قليلاً ما تحدث انتخابات تشريعية في إسرائيل، من دون أن تسبقها أو تصاحبها أحداث دامية موجهة ضد أهلنا في فلسطين المحتلة، خصوصاً بعد هيمنة حزب الليكود على مقاليد الأمور، بدءاً من بيغن، وشامير، وشارون، وانتهاءً بنتنياهو.
وهذا لا يعني أن زعماء حزب العمل وغيرهم من قادة الأحزاب الأخرى، مثل حزب ميريتس، لم يمارسوا العنف والإرهاب ضد الأهل، ولكنهم لم يصلوا به إلى المستوى الذي أوصلها إياه حزب الليكود، ومن لفّ حوله من الأحزاب العنصرية المتطرفة.
والكنيست الحالي هو العشرون، تنتهي مدته حكماً في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019. ولكن رئيس الوزراء قد يجد نفسه أمام أزمة داخلية، أو أمام تطوراتٍ أمنية أو عسكرية، ما يدفعه إلى طلب حل الكنيست قبل انتهاء مدته، والإعلان عن انتخابات جديدة للكنيست الحادي والعشرين.
وفي هذا السّياق، يثور السؤال: هل ما يجري من أحداث في القدس، وتحرّش بالفلسطينيين المرابطين في القدس والأرض المباركة حولها، والسماح لمصورين هواة أو محترفين بالتقاط أشرطة كاملة عن سوء معاملة المتظاهرين ضد التطاول الإسرائيلي على المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، هل هذا كله مقصود لإثارة مزيدٍ من ردود الفعل العربية والإسلامية الغاضبة، حتى يبدأ الإسرائيليون بالخوف، فيلتفوا حول المتطرّفين الداعين إلى مزيدٍ من العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين الرابضين تحت الاحتلال؟
من الواضح أن عصر الكاميرات التي يمكن إخفاؤها في جهاز هاتف نقال، أو حتى في زر قميص، أو في نظارة، يمكن أن تلتقط صوراً، ولكن لفترة قصيرة، أو للقطة سريعة، أما أن يصوّر بأشرطة تصل دقائق في طولها أو أكثر من ذلك، فإن هذا يقع تحت إطار ما تسميه "هوليود" "هز الكلب"، وهو السعي إلى إلهاء الناس بقضية أقل أهمية من القضية الأساسية المراد تنفيذها.
ويعني الاصطلاح "واج ذا دوج"، أن ذنب الكلب إذا تحرّك فسوف يسرق الاهتمام من حركة الكلب نفسه، ويسيطر الذنب على المشهد.
ويعلم بنيامين نتنياهو أن أي تعرّض للمسجد الأقصى سوف يثير زوبعة عارمة من ردود الفعل الغاضبة. ولكن هل هدفه، في هذه اللحظة، زرع الحواجز الإلكترونية أم وضع الكاميرات في الأقصى؟ أم أن المقصود هو الفوز في الانتخابات المقبلة، خصوصاً حيال الطامحين إلى الفوز بها في الجولة المقبلة؟
هناك من يعتقد أن نتنياهو لا بد أن يُغيّر، فقد فاز ثلاث مرات في الانتخابات، وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح صاحب أطول خدمة رئيساً لوزراء إسرائيل، متفوقاً على ديفيد بن غوريون، وهو ما زال يطمح إلى أن يستمر في العمل، وينجح في انتخابات تشريعية مقبلة، تمكّنه من تشكيل حكومات جديدة.
وفي التحالف الذي يقوده، هناك من يود أن يحل مكانه، مثل وزير الدفاع الحالي، أفيغدور ليبرمان. أما خارج الائتلاف الحكومي، فهنالك معارضون، أمثال رئيس حزب العمل إسحق هيرتزوغ، وهنالك بالطبع يائير لابيد، رئيس حزب ياش أتيد، والذي حصل على 13 مقعداً في الانتخابات السابقة، وانسحب من حكومة نتنياهو، بعدما انضم إليها في البداية (2015).
والسؤال الذي يطرحه نتنياهو على نفسه ومعاونيه في الوقت الراهن: "هل هناك أمل أفضل بالفوز في انتخابات مبكرة أم في انتخابات في موعدها؟". ولعل نتنياهو يرى في انتخابات مبكرة فرصة للنجاح، قبل أن يتمكّن منافسوه من تغييره زعيماً لحزب الليكود، أو في مطاولته في الانتخابات من ليبرمان الذي يحظى حزبه فقط بستة مقاعد، ولكنه قادرٌ، إن احتاج الأمر، على ضم كل الأحزاب المتطرفة إلى حكومته، كما فعل نتنياهو.
لا أعتقد أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، يحب نتنياهو، بل ربما يختلف معه بشكل حدّي أكثر من خلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.
إذن، ما هي لعبة نتنياهو؟
إنه يريد أن يظهر قادراً على أن يتقدّم خطواتٍ نحو إجراءات داخل حرب المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، ما يرضي المتطرفين اليهود في إسرائيل، ويحفّزهم على تفضيله على منافسه ليبرمان، أو أي شخص آخر داخل حزب الليكود قد يطمع في أن يحل مكانه. وهو يفعل ذلك في وقتٍ يروّج ويدّعي ويوجّه رسائل بأنه يحمي مصالح بعض دول مجلس التعاون، ويتودّد إليها ويتقرب منها.
وهو لا شك يعتقد أن النفوذ اليهودي المتغلغل أكثر وأكثر في الكونغرس والإدارة الأميركيين، وشرذمة الأوضاع العربية، واحتمالات تقسيم بعض أقطار الوطن العربي إلى دويلات على طريقة البلقان، تعطيه الأمن والثقة بأنه قادر على كل شيء، وعلى أي شيء.
ولكن، ماذا لو خسر المعركة، وتراجع عن قراراته بسبب شدّة ردة الفعل، وبسبب خسارة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وتراجع سمعتها التي تبثها عبر وسائل الإعلام على حساب سمعة العرب، فهل سيكون من مصلحته تقديم موعد الانتخابات؟
عارض نتنياهو في يوم من الأيام قرار أرئيل شارون الانسحاب من غزة، واستقال من حكومته، وشنّ حربين على غزة. ولكنه هو الذي قدّم، في حكومته الأولى، مشروع نقاط أربع للانسحاب من جنوب لبنان.
هنالك كثيرون في الغرب ممن يريدون له الفشل، وأعداؤه في الخارج يتكاثرون، خصوصاً في الولايات المتحدة، فهل هو قادر على النجاة في الانتخابات المقبلة؟
هذا أمر يستحق وقفة متأنية وتأملاً.
يقول محللون إن ما يجري في الأقصى جزء أساسي من استراتيجية الحركة الصهيونية، والساعية إلى استبدال الأقصى والقبة بهيكل سليمان الذي لم يعثر على أي أثر يدلّ عليه حتى الآن، على الرغم من كل الحفريات التي أجريت تحته. وهذا الاستنتاج صحيح. ولكن الأصح أن نحلل الأزمة بدقة، ونتعرّف على الأدوات التي يستخدمها هؤلاء، للوصول إلى مآربهم، وتحديد ما يمكننا تحمله.
إن للأقصى رباً يحميه. ولكن هل هنالك طير أبابيل، أم أن العقل والحكمة والتخطيط السليم والتعاون العربي وسائلنا لذلك؟
اقــرأ أيضاً
وهذا لا يعني أن زعماء حزب العمل وغيرهم من قادة الأحزاب الأخرى، مثل حزب ميريتس، لم يمارسوا العنف والإرهاب ضد الأهل، ولكنهم لم يصلوا به إلى المستوى الذي أوصلها إياه حزب الليكود، ومن لفّ حوله من الأحزاب العنصرية المتطرفة.
والكنيست الحالي هو العشرون، تنتهي مدته حكماً في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019. ولكن رئيس الوزراء قد يجد نفسه أمام أزمة داخلية، أو أمام تطوراتٍ أمنية أو عسكرية، ما يدفعه إلى طلب حل الكنيست قبل انتهاء مدته، والإعلان عن انتخابات جديدة للكنيست الحادي والعشرين.
وفي هذا السّياق، يثور السؤال: هل ما يجري من أحداث في القدس، وتحرّش بالفلسطينيين المرابطين في القدس والأرض المباركة حولها، والسماح لمصورين هواة أو محترفين بالتقاط أشرطة كاملة عن سوء معاملة المتظاهرين ضد التطاول الإسرائيلي على المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، هل هذا كله مقصود لإثارة مزيدٍ من ردود الفعل العربية والإسلامية الغاضبة، حتى يبدأ الإسرائيليون بالخوف، فيلتفوا حول المتطرّفين الداعين إلى مزيدٍ من العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين الرابضين تحت الاحتلال؟
من الواضح أن عصر الكاميرات التي يمكن إخفاؤها في جهاز هاتف نقال، أو حتى في زر قميص، أو في نظارة، يمكن أن تلتقط صوراً، ولكن لفترة قصيرة، أو للقطة سريعة، أما أن يصوّر بأشرطة تصل دقائق في طولها أو أكثر من ذلك، فإن هذا يقع تحت إطار ما تسميه "هوليود" "هز الكلب"، وهو السعي إلى إلهاء الناس بقضية أقل أهمية من القضية الأساسية المراد تنفيذها.
ويعني الاصطلاح "واج ذا دوج"، أن ذنب الكلب إذا تحرّك فسوف يسرق الاهتمام من حركة الكلب نفسه، ويسيطر الذنب على المشهد.
ويعلم بنيامين نتنياهو أن أي تعرّض للمسجد الأقصى سوف يثير زوبعة عارمة من ردود الفعل الغاضبة. ولكن هل هدفه، في هذه اللحظة، زرع الحواجز الإلكترونية أم وضع الكاميرات في الأقصى؟ أم أن المقصود هو الفوز في الانتخابات المقبلة، خصوصاً حيال الطامحين إلى الفوز بها في الجولة المقبلة؟
هناك من يعتقد أن نتنياهو لا بد أن يُغيّر، فقد فاز ثلاث مرات في الانتخابات، وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح صاحب أطول خدمة رئيساً لوزراء إسرائيل، متفوقاً على ديفيد بن غوريون، وهو ما زال يطمح إلى أن يستمر في العمل، وينجح في انتخابات تشريعية مقبلة، تمكّنه من تشكيل حكومات جديدة.
وفي التحالف الذي يقوده، هناك من يود أن يحل مكانه، مثل وزير الدفاع الحالي، أفيغدور ليبرمان. أما خارج الائتلاف الحكومي، فهنالك معارضون، أمثال رئيس حزب العمل إسحق هيرتزوغ، وهنالك بالطبع يائير لابيد، رئيس حزب ياش أتيد، والذي حصل على 13 مقعداً في الانتخابات السابقة، وانسحب من حكومة نتنياهو، بعدما انضم إليها في البداية (2015).
والسؤال الذي يطرحه نتنياهو على نفسه ومعاونيه في الوقت الراهن: "هل هناك أمل أفضل بالفوز في انتخابات مبكرة أم في انتخابات في موعدها؟". ولعل نتنياهو يرى في انتخابات مبكرة فرصة للنجاح، قبل أن يتمكّن منافسوه من تغييره زعيماً لحزب الليكود، أو في مطاولته في الانتخابات من ليبرمان الذي يحظى حزبه فقط بستة مقاعد، ولكنه قادرٌ، إن احتاج الأمر، على ضم كل الأحزاب المتطرفة إلى حكومته، كما فعل نتنياهو.
لا أعتقد أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، يحب نتنياهو، بل ربما يختلف معه بشكل حدّي أكثر من خلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.
إذن، ما هي لعبة نتنياهو؟
إنه يريد أن يظهر قادراً على أن يتقدّم خطواتٍ نحو إجراءات داخل حرب المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، ما يرضي المتطرفين اليهود في إسرائيل، ويحفّزهم على تفضيله على منافسه ليبرمان، أو أي شخص آخر داخل حزب الليكود قد يطمع في أن يحل مكانه. وهو يفعل ذلك في وقتٍ يروّج ويدّعي ويوجّه رسائل بأنه يحمي مصالح بعض دول مجلس التعاون، ويتودّد إليها ويتقرب منها.
وهو لا شك يعتقد أن النفوذ اليهودي المتغلغل أكثر وأكثر في الكونغرس والإدارة الأميركيين، وشرذمة الأوضاع العربية، واحتمالات تقسيم بعض أقطار الوطن العربي إلى دويلات على طريقة البلقان، تعطيه الأمن والثقة بأنه قادر على كل شيء، وعلى أي شيء.
ولكن، ماذا لو خسر المعركة، وتراجع عن قراراته بسبب شدّة ردة الفعل، وبسبب خسارة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وتراجع سمعتها التي تبثها عبر وسائل الإعلام على حساب سمعة العرب، فهل سيكون من مصلحته تقديم موعد الانتخابات؟
عارض نتنياهو في يوم من الأيام قرار أرئيل شارون الانسحاب من غزة، واستقال من حكومته، وشنّ حربين على غزة. ولكنه هو الذي قدّم، في حكومته الأولى، مشروع نقاط أربع للانسحاب من جنوب لبنان.
هنالك كثيرون في الغرب ممن يريدون له الفشل، وأعداؤه في الخارج يتكاثرون، خصوصاً في الولايات المتحدة، فهل هو قادر على النجاة في الانتخابات المقبلة؟
هذا أمر يستحق وقفة متأنية وتأملاً.
يقول محللون إن ما يجري في الأقصى جزء أساسي من استراتيجية الحركة الصهيونية، والساعية إلى استبدال الأقصى والقبة بهيكل سليمان الذي لم يعثر على أي أثر يدلّ عليه حتى الآن، على الرغم من كل الحفريات التي أجريت تحته. وهذا الاستنتاج صحيح. ولكن الأصح أن نحلل الأزمة بدقة، ونتعرّف على الأدوات التي يستخدمها هؤلاء، للوصول إلى مآربهم، وتحديد ما يمكننا تحمله.
إن للأقصى رباً يحميه. ولكن هل هنالك طير أبابيل، أم أن العقل والحكمة والتخطيط السليم والتعاون العربي وسائلنا لذلك؟