القاهرة.. المدينة المحرمة

28 فبراير 2018
+ الخط -
أعلن الحزب الشيوعي الصيني موافقته على إلغاء عدد فترات ولاية رئيس الجمهورية التي كانت محددة بولايتين حدّا أقصى، وذلك بعد اقتراح من اللجنة المركزية للحزب حذف تلك المادة من دستور البلاد، وطرحها على البرلمان الصيني للتصويت عليها في مارس/ آذار المقبل، ليفتح الباب أمام الرئيس شي بتنصيبه إمبراطورا جديدا للمدينة المحرمة، المدينة المحرمة تلك البقعة التي يقع بها القصر الإمبراطوري الصيني، والتي لا يسمح لأحد الإقتراب منها إلا بأمر الإمبراطور.
بدأ شي حقبته بسلسلة حملات قمعية لأي معارضة داخلية، داخل الحزب وخارجه، فبعد الوصول إلى سدة الحكم عام 2013 بدأ حملة مكافحة الفساد غطاء لمعاقبة نحو مليون مسؤول صيني، ليعلن انفراده بزمام السلطة في البلاد، وهي قرارات اعتدنا عليها من أي نظام شمولي، يسيطر عليه نظام الحزب الواحد، خصوصا أنّ النظام الصيني لم يدّع أنه ديمقراطي، ويحترم الحقوق والحريات، كما تقوم بعض الأنظمة السياسية في بلادنا!
يصادف على ذلك الكوكب الغريب على بعد 6878 كيلو متر غرب بكين، حيث تقع القاهرة، أن تواجه مصر المشكلة نفسها مع اقتراب بداية ولاية عبد الفتاح السيسي الثانية رئيساً للبلاد، فالبند الذي ينص في الدستور المصري على أنّ الحد الأقصى لفترات ولاية الرئيس ولايتان فقط، سيصبح مستهدفاً من النظام وأجهزته، فور إعلان فوز السيسي بولاية ثانية لحكم مصر، فعلى الرغم من افتقاد النظام المصري الحزب الشيوعي الذي منح شي القداسة الإلهية لحكم البلاد، إلا أنه يمتلك مواهب إعلامية، وأنظمة استخباراتية تفوق الأنظمة الشمولية في مجدها، تستطيع أن تؤهل المجتمع والوعي المصري، لتفهم الخطر الذي ستواجهه البلاد من دون حكم جلالته، لتبدأ حملات إعلامية مستندة على القرار الصيني، كونه النظام المثالي اقتصادياً، لتوعية الشعب الذي لا حول ولا قوة به بأهمية القرار الصائب، ناهيك عن الحملات الميدانية المدعومة بالأجهزة الأمنية التي ستجرف أي عميل خائن مناهض لذلك القرار الحكيم.
أدرك السيسي، مصحوبا بخلفيته العسكرية، المخاطر والأخطاء التي تعرض لها أنور السادات وحسني مبارك، حين سمحا بحياة حزبية كرتونية في مصر، وأن ذلك الباب الذي سُمح له بالمواربة، كان السبب الرئيسي في حالة السيولة السياسية التي شهدتها مصر، من أفكار وإيديولوجيات حزبية مختلفة منذ عام 1970. لذلك قرر الجنرال إحضار تصور جديد لحكم البلاد، مختلفاً حتى عن حكم جمال عبد الناصر صاحب أول تجربة حزبية شمولية في مصر، متمثلة في الاتحاد الاشتراكي، حيث رفض فكرة إنشاء حزب يكون هو على رأسه، ممثلاً الحزب الحاكم صاحب الأغلبية البرلمانية في البلاد، ليغلق الباب علي أي ممارسة سياسية حقيقية ممثلة في الحياة الحزبية، مكتفياً بالحزب الشمولي الدائم في مصر منذ ما يفوق ستة عقود، الذي سيعطيه الموافقة الحقيقية على إلغاء ذلك البند المزعج في الدستور المصري، من دون الحاجة إلي تصويت البرلمانيين، إلا شكلياً حتى لا نصنف دولا شمولية لا تحترم الحقوق والحريات.
ختاماً نستدل من كلمات عبد الرحمن الكواكبي، حين قال "الاستبداد داء أشد وطأة من الوباء، أكثر هولا من الحريق، أعظم تخريبا من السيل، أذل للنفوس من السؤال. داء إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي: القضاء، القضاء! والأرض تناجي ربها بكشف البلاء. أنه كان ينادي الأحرار بمقاومة الاستبداد ورفضه، لأن ناره لا تتحمله السماء والأرض، فما بالك بالحر حين تمسه ناره، ويراه في كل بقاع وطنه".
475B64D7-1E32-4367-9839-86F6D906C678
475B64D7-1E32-4367-9839-86F6D906C678
أحمد مصطفى (مصر)
أحمد مصطفى (مصر)