واصلت العمالة الأجنبية هجرتها من ليبيا، في ظل تصاعد الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة، وكان المصريون الأكثر تضرراً حيث زادت معاناتهم في ظل عدم رغبة سلطات المؤتمر الوطني في العاصمة طرابلس وبنغازي، الاعتماد عليهم بسبب المشاحنات مع النظام المصري الحالي.
وأكد عمال مصريون لـ "العربي الجديد"، زيادة معاناتهم من الفوضى في ظل تغيير واضح في معاملة السلطات الليبية لهم، وتعرضهم للملاحقة الأمنية المشددة بعد تدهور العلاقات بين البلدين.
ومن جانبه قال مدير إدارة التفتيش العمالي بوزارة العمل الليبية، الهادي السويحلي، إن الأوضاع الأمنية المتردية التي تشهدها البلاد ساهمت في مغادرة العمالة الأجنبية تحديداً
المصرية.
وأوضح لـ "العربي الجديد" أن معظم العمالة المصرية غادرت البلاد بشكل نهائي، مشيراً إلى أن العمالة الموجودة حالياً قليلة مقارنة بأعدادهم قبل اندلاع الصراع المسلح.
وتشهد ليبيا معارك بين قوات "فجر ليبيا" التي يشكلها المؤتمر الوطني والثوار في طرابلس وبنغازي، والقوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر في طبرق، التي يساندها النظام المصري الحالي، ويتنازع الطرفان على أحقية إدارة البلاد، في ظل الصراع المسلح الذي احتدم خلال الشهور الأخيرة، وامتد إلى الحقول النفطية، في محاولة للسيطرة عليها.
استبعاد العمالة المصرية
وأكد السويحلي، أن قطاع المقاولات يعاني من نقص العمالة لأنه يعتمد على حوالي 75% عن العمالة المصرية، مُشيراً إلى أن هناك تعليمات مشدّدة من حكومة عمر الحاسي، التابعة للمؤتمر الوطني بعدم استجلاب العمالة المصرية بسبب تدخل الحكومة المصرية في الشأن الداخلي الليبي، قائلاً، إن العمالة المصرية غير مرغوب فيها.
وتركز الأيدي العاملة الأجنبية في المهن التي يعزف الليبيون عن العمل فيها، مثل مشروعات المرافق من المياه والصرف الصحي وأعمال النظافة والسباكة والحرف اليدوية والبناء، بالإضافة إلى عمل أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية في الاقتصاد غير الرسمي.
مغادرة البلاد
وقالت المتحدثة باسم وزارة العمل في ليبيا، ربيعة عمار، في شهر سبتمبر/أيلول، لـ "العربي الجديد"، إن "الوزارة تتخذ إجراءات جديدة لتقنين وجود العمالة المصرية كثيرة العدد في البلاد".
وأفادت بأن الوزارة ستركز مستقبلاً على التعاقد مع عمال من دول جنوب شرق آسيا، وهو ما يوسع هوامش التعاقد مع العمالة الأجنبية ذات الكفاءة.
وحسب عمار، فإن 80% من العمالة المصرية غادرت البلاد بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، حيث لم يبق في ليبيا سوى ما يقرب من 125 ألف عامل مصري، مؤكدة أن العمالة الشرعية لا تتعدى 30 ألف عامل في مختلف أنحاء البلاد.
وكانت العمالة المصرية في ليبيا قبل ثورة فبراير عام 2011 تقدر بنحو مليوني شخص، بحسب تقارير سابقة لوزارة الخارجية الليبية.
وفي ظل قلة عدد السكان وانتشارهم على رقعة شاسعة من الأرض وبداية إعداد وتنفيذ خطط
وميزانيات التنمية، تمت الاستعانة بالأيدي العاملة غير الليبية البالغ عددها 16 ألف عامل عام 1962 بنسبة 4.5% من إجمالي العمالة البالغة 356 ألف عامل، ثم أخذ عدد القوى العاملة غير الليبية في الازدياد ليبلغ 187.9 ألف عامل عام 2000 وبنسبة 13% من إجمالي 1.445 مليون للعام ذاته، ثم أخذ عدد القوى العاملة غير الليبية في الازدياد ليبلغ 2.003 مليون، عام 2006 وبنسبة 10.7% من إجمالي 1.8762 مليون.
ثم أوضحت إحصائية البرنامج التنموي للفترة من 2008 إلى 2012، أن حجم العمالة غير الليبية زاد من 218.4 ألف عامل وبنسبة 11.8% من إجمالي الاستخدام في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني البالغ 1.8566 مليون، إلى حوالي 260.9 ألفا غير ليبي عام 2012 وبنسبة 12.7% من إجمالي العمالة البالغ 2.0523 مليون بحسب التقرير.
سوء الأوضاع
من جانبهم قال عمال مصريون في ليبيا لـ "العربي الجديد"، إن الأوضاع في البلاد تزداد سوءاً، وإن عددا كبيرا من المصريين فضل المغادرة، خاصة، بعد انتشار العمليات الأمنية والتفتيش على العمالة غير الشرعية، وتدني الدينار الليبي.
وقال عامل البناء المصري، جاد عبد الجابر، مقيم بشرق ليبيا، إن عددا كبيرا من العمال عادوا إلى مصر خاصة بعد تدني سعر الدينار الليبي الذي وصل إلى 4 جنيهات مصرية، بالإضافة إلى الملاحقات الأمنية التي يعاني منها العمال المصريون، خاصة العمالة غير الشرعية، بالإضافة إلى أن فصل الشتاء يتوقف فيه العمل بشكل كبير نظرا لهطول الأمطار.
وأوضح نجار مسلح في منطقة المرج، جبر جاب الله، إنه كان برفقة 25 شخصا مصريا لم يتبق منهم إلا خمسة أشخاص فقط والباقي ترك ليبيا وعاد إلى مصر.
وأضاف جاب الله أن الشرطة الليبية تلاحق العمالة المصرية وتسأل عن أدق التفاصيل، ومعظم هذه العمالة غير شرعي، وبالتالي أدى ذلك إلى ضغوط متزايدة على العمالة المصرية.
وأشار إلى أن مجموعة من أقاربه تم القبض عليهم منذ 20 يوما من قبل السلطات الليبية التابعة لحفتر في منطقة البيضا، لعدم وجود جوازات سفر معهم، وحتى الآن ما زالوا في السجون الليبية ولا أحد يعرف أماكنهم بالتحديد.
وأضاف أنه بمجرد خروجهم والاطمئنان عليهم سيترك البلاد ويعود إلى مصر لحين استقرار
الأوضاع.
وقال عضو شعبة إلحاق العمالة بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، فتحي رزق، لـ "العربي الجديد"، إنه لا يوجد حصر دقيق للعمالة المصرية في ليبيا، نظر لأن معظمها عمالة غير شرعية وأكثر من 70% منها دخل ليبيا عن طريق التهريب.
وأشار إلى تراجع أعداد العمالة المصرية بشكل كبير خلال الشهور الماضية، متوقعا أنه لا يزيد الآن بأي حال من الأحوال على 350 ألف عامل على أقصى تقدير.
ولفت النظر إلى أن شعبة إلحاق العمالة بالخارج كانت قد قررت شطب أي شركة تقوم بتسفير عمالة إلى ليبيا، نظرا لتدهور الأوضاع الأمنية هناك.
وقال عضو شعبة شركات الصرافة بالاتحاد العام للغرف التجارية، ناصر عبد الفتاح، لـ "العربي الجديد" إن معظم التحويلات الليبية تأتي في شكل دينار وليس دولارا، مرجعا ذلك إلى أن معظم العمالة الموجودة ترسل تحويلاتها بالعملة الليبية، ونسبة قليلة جداً من ترسلها بالدولار.
وأضاف أن الدينار الليبي تراجع إلى 4 جنيهات، بعد أن كان يتراوح بين 5 و5.5 جنيهات.