شروط أكثر ملاءمة لإنسانية الإنسان وقيمته المصانة دينياً وقانونياً وحقوقياً.
*من الورقة التي ساهمت بها في ندون بون الدولية: (الصور النمطية بين النقد والإساءة للآخر من منظور الحقوق الأساسية وثقافة الحوار والتعايش).
(سورية)
الفن والأدب الساخران:
كلاهما يقدم صورة مبالغاً فيها، ويخاطبان ميلاً خفياً في التشويه عند الإنسان المقهور عادة من سلطة سياسية أو دينية، وهما بذلك يتفلتان من الرقابة الجائرة إلى حدّ ما، والرقابة عادة ما تكون الأولى سياسية مرتبطة بالسلطة على اختلاف توصيفاتها، ومنها الحكومات الدستورية والحرة، حيث يفترض أن الشرعية تدير شؤونها وتقود البشر فيها وتوجه أفعالهم بحسب(حنه أرندت)، بمقابلة وجود طغيان آخر متمثل في الإرهاب بأشكاله وسطوته على أنَّ هذه الشرعية وكذلك الإرهاب لا ينجحان في توجيه السلوك البشري وإدارته بشكل جيد، من هنا تأتي أدوات معرفية مساعدة تقوم بحمل جزء من توجيه الرأي أو صناعته، وقد تأخذ الأداة المتمثلة في قطعة أدبية ساخرة أو كأن تكون رسماً كاريكاتيرياً مادتها من حدث ما أو تستند إلى الحمولة النمطية لدى المنتج أو الاستعانة بالصورة النمطية لدى المتلقي، كأن يكون الأمر احتقاناً سياسياً أو ربط فعل مجموعة معينة بالدين واعتبار الفعل من جنس الديني، وبالتالي وسم المجموع بوسم الفرد كتصرف لا يلتزم النص الواضح، وإنما يذهب إلى الاجتهاد وفق منظور عقلي فردي، يترتب عليه معاملته ككائن أرضي، وفعله ليس سماوياً على افتراض أن الديانات المستوجبة لردة الفعل وأخذ الثأر لها هي سماوية ولله كلمته فيها، وما يحدث وكثيراً، أن يُجتزأ من النص ما يتوافق مع صورة نمطية مبيتة تساعدُ(المُشوّه) لتكوينِ صورتهِ الصادمة والمحرّضة.
(الكاريكاتير) تاريخيّاً وآنيّاً:
منذ ابتداع هذا الفن واشتقاق اسمه من الإيطالية، حيث استخدمها نيبالي كاراتشي وشقيقه آغوستينو مع صور البورتريه المحرّفة أو المبالغ فيها، يتم الجدل حولها، بعضهم يربطها بالرسوم البدائية لسكان الكهوف في العصر الحجري أو على أوراق البردي والمسلات الفرعونية أو الصور المشوهة عمداً للإنسان والحيوان في العهود السومرية والآشورية والبابلية، وربما أقدم رسم كاريكاتيري يظهر بشكل مقارب، يصور أسداً يلعب مع الغزلان، ويأخذها المؤرخ على أن الأسد هنا هو الفرعون رمسيس الثالث، ما يعني أنَّ التوريةَ قائمة وما التشويه الحاصل للصورة وبالترميز الحيواني لها إلاَّ التفافاً على السلطةِ السياسية والربوبية لفرعون وسطوته القاتلة.
الفن الساخر كجريمة سياسية:
منذ الثورة الفرنسية وما يليها، عومل الفن هذا كنسق تفكير أو صانع رأي وقرار، تمَّ اعتماده من السلطة السياسية على منحيين:
1- منحى المعارضة باستخدامه لما يحمل من مواربة يمكن فيها الالتفاف على الحالة الاستبدادية وتحقيق أكبر قدر من جذب جمهور من خلال مخاطبة ميوله، وذلك بتشويه رموز سياسية لها فعلها، كالتصوير الذي مسَّ البابا في فرنسا بإظهار بذخه أمام زهد (يسوع)، وهنا سنجد السلطتين السياسية الدنيوية المتمثلة في البابا والدينية المتمثلة (بيسوع) كسلطة، والتي لم يتعرض لها الفن تشويهاً، وإنَّما مسّ التشويه البابا بوصفه سلطة سياسية/ دينية، وهي مؤقتة بمقابلتها بالسلطة الدينية/ السماوية للسيد المسيح.
وقد فعلها على سبيل المثال، أيضاً، جيمس غيلاري(1756 - 1815) بصورة نابليون بونابرت، فأوحى الأخير أن رسامي الكاريكاتير قتلة يجب محاكتمهم، فأخذ عنه جورج الثالث، ملك بريطانيا المسعى ذاته ليكمم أفواه الفنانين. المنحى.
2- السلطة واستفادتها من هذا الفن بتطويع مريديها وتكوين القرار السياسي لمجموع البشر، وهو ما نراه في تحول مجلة الكاريكاتير الأسبوعية الألمانية، والتي عملت كمعارضة في زمن السلم إلى مساهمة في البروباغندا في زمن الحرب، وهذا يعني أنَّ هذا الفن ممكن أن يساهم في التنمية، أيضاً، ولا يكون في كل أحواله محرضاً سياسياً أو دينياً أو ضمن إمكانية مساهمته وقوته الضاربة في تغيير الصور النمطية والاشتغال على الانفتاح وتبيان الصور الجوهرية الحقيقة، وإن تمّ تحريفها شكلاً، فإنه تحريف لا يطاول المضمون باعتباره جوهراً جيداً له علاقة بالتعايش والحوار المفترض بين الحضارات أفقياً وعمودياً.
الكاريكاتير في مواجهة السلطة السياسية كحالة مؤقتة والديني كديمومة تاريخية ومستمرة:
يأتي اللبس من جهة أن السلطة السياسية مؤقتة بتبدل الحكومات، وهو ما يجعل الصورة المعرية للسلطة أحياناً تجابه بقبول اجتماعي، في حين أن الديني والمشكل لمجموع البشر فطرياً أو مشغولاً عليه يمثل تابو لا يمكن اختراقه، فالدين لم ينظر إليه بوصفه دائرة من دوائر المجتمع بقدر ما ينظر إليه بوصفه السماوي/ المثال وما يرتبط به من قيم مؤسِسة ورموز تشكل الوعي الجمعي، يمكن الاستفادة من حادثة شارل إيبدو، وكذلك من حادثة كسر أصابع فنان الكاريكاتير السوري العالمي، عدنان فرزات، مع الثورة السورية، فالأول ذهب إلى رمز ديني وقوبل برد فعل جماعة لا تنتمي إلى النسق بقدر ما تنتمي إلى جماعة متشددة، جاء رد فعلها من جنس الفعل، بينما في المثال الثاني فإن الفعلَ تجاوز فعلَ الفن الذي أراد الإتيان بصورة معيشة ومتداولة، وكان يمكن أن يكون الرد ضمن القوانين، فيما لو كانت القوانين هي التي تبت في هذه الشؤون!.
خلاصة:
تبني فكرة التعاطي مع الرموز كاريكاتيرياً يحمل تشويها شكلياً ومسخاً ينهل من النظرة النمطية للإسلام إذا حددت حوادث عدة، ربما مجموعها يشكل نسقاً في تبني النمطي والذي يعتبر تعدياً واختراقاً للوجداني الذي يخص سدس العالم، وما لهذه النظرة من تبادل للكراهية قفزاً على فكرة تعاضد الحضارات وتثاقفها، وتماشياً مع الفكرة التي يبينها المفكر المغربي، المهدي المنجرة، في كتابه(قيم القيم): "إن الغرب الأميركي أولاً ومن ثم الأوروبي يصر على وجود عدوين له، أحدهما متغير حسب المصلحة والظروف والثاني ثابت لا يتغير وهو الإسلام".
وإذا كانت الحروب القادمة حروباً لغوية كما يأتي به أحد المفكرين المعاصرين، فإنَّ تكوين رأي ضمن هذه الحدية سيكون كارثياً على البشرية أكثر من فعل قنبلة نووية، ويمكن النظر هنا في "W.Lippmann" في كتابه الرأي العام "public opinion" وتعريته مفهوم النمطية (Stereotype).
إنَّ النظر ضمن الممكنات الإعلامية والانفتاح الهائل على وسائل التواصل الاجتماعي لتكوين ظروف تعايش سلمي واندماج حقيقي ضمن محافظة كل طرف على ثقافته المشكلة للهوية والتي تقبل الآخر بوجوده في هويته الثقافية، يعدّ، اليوم، حاجة وضرورة وتحدياً لابدَّ للشعوب أن تمرَّ بها لتوفير شروط أكثر ملاءمة لإنسانية الإنسان وقيمته المصانة دينياً وقانونياً وحقوقياً.
*من الورقة التي ساهمت بها في ندون بون الدولية: (الصور النمطية بين النقد والإساءة للآخر من منظور الحقوق الأساسية وثقافة الحوار والتعايش).
(سورية)