لم تأبه قوات النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه كثيراً للقرار 2254، فشنّت هجوماً برياً واسعاً، جنوب حلب، بغطاءٍ جويّ كثيف للطيران الروسي، وبمشاركة دبابات روسية من طراز "تي 92"، في تناقض واضح مع قرار مجلس الأمن الدولي، الذي دعا إلى خفض مستوى العنف وصولاً إلى وقف إطلاق نار بين قوات النظام وقوات المعارضة، قبل تنفيذ انتقال سياسي وفقاً لبياني فيينا بداية الشهر الماضي وجنيف صيف 2012.
ويبدو أن النظام وحزب الله والمليشيات الإيرانية والعراقية، ومن خلفهم روسيا، لم يتردّدوا في استثمار لغة القرار غير الإلزامية، وصدوره عن مجلس الأمن الدولي تحت البند السادس، بدلاً من البند السابع، الذي يُجيز لأعضاء مجلس الأمن "استخدام القوة لإجبار الأطراف المعنية على الالتزام بقرارات المجلس".
وأدى الهجوم البري للنظام وحلفائه إلى سيطرتهم على بلدة خان طومان وقرية القراصي، وتُصبح تلك القوات على بعد كيلومتر واحد من طريق حلب دمشق الدولي، الذي تسيطر عليه المعارضة. ووجّهت قوات النظام والمعارضة رسالتها إلى المجتمع الدولي، عبر القول، إن "القرار لن يعني إلا المزيد من الهجمات العنيفة على مناطق سيطرة المعارضة السورية".
ويشير مراقبون إلى أن "هذه الهجمات الجوية الوحشية، التي أدت إلى مقتل كل هذا العدد من المدنيين جاءت هذه المرة على عكس سابقاتها في دوما وحلب وغيرها، بدعم من المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن الدولي ومن خلفه الأمم المتحدة. مع العلم أن القرار 2254، الذي يُفترض أنه وضع خريطة لحل سياسي في سورية بعد وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة، بغية تفرّغ الطرفين لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تضمّن نصّاً يستثني داعش وجبهة النصرة، وما شابهها من التنظيمات الإرهابية من وقف إطلاق النار".
اقرأ أيضاً: تجدّد المعارك بريف حلب الجنوبي وغارات روسية كثيفة بإدلب
ويلفت المراقبون إلى أن عبارة "ما شابهها، تركت الباب مفتوحاً لوصف أي تشكيل من تشكيلات المعارضة السورية بالإرهاب، وبالتالي تبرير الهجمات الجوية التي تستهدف المناطق السكنية التي تسيطر عليها المعارضة".
من هنا جاء الدعم الدولي للغارات الجوية الروسية ـ السورية، التي تتسبب باستمرار المزيد من المجازر في مناطق سيطرة المعارضة، فبالإضافة إلى تواجد "جبهة النصرة"، المدرجة على لوائح الإرهاب الأميركية والأوروبية، في مناطق سيطرة المعارضة، فإنه توجد عشرات الفصائل التي تتسم بطابع إسلامي، ما يجعلها معرضة لوصف النظام السوري والروس لها بالإرهاب، وبالتالي تبرير قصف المناطق السكنية التي تسيطر عليها.
على هذا الأساس، ستكون قوات النظام والطائرات الروسية، قادرة على مواصلة هجماتها على مناطق المعارضة، بل وربما تكثيف الهجمات وزيادتها، بعد صدور القرار الدولي. لكن الدبلوماسيين الروس، تمكنوا كما يبدو، من إدراج استثناءات في وقف إطلاق النار، لتضفي هذه الاستثناءات "الشرعية الدولية" على المجازر التي يرتكبونها في سورية.
وأمام كل ذلك، يبدو أن المعارضة وقعت في الأفخاخ التي نصبها الروس لها، فبعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، والذي ترافق مع زيادة أزمة اللاجئين السوريين المتدفقين إلى أوروبا، تمّ عقد لقاءين لمجموعة الاتصال الدولية في فيينا ومن ثم لقاء ثالث في نيويورك، بمباركة ومشاركة روسية.
كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الروسية تواصل قصف مواقع المعارضة في شمال ووسط وغرب سورية، الأمر الذي أجبر المعارضة كما يبدو على القبول بالانخراط في مشروع "العملية السياسية" المبارك من قبل روسيا. بالتالي عقدت المعارضة مؤتمرها في الرياض، لتختار لجنة عليا للمفاوضات، بانتظار المفاوضات.
وأغفل القرار أهم شرط من شروط البدء بعملية سياسية، وهو مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي شدّدت المعارضة على عدم قبوله في المرحلة الانتقالية. كما كانت معظم الدول التي تعرف باسم "أصدقاء سورية" تؤكد عدم قبولها الأسد في المرحلة الانتقالية، إلا أن القرار جاء من دون أي ضمان دولي بأن الأسد سيرحل خلال المرحلة المقبلة.
ويضع كل ذلك المعارضة السورية في موقف محرج جداً الآن، هي أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تواصل السير في خطة فيينا التي أقرها مجلس الأمن، والتي تبين أن الروس يقومون باستثمارها مع النظام على أكمل وجه لاستنزاف المعارضة ميدانياً وسياسياً، أو الانسحاب من المفاوضات وخوض معركة عسكرية مع النظام والمليشيات الإيرانية والطيران الروسي، في مواجهة قد يكون من الصعب جداً على المعارضة السورية أن تصمد فيها إلى وقت طويل.
ولا يمكن للمعارضة أن تخرج من هذا المأزق العسكري السياسي، من دون الحصول على دعم من مستوى مختلف من حلفائها الإقليميين، تحديداً تركيا والسعودية، لتتمكن من صدّ هجمات النظام والروس على الأرض، قبل التفكير بفرض شروط مختلفة، تحكم عملية التفاوض الرامية لإنجاز انتقال سياسي حقيقي في سورية.
اقرأ أيضاً: بعد يومٍ دامٍ شمالي سورية.. غارات روسية كثيفة بحلب