القصرين فرصة أولى ضائعة

05 سبتمبر 2016
تتسع حالة الاستياء في القصرين (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -
هدأت الأمور نسبياً في القصرين، أو لعلها هدأت في الظاهر فقط، كما في كل مرة تصاب فيها الجهة (الولاية) بكارثة ما، ينتفض الأهالي هناك ويستجمعون آلامهم القديمة ويغضبون ليوم أو يومين، ثم يعود الرشد إلى شباب وشيوخ يعرفون أن لديهم مهمات أخرى غير الاحتجاج، وتحديداً مواجهة الاٍرهاب الرابض في تخوم جبال الشعانبي وسمّامة وما جاورها. ويتسلّح الجميع بطاقة من الصبر لا تنضب أبداً، منذ بدأ النسيان يلف هذه الجهة حتى قبل استقلال البلاد. غير أن مسؤولي البلاد يعرفون جيداً أيضاً أن "غضباً قصرينيّاً" كبيراً يمكن أن يأتي على الأخضر واليابس، فلم تتحول الانتفاضة التونسية إلى ثورة إلا عندما بلغت حدود تالة وفريانة وسبيطلة والقصرين (كلها مدن من محافظة القصرين)، لتشتعل الأرض تحت أقدام الجميع وتذهب بنظام وتأتي بآخر.
ولعل بعض هذا الغضب القصريني برز في اليومين الماضيين، إذ تعالت أصوات شابة تتحدث عن تغيير النظام وحل البرلمان وخيبة من الحكومة ونواب الأحزاب وكل الطبقة السياسية. وعلى الرغم من أنها، كما أكد أصحابها، ليست غير مزيد من الضغط للالتفات جدياً إلى القصرين، إلا أنها تعكس بداية هذا الغليان، الذي قد يتسع ويخرج عن السيطرة.
وعلى الرغم من أن الحياة استعادت شكلها الطبيعي، فإنه يجدر بالأحزاب وبرئيس الحكومة الجديد، يوسف الشاهد، وفريقه الحكومي أن يتساءلوا عن شكل تعاملهم مع الأحداث في القصرين، خصوصاً أنها خلّفت امتعاضاً واضحاً لدى الأهالي. فقد غضب أهل خمودة حيث وقع حادث السير الأليم من عدم زيارة الشاهد، وغضب أهل القصرين لأن رئيس الحكومة دخل المدينة فجراً، وبشكل يكاد يكون سرياً، كما فعل سابقوه، في حين أن كل التونسيين كانوا ينتظرون صورة أخرى لشاب من شبابهم تولى الحكم وكانوا يتمنون أن يلتحم بعجائزهم وفقرائهم وشبابهم في المقاهي، يأكل معهم قطعة خبز قديمة ويدخل أزقتهم البائسة، ويشعرهم أنه منهم، قريب من آلامهم ويفهم معاناتهم، فيصدّقون، ويصبرون أكثر. لكن القصرين، هذه المرة أيضاً، كانت فرصة ضائعة أخرى على الرغم من كل التبريرات المعقولة حول الظروف الأمنية والتهديدات الممكنة، لكن كان بالإمكان أحسن ممّا كان بالتأكيد.

دلالات