"لقد كانت مباراة من جانب واحد، سيطر فيها الألمان على الملعب طولاً وعرضاً، ووضعوا الإسبان في موقف محرج طوال تسعين دقيقة. رغم مهارة وقيمة ساؤول نيغيز وماركو أسينسيو وجيرارد دولوفيو وسيبايوس والبقية، ولعبهم في فرق الصف الأول منذ سنوات، إلا أن شباب المانشافت قدموا لقاءاً كبيراً على كافة المستويات، فنياً وخططياً وتكتيكياً، لذلك استحقوا الفوز والتتويج بلقب يورو تحت 21 سنة في بولندا"، بهذه الكلمات كتبت صحيفة "ماركا" افتتاحية تحليلها للنهائي الصغير، في اعتراف رسمي بقوة الخصم وتفرده، ليثبت المنتخب الألماني أنه سيكون خير خلف لسلفه، بطل كأس العالم في البرازيل 2014.
الجيل الذهبي
يصنف الكثيرون فترة ما بين 2006 حتى اليوم بأنها حقبة ذهبية في تاريخ الكرة الألمانية، فبعد الخروج المهين من يورو 2000، وحصول الماكينات على نقطة يتيمة من ثلاث مباريات بالدور الأول، بدأ المدراء في الاتحاد التفكير جدياً في إيجاد حلول بديلة، للتغلب على الأزمة الطارئة والاستعداد لمونديال 2006، خصوصاً أنه على أرضهم ووسط جماهيرهم. وتعاون الاتحاد الألماني لكرة القدم مع أكاديميات الناشئين في مختلف الأندية، من أجل تكوين قاعدة عريضة في كافة الفرق، مع إعطاء الفرصة للمواهب بمشاركتهم سريعاً برفقة المنتخب الأول، كما حدث مع لام وشفاينتشايغر وكلوزه وبودولسكي ثم ماريو غوميز في كأس العالم 2006 ويورو 2008.
أخذت الأمور منحى آخر خلال بطولة أوروبا للشباب في 2009، وقتها حصلت ألمانيا على البطولة بجيل جديد من اللاعبين، بقيادة مسعود أوزيل وسامي خضيرة ومانويل نوير، بالإضافة إلى غونزالو كاسترو وماتس هوميلز وبواتينغ وهوفيديس. ليصعد معظم هؤلاء إلى المنتخب الأول سريعاً مع توني كروس وتوماس مولر، فوصلوا إلى نصف نهائي مونديال 2010 ثم لنفس الدور في يورو 2012، حتى تحقيق أفضل نسخة ممكنة في كأس العالم بالفوز على البرازيل بنصف نهائي ثم على الأرجنتين في النهائي.
اشتهرت ألمانيا على مرّ تاريخها بالكرة السريعة واللعب العمودي المباشر القريب من المرتدات، لكن خلال السنوات الماضية تغير الأسلوب بعض الشيء، ليُبدع الفريق في اللعب تحت ضغط، ويتألق بالتمريرات القصيرة واستغلال الفراغات بالتموضع والتمركز، مع استخدام لعبة الضغط المرتفع لتضييق الخناق على الخصم في نصف ملعبه، إنها المباديء الجديدة التي ضمت للمانشافت بطولة المونديال، وجعلت الاتحاد يُصر على تطبيقها في جميع المنتخبات والفئات السنية الصغيرة.
القرار الشجاع
قرر يواخيم لوف المدير الفني لمنتخب ألمانيا عدم إشراك لاعبي الصف الأول في كأس القارات، ليعتمد على مجموعة الصف الثاني، مع نجوم الفئات السنية الصغيرة تحت 23 عاما. لم يتخذ المدير الفني هذا القرار صدفة أو من دون تفكير، لأنه كان ملزماً بالاتفاق أولاً مع ستيفن كونتز، مدرب منتخب الشباب الذي يستعد هو الآخر للمنافسة في بطولة يورو تحت 21 عاماً.
رينهارد غريندل، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، صرّح لاحقاً بأن قرار المشاركة بالصف الثاني في كأس القارات عائد للمدرب لوف، لكنه ألمح في حوار مع "بيلد" بأن كونتز هو الآخر ساعده في ذلك، من خلال التنسيق واختيار أفضل العناصر المتاحة، لمشاركة جزء في بطولة القارات، ومنافسة جزء آخر باليورو، لذلك لعب ليون غوريتزكا على سبيل المثال مع منتخب الكبار، بينما شارك غنابري برفقة الشبان أمام إسبانيا بالنهائي الأخير.
فشل منتخب الماتدور في شن هجمة واحدة منظمة ضد الألمان، ولم يلمس أسينسيو الكرة كثيراً، بينما حاول ساؤول على استحياء بالتسديد من بعيد، كذلك ابتعد دولوفيو عن مناطق الخطورة في أغلب الفترات، في دلالة واضحة على تفوق المدرب ستيفن كونتز على خصمه سيلاديس، رغم أن الثنائي لعب بنفس الخطة تقريباً، 4-3-3 على الورق لكن الفارق كان كبيرا في التنفيذ داخل الملعب.
الكل قبل الفرد
ظهر الفريق الشاب بشكل ناضج للغاية، افتتح البطولة الأوروبية بهدوء وثقة، ثم رفع النسق مع توالي المباريات، حتى وصوله إلى النهائي المنتظر أمام نجوم الليغا. وتحولت خطة كونتز من 4-3-3 إلى 4-1-4-1 من دون الكرة، بغلق زوايا التمرير أمام حامل الكرة، والصعود إلى نصف ملعب المنافس بخمسة لاعبين دفعة واحدة، ليسيطر على مجريات اللعب ويفوز بهدف نظيف.
يقول أريغو ساكي عن جماعية المستديرة، "يعتقد الكثيرون أن كرة القدم بمثابة تعبير اللاعبين عن أنفسهم داخل الملعب فقط، الأمر ليس بهذه السهولة أبداً، إنها ليست القضية على الإطلاق لأن اللاعب يعّبر عن نفسه وفق المعايير التي وضعها مديره الفني. لذلك على المدرب أن يفكر في كل شيء، ليست الخطة فقط بل جميع السيناريوهات، الحركات، الأدوات، مع جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، ومن ثم يقوم بصنع قراره بناء على هذه المقومات، هكذا يكون تعريف اللاعب".
من الصعب تحديد نجم واحد فقط في منتخب ألمانيا للشباب، لكن هناك أسماء أثبتت حضوراً لافتاً بالدورة، مثل الظهيرين تولجان وغيرهاردت على اليمين واليسار، وثنائي الوسط أرنولد وماكس ماير، مع غنابري ووايزر على الأطراف، وماكس فيليب في مركز المهاجم الصريح. وأجاد كونتز بشدة في إيجاد صيغة مناسبة لخط المنتصف، بوضع لاعب ارتكاز دفاعي صريح، أمامه ثنائي متحرك غير ثابت في الخلف وإلى الأمام. وفي حالة فقدان الكرة، يصعد الجميع من أجل الضغط واستعادة الهجمة سريعاً.
جيل جديد
أنهى شالكه الموسم الماضي في البوندسليغا بالمركز العاشر، وخرج أمام أياكس في الدوري الأوروبي، لكنه استفاد من تطور مستوى نجومه الصغار وعلى رأسهم ماكس ماير وليون غوريتسكا، الأول كان أحد نجوم واليورو، والآخر من هدافي كأس القارات. لعب ماير طوال الموسم كجناح صريح في خطة لعب 4-4-2 و 4-4-1-1، يبدأ المباراة على الخط الجانبي من الملعب ويدخل إلى العمق، على خطى دراكسلر في غلادباخ ثم باريس سان جيرمان، لكنه لعب مع المنتخب كلاعب وسط صريح في المركز 8 بالملعب.
ماكس لاعب وسط بجوار أرنولد في منطقة المحور، ويصعد إلى الجناح بالتبادل مع وايزر، لذلك قام بدور قريب من الريشة التكتيكية بين العمق والأطراف، ليتمركز في مكانين خلال المباراة، ويملأ الفراغات بالكرة ومن دونها، مما جعل فريقه في وضعية أفضل سواء في الهجوم أو الدفاع. ويعتبر هذا اللاعب مكسب حقيقي لأي فريق كبير يركز على الضغط العكسي الذي يعرف إعلامياً بالكونتر برسينغ، نتيجة القدرة التي أظهرها خلال بطولة اليورو ومن قبل في الدوري المحلي.
ومن بولندا إلى روسيا، حيث فاز المانشافت الكبير على تشيلي في النهائي بهدف دون رد، مع تألق لافت لكل اللاعبين، خصوصاً تير شتيغن وتيمو فيرنير وليون غورتيسكا. ويُحسب للبوندسليغا هذا الموسم تطور مستوى عدد كبير من المواهب في أندية هوفينهايم وشالكه ولايبزيغ، ليقود هؤلاء المنتخب الأول في النسخة الحالية، ويحققوا المراد في النهاية رغم وجود منتخبات مميزة كالبرتغال وتشيلي والمكسيك.
سجل لارس ستيندل هدف النهائي بنفس الطريقة المعهودة، بالضغط من مناطق مرتفعة بالملعب، وحرمان الخصم من رفاهية البناء من الخلف، ليصل الفريق إلى المرمى بعدد تمريرات أقل مع فعالية أكبر. ورغم اختلاف عاملي الزمان والمكان بين بطولتي اليورو والقارات، إلا أن الفلسفة حاضرة من دون تغيير، والنجاح مرتبط بالألمان حتى إشعار آخر.
اقــرأ أيضاً
الجيل الذهبي
يصنف الكثيرون فترة ما بين 2006 حتى اليوم بأنها حقبة ذهبية في تاريخ الكرة الألمانية، فبعد الخروج المهين من يورو 2000، وحصول الماكينات على نقطة يتيمة من ثلاث مباريات بالدور الأول، بدأ المدراء في الاتحاد التفكير جدياً في إيجاد حلول بديلة، للتغلب على الأزمة الطارئة والاستعداد لمونديال 2006، خصوصاً أنه على أرضهم ووسط جماهيرهم. وتعاون الاتحاد الألماني لكرة القدم مع أكاديميات الناشئين في مختلف الأندية، من أجل تكوين قاعدة عريضة في كافة الفرق، مع إعطاء الفرصة للمواهب بمشاركتهم سريعاً برفقة المنتخب الأول، كما حدث مع لام وشفاينتشايغر وكلوزه وبودولسكي ثم ماريو غوميز في كأس العالم 2006 ويورو 2008.
أخذت الأمور منحى آخر خلال بطولة أوروبا للشباب في 2009، وقتها حصلت ألمانيا على البطولة بجيل جديد من اللاعبين، بقيادة مسعود أوزيل وسامي خضيرة ومانويل نوير، بالإضافة إلى غونزالو كاسترو وماتس هوميلز وبواتينغ وهوفيديس. ليصعد معظم هؤلاء إلى المنتخب الأول سريعاً مع توني كروس وتوماس مولر، فوصلوا إلى نصف نهائي مونديال 2010 ثم لنفس الدور في يورو 2012، حتى تحقيق أفضل نسخة ممكنة في كأس العالم بالفوز على البرازيل بنصف نهائي ثم على الأرجنتين في النهائي.
اشتهرت ألمانيا على مرّ تاريخها بالكرة السريعة واللعب العمودي المباشر القريب من المرتدات، لكن خلال السنوات الماضية تغير الأسلوب بعض الشيء، ليُبدع الفريق في اللعب تحت ضغط، ويتألق بالتمريرات القصيرة واستغلال الفراغات بالتموضع والتمركز، مع استخدام لعبة الضغط المرتفع لتضييق الخناق على الخصم في نصف ملعبه، إنها المباديء الجديدة التي ضمت للمانشافت بطولة المونديال، وجعلت الاتحاد يُصر على تطبيقها في جميع المنتخبات والفئات السنية الصغيرة.
القرار الشجاع
قرر يواخيم لوف المدير الفني لمنتخب ألمانيا عدم إشراك لاعبي الصف الأول في كأس القارات، ليعتمد على مجموعة الصف الثاني، مع نجوم الفئات السنية الصغيرة تحت 23 عاما. لم يتخذ المدير الفني هذا القرار صدفة أو من دون تفكير، لأنه كان ملزماً بالاتفاق أولاً مع ستيفن كونتز، مدرب منتخب الشباب الذي يستعد هو الآخر للمنافسة في بطولة يورو تحت 21 عاماً.
رينهارد غريندل، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، صرّح لاحقاً بأن قرار المشاركة بالصف الثاني في كأس القارات عائد للمدرب لوف، لكنه ألمح في حوار مع "بيلد" بأن كونتز هو الآخر ساعده في ذلك، من خلال التنسيق واختيار أفضل العناصر المتاحة، لمشاركة جزء في بطولة القارات، ومنافسة جزء آخر باليورو، لذلك لعب ليون غوريتزكا على سبيل المثال مع منتخب الكبار، بينما شارك غنابري برفقة الشبان أمام إسبانيا بالنهائي الأخير.
فشل منتخب الماتدور في شن هجمة واحدة منظمة ضد الألمان، ولم يلمس أسينسيو الكرة كثيراً، بينما حاول ساؤول على استحياء بالتسديد من بعيد، كذلك ابتعد دولوفيو عن مناطق الخطورة في أغلب الفترات، في دلالة واضحة على تفوق المدرب ستيفن كونتز على خصمه سيلاديس، رغم أن الثنائي لعب بنفس الخطة تقريباً، 4-3-3 على الورق لكن الفارق كان كبيرا في التنفيذ داخل الملعب.
الكل قبل الفرد
ظهر الفريق الشاب بشكل ناضج للغاية، افتتح البطولة الأوروبية بهدوء وثقة، ثم رفع النسق مع توالي المباريات، حتى وصوله إلى النهائي المنتظر أمام نجوم الليغا. وتحولت خطة كونتز من 4-3-3 إلى 4-1-4-1 من دون الكرة، بغلق زوايا التمرير أمام حامل الكرة، والصعود إلى نصف ملعب المنافس بخمسة لاعبين دفعة واحدة، ليسيطر على مجريات اللعب ويفوز بهدف نظيف.
يقول أريغو ساكي عن جماعية المستديرة، "يعتقد الكثيرون أن كرة القدم بمثابة تعبير اللاعبين عن أنفسهم داخل الملعب فقط، الأمر ليس بهذه السهولة أبداً، إنها ليست القضية على الإطلاق لأن اللاعب يعّبر عن نفسه وفق المعايير التي وضعها مديره الفني. لذلك على المدرب أن يفكر في كل شيء، ليست الخطة فقط بل جميع السيناريوهات، الحركات، الأدوات، مع جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، ومن ثم يقوم بصنع قراره بناء على هذه المقومات، هكذا يكون تعريف اللاعب".
من الصعب تحديد نجم واحد فقط في منتخب ألمانيا للشباب، لكن هناك أسماء أثبتت حضوراً لافتاً بالدورة، مثل الظهيرين تولجان وغيرهاردت على اليمين واليسار، وثنائي الوسط أرنولد وماكس ماير، مع غنابري ووايزر على الأطراف، وماكس فيليب في مركز المهاجم الصريح. وأجاد كونتز بشدة في إيجاد صيغة مناسبة لخط المنتصف، بوضع لاعب ارتكاز دفاعي صريح، أمامه ثنائي متحرك غير ثابت في الخلف وإلى الأمام. وفي حالة فقدان الكرة، يصعد الجميع من أجل الضغط واستعادة الهجمة سريعاً.
جيل جديد
أنهى شالكه الموسم الماضي في البوندسليغا بالمركز العاشر، وخرج أمام أياكس في الدوري الأوروبي، لكنه استفاد من تطور مستوى نجومه الصغار وعلى رأسهم ماكس ماير وليون غوريتسكا، الأول كان أحد نجوم واليورو، والآخر من هدافي كأس القارات. لعب ماير طوال الموسم كجناح صريح في خطة لعب 4-4-2 و 4-4-1-1، يبدأ المباراة على الخط الجانبي من الملعب ويدخل إلى العمق، على خطى دراكسلر في غلادباخ ثم باريس سان جيرمان، لكنه لعب مع المنتخب كلاعب وسط صريح في المركز 8 بالملعب.
ماكس لاعب وسط بجوار أرنولد في منطقة المحور، ويصعد إلى الجناح بالتبادل مع وايزر، لذلك قام بدور قريب من الريشة التكتيكية بين العمق والأطراف، ليتمركز في مكانين خلال المباراة، ويملأ الفراغات بالكرة ومن دونها، مما جعل فريقه في وضعية أفضل سواء في الهجوم أو الدفاع. ويعتبر هذا اللاعب مكسب حقيقي لأي فريق كبير يركز على الضغط العكسي الذي يعرف إعلامياً بالكونتر برسينغ، نتيجة القدرة التي أظهرها خلال بطولة اليورو ومن قبل في الدوري المحلي.
ومن بولندا إلى روسيا، حيث فاز المانشافت الكبير على تشيلي في النهائي بهدف دون رد، مع تألق لافت لكل اللاعبين، خصوصاً تير شتيغن وتيمو فيرنير وليون غورتيسكا. ويُحسب للبوندسليغا هذا الموسم تطور مستوى عدد كبير من المواهب في أندية هوفينهايم وشالكه ولايبزيغ، ليقود هؤلاء المنتخب الأول في النسخة الحالية، ويحققوا المراد في النهاية رغم وجود منتخبات مميزة كالبرتغال وتشيلي والمكسيك.
سجل لارس ستيندل هدف النهائي بنفس الطريقة المعهودة، بالضغط من مناطق مرتفعة بالملعب، وحرمان الخصم من رفاهية البناء من الخلف، ليصل الفريق إلى المرمى بعدد تمريرات أقل مع فعالية أكبر. ورغم اختلاف عاملي الزمان والمكان بين بطولتي اليورو والقارات، إلا أن الفلسفة حاضرة من دون تغيير، والنجاح مرتبط بالألمان حتى إشعار آخر.