"يعدموا علينا كل شيء، عدا القات والإنترنت"، مازحاً وبشكل عرضي، حسم شاب ثلاثيني جدلاً كان ما يزال يتصاعد في بدايته مع أحد باعة القات، ضمن نقاش جانبي عن مدى تأثر سوق بيع هذه الأوراق الخضراء المحببة لدى معظم اليمنيين، جراء الحرب التي تمر بها البلاد منذ قرابة شهر.
أهمية "القات" في اليمن
"القات"، نبتة تشتهر بها اليمن منذ القدم، وسوقها رائجة طوال العام، وهي عبارة عن أوراق خضراء يتعاطاها اليمنيون يومياً في جلسات حميمية تستمر لساعات، يخوضون خلالها نقاشات متنوعة تشمل كافة مناحي الحياة. ومع أن معظم الدراسات، المحلية منها والخارجية، تتطابق بشأن احتواء النبتة على مواد منبّهة ومنشّطة، إلا أنها اقتصادياً تعتبر المادة الأكثر مبيعاً ورواجاً في السوق اليومية اليمنية، إذ تؤكد بعض الدراسات الحديثة أن نسبة متعاطي القات من اليمنيين تصل إلى ما بين 20 ـ 30% من السكان.
وتقول دراسة حديثة لوزارة الزراعة اليمنية، إن 72% من الرجال و33% من النساء فوق الـ12 سنة معتادون على مضغ نبتة القات، و42% من المستهلكين الذكور معتادون على ذلك بمعدل 5-7 أيام أسبوعياً. وترفع بعض الدراسات اليمنية نسبة النساء المتعاطيات للقات إلى 46%، بينما تضيف نسبة 23% من الأطفال، في حين يقوم رب الأسرة بإنفاق 35% من إجمالي دخله على القات مقابل 10% على تعليم أطفاله.
ومع أن للقات أضراراً كثيرة، ولا سيما على المياه الجوفية التي تستنزف نسبة كبيرة منها لريه تقدّر بنحو 28% من المياه (ما يساوي ربع كميات المياه المستخدمة للزراعة)، طبقاً لدراسة أعدّتها مؤسسة "يمن بلا قات"، إلا إنه يعدّ أيضاً أحد مصادر الدخل الهامة للبلاد. كما كشفت الدراسة الخاصة بوزارة الزراعة أن القات يساهم بنحو 33% من الناتج الزراعي، وما يعادل نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يساوي قرابة 54% من مساهمة النفط.
ويصل إجمالي إنتاج اليمن من القات إلى 193.394 طناً سنوياً، ويستحوذ على مساحة زراعية تقدر بـ168.772 هكتاراً من إجمالي المساحة الزراعية المقدرة بـ1.5 مليون هكتار، بحسب تقديرات منشورة للإدارة العامة للإحصاء الزراعي في وزارة الزراعة والري اليمنية.
القات في زمن الحرب
منذ 19 مارس/ آذار الماضي، بعد أن قرر الحوثيون، بمعية قوات من الجيش تابعة للرئيس المخلوع علي صالح، البدء بعملية اجتياح عسكرية لمدينة عدن الجنوبية (365 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، شهدت البلاد تدهوراً مريعاً في الحالة الأمنية، وزاد من ذلك، الضربات الجوية لقوى التحالف العربي العشري، بقيادة المملكة العربية السعودية منذ 26 مارس الماضي.
ومن خلال استقصاء آراء المعنيين بسوق القات، وثّقت "العربي الجديد" آثاراً جانبية بشكل خاص (اقتصادية واجتماعية وإنسانية)، أحدثت انكماشاً مؤثراً في هذه السوق، في ثلاث محافظات رئيسية، هي: العاصمة صنعاء، محافظة تعز، ومحافظة عدن، فيما كشفت أن عملية توفير القات من مصادره لم تتضرر كثيراً، إذ ظل من الممكن توفيره بشكل كبير، رغم استعار المواجهات الداخلية وتكثيف القصف الجوي الخارجي.
صنعاء: تدني الإقبال بسبب النزوح
يحصل تاجر القات عبدالكريم محمد عبدالله الشيخ، والذي يمتلك محلاً في شارع حدة، جنوب العاصمة صنعاء، على حصته من القات من محافظتي ذمار (100 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، ومحافظة صعدة (240 كلم شمال العاصمة صنعاء)، بينما يحصل زميله بدر محمد هاجر، والذي يمتلك مجموعة محلات صغيرة في شارع الرقاص، وسط العاصمة صنعاء، على حصته من مديرية أرحب (60 كلم تقريباً ـ شمال العاصمة صنعاء)، ومع ذلك ينفي كلا التاجرين أن تكون تلك الضربات الجوية قد أثرت كثيراً على مستوى إيصال "القات" من مصدره إلى أسواق العاصمة.
لكنهما، الشيخ وهاجر، يتفقان تماماً على أن مستوى الإقبال على "القات" انخفض فعلاً بشكل كبير، إذ يؤكد الأول على وجود نوع من الركود في السوق الصنعاني، أكبر الأسواق المنتجة والمروجة للقات. ويقدّر أنه "ربما بنسبة 50%"، فيما يجزم الآخر بأن السوق "تأثر كثيراً، مقارنة بما كان عليه قبل بدء الضربات الجوية".
وعند الحديث عن الأسباب، يرجع الشيخ ذلك إلى "نزوح عدد كبير من سكان صنعاء بسبب تكثيف الضربات وتوقف الدراسة والأعمال التجارية والحكومية"، بينما يضيف هاجر إلى ما سبق سبباً آخر هو "أن من تبقوا في صنعاء، معظمهم لم يعودوا قادرين على الحركة، إما بسبب انعدام الوقود أو نتيجة الخوف من تعرضهم للضربات الجوية المتواصلة أو لآثارها".
وعلى العكس مما كان يفترض أن تقل الأسعار نتيجة هذا الركود وضعف الإقبال، في الوقت الذي يتوفر فيه القات بكثرة في المزارع، إلا أن أسعار البيع للمستهلك ارتفعت في الأسواق الوسيطة بين المزارع والمستهلك.
ويرجع التاجران ذلك بدرجة رئيسية إلى انعدام الوقود الذي ارتفعت أسعاره إلى عشرة أضعاف سعره الحقيقي في بعض الأسواق السوداء، ما أدى بدوره إلى رفع كلفة نقل القات من المزرعة إلى السوق.
خصوصية تعز وعدن
مثل صنعاء، تضررت أسواق القات في محافظتي تعز، وسط اليمن (255 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، وعدن (360 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، من حيث نسبة الإقبال على شراء القات.
دماج م. تاجر قات يمتلك محلاً في سوق ديلوكس، وسط مدينة تعز، يؤكد أن القات "متوفر بكثرة هذه الأيام في منبعه (المزارع)، لكن كلفة نقله هي التي أدت إلى رفع أسعاره، في الوقت الذي أصبحت فيه القدرة الشرائية للمواطن ضعيفة جداً بسبب ارتفاع الأسعار واختفاء الوقود".
ولم تكن سوق تعز قد تضررت قبل نشوب المعارك المسلحة فيها أخيراً بين المقاومة الشعبية والمتمردين الحوثيين ومعها قوات الرئيس السابق صالح، بل على العكس كانت محظوظة بوصول الكثير من النازحين إليها من صنعاء وعدن، وبالتالي انتعاش سوقها. لكنها بعد وصول المعارك إليها في 16 إبريل/ نيسان الماضي، ركدت سوقها أيضاً، طبقاً لتاجري القات معمر النهاري ومعاذ عنتر، اللذين أكدا أن الإقبال على شراء القات "قلّ كثيراً لأن المواطنين سافروا إلى القرى هرباً من الاشتباكات التي اندلعت أخيراً في شوارع المدينة".
أما محافظة عدن، التي دخلت في حرب شوارع بين المقاومة الشعبية المؤيدة للشرعية والمنقلبين عليها، في وقت مبكر منذ منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، فمشكلتها في توفير القات في الأسواق تبدو كبيرة مقارنة بصنعاء وتعز.
ويقول الصحافي سمير حسن، من سكان مديرية خور مكسر، إن القات في عدن لم ينقطع نهائياً، لكن مستوى وصوله إلى بعض المديريات، لا سيما التي تخوض صراعاً مسلحاً، تدنى بشكل كبير جداً.
ويؤكد حسن أن مجموعة صغيرة فقط من التجار يمتلكون طرقهم الخاصة لإيصال القات إلى بعض الأسواق القريبة من مديريات الصراع المسلح، مخاطرين بحياتهم نظراً لما سيكسبونه في مثل هذه الظروف الاستثنائية، إذ ارتفعت فيها أسعار القات إلى مستويات جنونية تجاوزت الـ100% أحياناً.
ويضيف أيضاً أن معظم السكان في مديريات "خور مكسر" و"كريتر" و"المعلا"، لم يعودوا قادرين على الخروج من منازلهم لشراء حاجياتهم الأساسية من الغذاء "فما بالك بشراء القات"، وبالتالي فمن الطبيعي أن يقل معدل شراء القات بنسبة كبيرة جداً، "حتى أن معظم الأسواق الكبيرة أصبح لا يصلها سوى خمسة باعة بالكثير".
حصاد المشكلة الكلي
ظل القات، بسبب سوقة الأكثر رواجاً في معظم مناطق اليمن، مصدراً كبيراً للرزق لنسبة كبيرة من اليمنيين، لا سيما أبناء الريف، الذين تؤكد معظم الدراسات أن نسبتهم تتجاوز الـ50% من عدد السكان.
وبفعل عائداته الكبيرة، فقد ارتفعت نسبة العاملين في سوق القات بشكل كبير من إجمالي العاملين في القطاع الزراعي. وبيّنت دراسة سابقة أجرتها مؤسسة "يمن بلا قات"، أن تجارة القات تُعد من أكبر مصادر الدخل في الأرياف اليمنية، وثاني أكبر مصدر للوظائف في اليمن بشكل عام بعد قطاعي الزراعة والرعي. وهي الدراسة التي أكدت أيضاً أن حجم ما ينفقه اليمنيون سنوياً على القات يصل إلى 1.7 مليار دولار، أي ما يعادل ربع الميزانية السنوية للدولة.
أضف إلى ذلك ما سبقت الإشارة إليه عبر دراسة حديثة عن وزارة الزراعة اليمنية من أن القات يساهم بنحو 33% من الناتج الزراعي، وما يعادل نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يساوي قرابة 54% من مساهمة النفط، وبالتالي، فإن تواصل تأثر سوق القات سلباً بفعل استمرار النزاع الداخلي المسلح، من شأنه أن يؤثر كثيراً ليس فقط على مصادر الدخل لنسبة كبيرة من اليمنيين في الأرياف، بل إنه أيضاً سيزيد من أعباء المشكلة الاقتصادية في البلاد نتيجة النقص الذي سيطال الحزينة العامة للدولة، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن محصول القات من المفترض أن يسهم في رفد خزينة الدولة بمبالغ كبيرة نتيجة الضرائب المفروضة على قيمته والمتمثلة بـ20%، حتى بغض النظر عن التهرّب الضريبي في هذا الشأن الذي يعتقد أنه يراوح بين 70 - 90%.
--------
اقرأ أيضا :
1200 محتجز قسراً في سجون اليمن.. الموت طريق الخلاص
موسم الهجرة إلى الجنوب.. يمنيون يهربون إلى جيبوتي والصومال
أهمية "القات" في اليمن
"القات"، نبتة تشتهر بها اليمن منذ القدم، وسوقها رائجة طوال العام، وهي عبارة عن أوراق خضراء يتعاطاها اليمنيون يومياً في جلسات حميمية تستمر لساعات، يخوضون خلالها نقاشات متنوعة تشمل كافة مناحي الحياة. ومع أن معظم الدراسات، المحلية منها والخارجية، تتطابق بشأن احتواء النبتة على مواد منبّهة ومنشّطة، إلا أنها اقتصادياً تعتبر المادة الأكثر مبيعاً ورواجاً في السوق اليومية اليمنية، إذ تؤكد بعض الدراسات الحديثة أن نسبة متعاطي القات من اليمنيين تصل إلى ما بين 20 ـ 30% من السكان.
وتقول دراسة حديثة لوزارة الزراعة اليمنية، إن 72% من الرجال و33% من النساء فوق الـ12 سنة معتادون على مضغ نبتة القات، و42% من المستهلكين الذكور معتادون على ذلك بمعدل 5-7 أيام أسبوعياً. وترفع بعض الدراسات اليمنية نسبة النساء المتعاطيات للقات إلى 46%، بينما تضيف نسبة 23% من الأطفال، في حين يقوم رب الأسرة بإنفاق 35% من إجمالي دخله على القات مقابل 10% على تعليم أطفاله.
ومع أن للقات أضراراً كثيرة، ولا سيما على المياه الجوفية التي تستنزف نسبة كبيرة منها لريه تقدّر بنحو 28% من المياه (ما يساوي ربع كميات المياه المستخدمة للزراعة)، طبقاً لدراسة أعدّتها مؤسسة "يمن بلا قات"، إلا إنه يعدّ أيضاً أحد مصادر الدخل الهامة للبلاد. كما كشفت الدراسة الخاصة بوزارة الزراعة أن القات يساهم بنحو 33% من الناتج الزراعي، وما يعادل نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يساوي قرابة 54% من مساهمة النفط.
ويصل إجمالي إنتاج اليمن من القات إلى 193.394 طناً سنوياً، ويستحوذ على مساحة زراعية تقدر بـ168.772 هكتاراً من إجمالي المساحة الزراعية المقدرة بـ1.5 مليون هكتار، بحسب تقديرات منشورة للإدارة العامة للإحصاء الزراعي في وزارة الزراعة والري اليمنية.
القات في زمن الحرب
منذ 19 مارس/ آذار الماضي، بعد أن قرر الحوثيون، بمعية قوات من الجيش تابعة للرئيس المخلوع علي صالح، البدء بعملية اجتياح عسكرية لمدينة عدن الجنوبية (365 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، شهدت البلاد تدهوراً مريعاً في الحالة الأمنية، وزاد من ذلك، الضربات الجوية لقوى التحالف العربي العشري، بقيادة المملكة العربية السعودية منذ 26 مارس الماضي.
ومن خلال استقصاء آراء المعنيين بسوق القات، وثّقت "العربي الجديد" آثاراً جانبية بشكل خاص (اقتصادية واجتماعية وإنسانية)، أحدثت انكماشاً مؤثراً في هذه السوق، في ثلاث محافظات رئيسية، هي: العاصمة صنعاء، محافظة تعز، ومحافظة عدن، فيما كشفت أن عملية توفير القات من مصادره لم تتضرر كثيراً، إذ ظل من الممكن توفيره بشكل كبير، رغم استعار المواجهات الداخلية وتكثيف القصف الجوي الخارجي.
صنعاء: تدني الإقبال بسبب النزوح
يحصل تاجر القات عبدالكريم محمد عبدالله الشيخ، والذي يمتلك محلاً في شارع حدة، جنوب العاصمة صنعاء، على حصته من القات من محافظتي ذمار (100 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، ومحافظة صعدة (240 كلم شمال العاصمة صنعاء)، بينما يحصل زميله بدر محمد هاجر، والذي يمتلك مجموعة محلات صغيرة في شارع الرقاص، وسط العاصمة صنعاء، على حصته من مديرية أرحب (60 كلم تقريباً ـ شمال العاصمة صنعاء)، ومع ذلك ينفي كلا التاجرين أن تكون تلك الضربات الجوية قد أثرت كثيراً على مستوى إيصال "القات" من مصدره إلى أسواق العاصمة.
وعند الحديث عن الأسباب، يرجع الشيخ ذلك إلى "نزوح عدد كبير من سكان صنعاء بسبب تكثيف الضربات وتوقف الدراسة والأعمال التجارية والحكومية"، بينما يضيف هاجر إلى ما سبق سبباً آخر هو "أن من تبقوا في صنعاء، معظمهم لم يعودوا قادرين على الحركة، إما بسبب انعدام الوقود أو نتيجة الخوف من تعرضهم للضربات الجوية المتواصلة أو لآثارها".
وعلى العكس مما كان يفترض أن تقل الأسعار نتيجة هذا الركود وضعف الإقبال، في الوقت الذي يتوفر فيه القات بكثرة في المزارع، إلا أن أسعار البيع للمستهلك ارتفعت في الأسواق الوسيطة بين المزارع والمستهلك.
ويرجع التاجران ذلك بدرجة رئيسية إلى انعدام الوقود الذي ارتفعت أسعاره إلى عشرة أضعاف سعره الحقيقي في بعض الأسواق السوداء، ما أدى بدوره إلى رفع كلفة نقل القات من المزرعة إلى السوق.
خصوصية تعز وعدن
مثل صنعاء، تضررت أسواق القات في محافظتي تعز، وسط اليمن (255 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، وعدن (360 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، من حيث نسبة الإقبال على شراء القات.
دماج م. تاجر قات يمتلك محلاً في سوق ديلوكس، وسط مدينة تعز، يؤكد أن القات "متوفر بكثرة هذه الأيام في منبعه (المزارع)، لكن كلفة نقله هي التي أدت إلى رفع أسعاره، في الوقت الذي أصبحت فيه القدرة الشرائية للمواطن ضعيفة جداً بسبب ارتفاع الأسعار واختفاء الوقود".
أما محافظة عدن، التي دخلت في حرب شوارع بين المقاومة الشعبية المؤيدة للشرعية والمنقلبين عليها، في وقت مبكر منذ منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، فمشكلتها في توفير القات في الأسواق تبدو كبيرة مقارنة بصنعاء وتعز.
ويقول الصحافي سمير حسن، من سكان مديرية خور مكسر، إن القات في عدن لم ينقطع نهائياً، لكن مستوى وصوله إلى بعض المديريات، لا سيما التي تخوض صراعاً مسلحاً، تدنى بشكل كبير جداً.
ويؤكد حسن أن مجموعة صغيرة فقط من التجار يمتلكون طرقهم الخاصة لإيصال القات إلى بعض الأسواق القريبة من مديريات الصراع المسلح، مخاطرين بحياتهم نظراً لما سيكسبونه في مثل هذه الظروف الاستثنائية، إذ ارتفعت فيها أسعار القات إلى مستويات جنونية تجاوزت الـ100% أحياناً.
ويضيف أيضاً أن معظم السكان في مديريات "خور مكسر" و"كريتر" و"المعلا"، لم يعودوا قادرين على الخروج من منازلهم لشراء حاجياتهم الأساسية من الغذاء "فما بالك بشراء القات"، وبالتالي فمن الطبيعي أن يقل معدل شراء القات بنسبة كبيرة جداً، "حتى أن معظم الأسواق الكبيرة أصبح لا يصلها سوى خمسة باعة بالكثير".
حصاد المشكلة الكلي
ظل القات، بسبب سوقة الأكثر رواجاً في معظم مناطق اليمن، مصدراً كبيراً للرزق لنسبة كبيرة من اليمنيين، لا سيما أبناء الريف، الذين تؤكد معظم الدراسات أن نسبتهم تتجاوز الـ50% من عدد السكان.
وبفعل عائداته الكبيرة، فقد ارتفعت نسبة العاملين في سوق القات بشكل كبير من إجمالي العاملين في القطاع الزراعي. وبيّنت دراسة سابقة أجرتها مؤسسة "يمن بلا قات"، أن تجارة القات تُعد من أكبر مصادر الدخل في الأرياف اليمنية، وثاني أكبر مصدر للوظائف في اليمن بشكل عام بعد قطاعي الزراعة والرعي. وهي الدراسة التي أكدت أيضاً أن حجم ما ينفقه اليمنيون سنوياً على القات يصل إلى 1.7 مليار دولار، أي ما يعادل ربع الميزانية السنوية للدولة.
أضف إلى ذلك ما سبقت الإشارة إليه عبر دراسة حديثة عن وزارة الزراعة اليمنية من أن القات يساهم بنحو 33% من الناتج الزراعي، وما يعادل نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يساوي قرابة 54% من مساهمة النفط، وبالتالي، فإن تواصل تأثر سوق القات سلباً بفعل استمرار النزاع الداخلي المسلح، من شأنه أن يؤثر كثيراً ليس فقط على مصادر الدخل لنسبة كبيرة من اليمنيين في الأرياف، بل إنه أيضاً سيزيد من أعباء المشكلة الاقتصادية في البلاد نتيجة النقص الذي سيطال الحزينة العامة للدولة، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن محصول القات من المفترض أن يسهم في رفد خزينة الدولة بمبالغ كبيرة نتيجة الضرائب المفروضة على قيمته والمتمثلة بـ20%، حتى بغض النظر عن التهرّب الضريبي في هذا الشأن الذي يعتقد أنه يراوح بين 70 - 90%.
--------
اقرأ أيضا :
1200 محتجز قسراً في سجون اليمن.. الموت طريق الخلاص
موسم الهجرة إلى الجنوب.. يمنيون يهربون إلى جيبوتي والصومال