في غضون ذلك، يرى مراقبون أن هذه القمة المغربية الصينية، والتي تأتي مباشرة بعد انعقاد قمة مغربية خليجية تلتها جولة عمل قام بها العاهل المغربي لبلدان المنطقة بينها قطر والبحرين والإمارات والسعودية، تحمل أجندة اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وذلك في سياق توجه المغرب نحو تنويع شركائه.
وشرعت الرباط في السنوات الأخيرة في سنّ دبلوماسية تعتمد على مبدأ تنويع شركاء المغرب الدوليين. وبعدما كان الأمر مقتصراً على فرنسا وإسبانيا بشكل أساسي، ثم الولايات المتحدة الأميركية، أطلقت المملكة توجهاً دبلوماسياً يهدف إلى التوجه نحو قوى دولية عظمى، وتقريب الصلات معها اقتصادياً وسياسياً، من قبيل روسيا والصين.
ويرى محللون أنه منذ إرساء العلاقات المغربية الصينية قبل 57 سنة خلت، سارت الروابط بين البلدين في وتيرة عادية لم تتأثر بالمتغيرات الجيوسياسة الكثيرة التي عرفها العالم منذ ذلك الحين. بيْدَ أن الرباط وبكين تبحثان حالياً عن توسيع وتعميق تلك العلاقات، وتحويلها إلى شراكة استراتيجية قوية بينهما.
ويتفق البلدان سياسياً بشأن السياسة الخارجية لكل منهما، والمتسمة بتغليب النزوع نحو السلم في حل النزاعات الدولية، وهو ما يتيح للطرفين العمل على ترسيخ تلك العلاقات الداعية إلى مزيد من إرساء مبادئ المساواة والسلام والاستقرار في العالم، في خضم وضع إقليمي ودولي يتسم بالاضطرابات والتحولات العميقة.
وبحسب متابعين لملف العلاقات المغربية الصينية، فإن القمة التي تجمع بين زعيمي البلدين ليست سوى تتويج لمسار ثنائي يهدف لتحقيق شعار "رابح ـ رابح". وبينما تسعى الصين إلى منفذ على الأسواق الأفريقية بحثاً عن المواد الأولية التي تنقصها لتحسين قدراتها الاقتصادية الضخمة، فإنها لن تجد أفضل من المغرب بلداً يكون بوابتها نحو القارة السمراء، بالنظر إلى القدم الراسخة التي ثبتتها المملكة في عدد من البلدان الأفريقية.
من جهتها، تنظر الرباط إلى بكين كقوة إقليمية ودولية ذات وزن حيوي، يمكن أن تكسبها في صفها، لا سيما في ملف نزاع الصحراء، باعتبار الصين عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي. وينتظر المغرب من الصين، بحكم حجمها الدولي المتنامي، القيام بأدوار في اتجاه تسوية مشكلة الصحراء التي عمرت طويلاً منذ 1975.
ويحاول المغرب التقرب من الصين بشكل أكبر، وربح مواقفه الداعمة للطرح المغربي لحل نزاع الصحراء، والمتمثل في إرساء الحكم الذاتي الموسع لأقاليم الصحراء، آخذاً بعين الاعتبار توجه بكين الداعي إلى احترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية للدول كضامن للأمن والاستقرار.
أما في الجانب الاقتصادي، تبحث القمة المغربية الصينية توقيع شراكات واتفاقيات ثنائية في عدد من المجالات والقطاعات التجارية والصناعية، وهو ما يظهر جلياً من خلال الوفد الذي يرافق العاهل المغربي، والذي يضم وزراء الاقتصاد والصناعة والتجارة، ورجال أعمال.
من جهته، يحدد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة مراكش، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، إدريس لكريني، ثلاثة اعتبارات تجعل القمة المغربية الصينية تحظى بأهمية كبيرة. ويوضح لكريني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أول اعتبارا يتلخص في "المكانة الدولية الوازنة التي أصبحت تحتلها الصين كقطب فاعل ومؤثر في العلاقات الدولية". أما ثاني اعتبار، وفقا للكريني، فيتمثل في العضوية الدائمة للصين داخل مجلس الأمن الدولي وما يتصل بهذه العضوية من تأثير فعلي على مستوى اتخاذ القرارات الدولية، في حين ينبع الاعتبار الثالث من الإنجازات المتميزة التي حققتها الصين كقطب اقتصادي وازن على مستوى النمو المتسارع والقياسي.
ويرى مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات أن تعزيز العلاقات المغربية مع قوى دولية من قبيل جمهورية الصين، هو خيار سيادي يعكس استقلالية القرار الخارجي للمغرب.
ويتوقف لكريني عند توجه المغرب إلى تنويع علاقاته مع هذه القوى دون التفريط في علاقاته الاستراتيجية مع شركائه التقليديين. ويعتبر أن "هذا التوجه مربح بكل المقاييس الاستراتيجية والاقتصادية، بما يعنيه ذلك من مراهنة على مواقف الصين الداعمة لوحدة الدول، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية الصحراء ودعم مشروع الحكم الذاتي، ولا سيما أن البلدين عانيا من مخاطر الانفصال، وعلى وعي كبير بكلفته الخطيرة على مختلف الواجهات"، على حد قوله.
من جهة ثانية، يشير لكريني إلى أن الصين "تشكل سوقاً ضخمة وتقدّم تجربة تنموية واعدة يمكن الاستفادة منها على مختلف الواجهات". ويرى أن "تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين هو مقدمة أساسية وضرورية لتطوير المواقف بصدد العديد من القضايا المشتركة والإقليمية والدولية". ويلفت الخبير في العلاقات الدولية إلى أن "الصين تراهن بدورها على تطوير هذه العلاقات مع بلد مستقر، مثل المغرب، يمتلك المقومات المحفزة على الاستثمار، والداعمة لجعله بوابة لتعزيز علاقاتها مع مختلف البلدان الأفريقية".