يحتاج النشاط الفكري لمؤسسات تحتضنه. الجامعة أبرز هذه المؤسسات، لكن في ظل انشغالها بمسؤولياتها الأساسية، يتهمّش فيها الاشتغال الفكري المُواظب. تنبني فكرة "الفيلاب" على محاولة تنشيط الحياة الفكرية الجامعية وتوسيع دائرتها الاجتماعية.
يقول رئيس "الفيلاب" الحالي، طاهر بن قيزة، في حديث مع "العربي الجديد": "توجد الآن رتابة جامعية تحول دون فتح سبل الإبداع أمام الطلبة". من جهة أخرى، يرى أن فكرة "الفيلاب" نجحت "بفضل مفهوم الصداقة"، الذي يُعرّفه كـ"تقاسم شركاء لمجموعة قيم"، ويضيف: "هناك خط عام داخل المخبر يقضي بإشراك الشباب في كل نشاط ننظمه".
يعترف بن قيزة بصعوبات مالية يواجهها المخبر الذي يطمح للانفتاح على الطباعة والنشر الإلكتروني، والأهم من ذلك اقتحام العمل الميداني. يتوزّع "الفيلاب" اليوم على 12 مجموعة بحث، منها: "الأخلاقيات والتقنية"، "سياسات الفن"، "العيش سويّاً"، "الواقعي والافتراضي".
خلال التظاهرات التي يُنظمها، تُطرح مواضيع ذات صلة بالحياة العامة. هذا الانفتاح جعل المخبر يجد صدى أكبر من قبل المهتمّين بالشأن الفكري في تونس، خصوصاً مع اعتماد الوسائل الحديثة للتواصل، حيث يمثل الإنترنت اليوم أرضية عمل يتحرّك فوقها.
يقول بن قيزة: "لا نستطيع أن نضع الواقع بين قوسين. في هذا العام مثلاً اشتغلنا على الهوية وعلى الفكر في العقيدة وعلى السياسة والفن. نحاول التفكير في ما هو راهن. طرحنا أسئلة حارقة حول الهوية الرقمية وعن علاقة الهوية بالوجه، وهل توجد عقيدة من دون أساس عقلي؟".
تأسس "الفيلاب" في 2002 من قبل المفكر التونسي فتحي التريكي الذي استمر في رئاسة المخبر حتى سنة 2013. ارتبط التأسيس بمجيء بول ريكور إلى تونس، وهو ما قُرئ في حينه كاعتراف بالنشاط الفكري في البلاد.
وكان السؤال الأول الذي طرحه "الفيلاب": "هل يمكن أن نتحدث عن وجود فلاسفة في تونس؟". كان الاشتغال على هذا السؤال دافعاً لتأسيس أول مجموعات البحث؛ "الفلسفة في تونس". بعد ذلك وبمرور السنوات، تطعّم المخبر بمجموعات أخرى وميادين بحث موازية للفلسفة، كعلم الاجتماع وعلوم الاتصال والجماليات. وفي 2013، انتقلت رئاسة "الفيلاب" إلى الأكاديمي طاهر بن قيزة.
عن دور الجامعة في المجتمع، يرى رئيس المخبر أنه توجد "سياسة لقطع الجامعة عن المجتمع أو توظيفها سياسياً"، ولعل "الفيلاب" من هذا المنظور هو محاولة لتجسير الهوة. ينتقد بن قيزة نزعة تنتشر اليوم في تونس تقول: "نكبتنا في نخبتنا"، ويرد: "لا نملك أن نجيب على هذه النزعة إلا بالعمل".