القراءة كعقاب والقراءة كدواء

27 أكتوبر 2016
يجب أن تولي استراتيجيات التربية والتعليم أهمية للقراءة والمطالعة(Getty)
+ الخط -
لا أزال أتذكّر بحنينٍ كبير تلك الساعات المدرسية التي كانت الناظرة تأتي خلالها لتصحبنا إلى غرفة المكتبة، هناك نضيع أمام الرفوف والعناوين، وبعد أن يختار كل واحد منا كتاباً ما، يسجّل عنوان الكتاب وتاريخ استلامه. كانت الفرصة الممنوحة لنا أسبوعاً واحداً لقراءة الكتاب وتلخيصه!. في تلك الفترة قرأنا عن مدام كوري وهيلن كيلر وأديسون وسواهم... فهل مازال الطلبة يتمتّعون، اليوم، بحصة مكتبية للمطالعة كل أسبوع؟ وهل تتضمن استراتيجيات التربية والتعليم حالياً أي التفاتةٍ لموضوع تعزيز القراءة والمطالعة؟

سؤال أطرحه مع تزايد ملاحظة عزوف الجيل الجديد عن القراءة ( مع الإشارة إلى عدم التعميم)، فلطالما فكّرت بيني وبين نفسي، لماذا كانت الأجيال السابقة تقرأ بنهمٍ وتعشق الكتب والقراطيس، وتشتري المجلات والدوريات، فيما صارت معظم أجيال اليوم تصنّف القراءة كعقاب.

هذا ليس كلاماً نظرياً أو ترديداً لشعارات مكرّرة، إنما نتيجة التعاطي والتعامل مع عدد كبير من التلاميذ والطلاب، الذين يعتبرون قراءة كتاب، أمراً فوق طاقتهم ودون تحمّلهم! حتى لو كانت القراءة مرتبطة بتحصيلهم العلمي أو تندرج ضمن منهجهم التربوي، كأن تكون مطلوبة منهم في بعض المواد، فحَمْل الكتاب بين اليدين، ومعايشة الأفكار والأوراق والمنهجيات، أمر يفوق طاقة وصبر طلبة هذه الأيام.

ترتبط أسباب هجرة المطالعة كما بات معلوماً بالتقدم التكنولوجي، ومنها تطوّر وسائل الإعلام والإنترنت ووسائط الاتصال الحديثة والعمل لساعات مضاعفة وتراجع العلاقات الاجتماعية، لكن القصة ليست هنا وإنما في المجتمعات الغربية المتقدمة التي أصبحت اليوم تقّدم القراءة كوصفة علاجية.

ففي بريطانيا يصفون العلاج بالقراءة وقراءة الروايات بالتحديد، ثمة برنامج علاجي يتوجه للمراهقين من سن الـ13 عاماً إلى سن 18، حيث يقوم الأطباء بوصف بعض العناوين بصفتها علاجاً لبعض حالات الأمراض النفسية أو المستعصية، ضمن نظام وصفات يتألف من كتبٍ قام بتصنيفها أطباء واستشاريون خبراء في علم النفس والاجتماع. والموضوع ليس جديداً ، فقد قدّم المجتمع البريطاني تجربة سابقة عام 2013 كانت موجّهة للبالغين وكبار السن والذين يعانون من الخرف. وبحسب المعنيّين فإن هذين البرنامجين أوصلا الكتب إلى أكثر من نصف مليون مريض في المملكة، حتى الآن، واستعارة الكتب الموجودة على القوائم العلاجية من المكتبات العامة، ارتفعت بنسب غير مسبوقة (أكثر من 345 في المائة).
وبقدر ما يبدو الموضوع جديراً بالمتابعة والاهتمام إلا أنه أيضاً، يطرح تساؤلات لا بد منها.

فماذا لو كان المعالَج بالقراءة (بفتح اللام) ليس بقارئ في الأساس، ولم يطالع كتاباً من قبل؟ هل سيقبل العلاج؟ هل سينفّذه فعلاً؟ هل سيتعاطى مع القراءة بشغف المحتاج إليها أم ماذا؟
التجارب والإحصاءات تشير إلى طلاب هذه الأيام على أنهم لا يملكون أي استعداد نفسي ولا عقلي لقراءة صفحتين فقط! فكيف سيقرؤون؟ وإن كان هناك استبعاد لفكرة أن يقوم أحد ما بالقراءة لهم، علماً أن حلقات القراءة الجماعية تُستعمل في بعض المصحّات العربية، لكنها قراءة مقاطع صغيرة جداً في نفس الموضوع الذي تعاني منه مجموعة معينة.

ترى ماذا لو حصل الأمر في مجتمعاتنا العربية، حين نفكّر في الأمر ونجد أن أكثر المراهقين والشباب لا يقرؤون، سنعرف أن هذا العلاج فيما لو استُعمل في المجتمعات العربية – سيكون علاجاً عقيماً غير مجدٍ.. فالقراءة تتطلب معايير ومتطلبات لم تعد ملحوظة في مناهج التربية والتعليم، في زمن وقوع الطلاق الخلعي بينهما، وارتباط أيدي وأصابع الإنسانية بـ "متلازمة النقر" بشكل تلقائي بدل القراءة.

دلالات