تواصل الحكومة المصرية مساعيها لتعديل قانون الجمعيات الأهلية، بعد وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بذلك الشهر الماضي. لكن خريطة المواعيد التي أعلنتها وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، تغيرت. فبعدما كان من المقرر أن تعلن الوزارة مشروع قانون بديل خلال ديسمبر/ كانون الأول الحالي، قالت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، إنه تم تكليف مؤسسة "مصر الخير"، الموالية للنظام، والتي تدار بواسطة جهات وشخصيات على علاقة مباشرة بالسيسي، بإجراء "حوار ممتد مع الجمعيات الأهلية الأخرى للوقوف على مقترحاتها للتعديلات".
وأضافت المصادر أنه بالتوازي مع ذلك الحوار، فإن لجاناً خاصة من جهازي الاستخبارات العامة والأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) ستجتمع مع ممثلي منظمات المجتمع المدني الأجنبية في مصر، والجهات المانحة التابعة لحكومات الولايات المتحدة وألمانيا والدول الاسكندنافية، بغية التوصل إلى "اتفاقات ثنائية" مع كل جهة بشأن مقترحات التعديل من جهة، وبشأن خطة عملها في مصر للعامين المقبلين من جهة أخرى. ويأتي هذا التحرك في إطار محاولة السيسي لإرضاء الحكومات الأجنبية وضمان استمرار ضخها أموال المساعدات للجمعيات المصرية، لأن المؤسسات التابعة للحكومات لا تستطيع تحمل عبء الحركة وتوجيه الأموال ومباشرة الأنشطة في جميع المحافظات، وبالتالي فإن حاجتها لجمعيات مصرية تكون وعاءً لمساعداتها الاجتماعية تحتم عليها ضرورة الاستعانة بتلك الجمعيات، وتحتم على الحكومة المصرية اتخاذ التدابير اللازمة لاستمرار ذلك التدفق، الذي انخفض بصورة ملحوظة منذ صدور القانون المستهدف تعديله حالياً في مايو/ أيار العام 2017.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد خاطبت نظيراتها في تلك الدول بعد صدور القانون لتعطيل عمل المنظمات والمؤسسات المانحة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في مصر، بحجة وجوب توفيق أوضاع هذه المنظمات المصرية أولاً، خصوصاً إذا كانت تعمل في المجال الحقوقي، وسواء كانت تمر عبر وزارة التضامن الاجتماعي أو وزارات أخرى أو مؤسسات تعليمية مصرية أو أجنبية عاملة داخل مصر، أو كانت تمر عبر قنوات غير شرعية وغير مراقبة إدارياً من قبل الحكومة المصرية، بهدف تجفيف منابع تمويل المنظمات الأهلية القائمة بصورة غير مشروعة، وكذلك وقف الأنشطة السياسية والتثقيفية والاجتماعية غير المرغوب فيها من قبل النظام.
وكشفت المصادر الحكومية أن هذا التضييق أدى إلى انخفاض عدد الجمعيات الجديدة التي أشهرت في عام 2018 إلى أقل من 300، بعدما كان متوسط عدد الجمعيات في عام واحد يتجاوز الألف. كما أدى هذا التضييق إلى تعذر وصول المساعدات المالية الشرعية، من خلال وزارة التضامن، إلى أكثر من 200 جمعية قديمة وجديدة، وهو ما دفع بعض الدول إلى التهديد بوقف مساعداتها الاجتماعية لمصر. وتوجه معظم المساعدات الاجتماعية إلى مشاريع إنشاء مدارس ووحدات صحية ومستشفيات، وتحديداً في قرى الصعيد الأكثر فقراً، التي تعترف الحكومة بأن المجتمع الأهلي الممول بمساعدات أجنبية أو تبرعات محلية يتولى أكثر من 70 في المائة من الأعمال الإنشائية واللوجستية فيها. وبحسب المصادر، فإن نظام السيسي تنبه إلى حقيقة أنه لا يستطيع التضحية بتلك المساعدات بسبب نظرة قاصرة أو ضيقة للمنظمات الحقوقية المعارضة للنظام، ولا يمكنه المضي قدماً في هذه الإجراءات التعسفية مع جميع الجمعيات والمؤسسات، نتيجة خوف من فئة واحدة.
وذكرت المصادر أن مطالبات الجهات الأجنبية للجان الاستخبارات والأمن الوطني تضمنت إزالة العقبات القانونية أمام وصول التمويل إلى الجمعيات التي تختارها، وعدم إجبارها على توجيه المساعدات لجمعيات بعينها، وذلك كرد فعل على محاولات مورست من قبل النظام، في العام الماضي، لتوجيه التمويل إلى جمعيات موالية له، أنشئت حديثاً في محاولة لملء الفراغ الذي تركته الجمعيات المنبثقة من جماعة الإخوان المسلمين والجمعية الشرعية والتيار السلفي، بعد التحفظ على المئات منها أو حلها بتهمة تمويل "الإخوان" وتبييض الأموال وتوجيهها لأنشطة إرهابية. كما طالبت الجهات الأجنبية، مثل الجمعيات المصرية، بإلغاء الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، الذي كان يخلق دوراً رسمياً للأجهزة الأمنية والاستخباراتية ويقلل من سلطة وزارة التضامن على عمل المنظمات، ويمنح تلك الأجهزة سلطة منع وصول التمويل للجمعيات، وإقرار أو رفض التغييرات الهيكلية واللوائح الداخلية للمؤسسات، وقدرتها على مطالبة المحاكم بحل الجمعيات. وطالبت الجهات الأجنبية أيضاً بخلو القانون ليس فقط من عقوبات الحبس في بعض المخالفات، بل كذلك من عقوبات حل الجمعيات، مع الاكتفاء بالعقوبات الإدارية، مثل حل مجلس الإدارة وعرض أمر حل الجمعية وتصفية أموالها على القضاء، فضلاً عن تعديل إجراءات تأسيس الجمعيات لتصبح بالإخطار دون أحقية وزارة التضامن في رفضه نتيجة اعتراضات موضوعية، وأن تحال أي اعتراضات من الوزارة بطلب رفض مسبب إلى القضاء للفصل فيها.
وكان مصدر دبلوماسي أوروبي قد قال، لـ"العربي الجديد"، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تعليقاً على دعوة السيسي لتعديل القانون، إن "التعديل لن ينعكس بالإيجاب على الوضع الحالي، الذي تمارس فيه الحكومة الضغوط عرفياً لإجبار الدول الغربية على توجيه الدعم إلى جمعيات يؤيد مديروها النظام الحاكم، رغم عدم تمتعها بالخبرة الكافية في مجالات العمل الإنساني أو الحقوقي". وأضاف "بعض الدول، كألمانيا والسويد والدنمارك وهولندا، اضطرت لتوجيه الدعم لجمعيات جديدة، أو أخرى غير مختبرة من قبل، لإتمام مشاريع المساعدة التي بدأت بالفعل. فهناك قائمة طويلة من الجمعيات القائمة المحظور التعامل معها بسبب مواقفها السياسية، أو تصنيفها أمنياً، وفي حالة الإصرار على إرسال تمويل لها يتم تجميده دون مبررات". وكانت السويد قد ألغت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، اتفاقها مع مصر بشأن المعهد السويدي المقام في الإسكندرية، وأعلنت نقل مقر المعهد بشمال أفريقيا إلى دولة أخرى، وذلك بعد أشهر قليلة من انتقادها الإبقاء على قانون العمل الأهلي، وتهديدها بوقف تمويل مشاريع تنموية وتعليمية.