من المعروف في تاريخ الأدب أن مدام بوفاري قد اختارت طريقها الجديدة في الحياة بفضل الكتب والقراءة، وثمة من يحمّل الكتب المسؤولية عن النهاية التعسة لإيما بوفاري. غير أنها إذا كانت قد انتحرت في نهاية الأمر، فلم يكن ذلك بسبب الكتب، بل بسبب خيانة حبيبها لها، أو بسبب مغالطات الحياة.
وسبق لرواية مثل "بول وفرجيني" التي أعاد مصطفى لطفي المنفلوطي كتابتها عن النص الفرنسي، أن شغلت بالنا جميعاً حين كنّا في سن الشباب، والراجح أن معظم من بلغوا اليوم الستين من العمر كانوا قد قرأوا هذه الرواية وتأثروا بها بطريقة ما في سن المراهقة والشباب.
وقد تم ذلك قبل أن نعلم أن الرواية ذاتها قد أشعلت ثورة في حياة فيرونيكا بطلة رواية "خوري القرية" لبلزاك. وهناك من يقول إن الكتاب ذاته كان سبباً في جعل الفتاة تغوي شاباً مغرماً بها كي يقتل عجوزاً ثرياً بخيلاً ويهرب معها. وقد أُعدم الشاب بسبب الجريمة، ومات دون أن يشي بحبيبته.
ولا يمكن أن نجزم أن من يردّد أنه لا يسمح لابنته بقراءة بعض الكتب، قد يكون في باله مدام بوفاري أو نساء أخريات سلكن طرقاً خاصة بعيدة عن النهج العام، ولكن يمكن الجزم أن هؤلاء هم أكثر الناس إيماناً بقدرة الكتب على تغيير البشر، وإحداث نقلات نوعية في مسارات حياتهم، ربما دون أن يكونوا واعين بهذا. وهو ما يؤكد أهمية الكتب في حياة البشر، سواء كانوا ممّن يقرؤون ويتمثلون المصائر الشخصية لأبطال الروايات، أم كانوا ممن يحاولون منع الكتب من التداول.
والحديث عن الكتب الممنوعة أو عن الرقابة يلج بنا إلى الشجون التي تواجهها الكتب في مقابل السلطة. والمؤكد أن أكثر ما يفكر به أي حاكم مستبد أو موظف تابع يتمسك باللوائح هو الرقابة على الكتب، والطريف في الأمر أن الرقابة على الكتب تشتد وتقوى في البلدان التي تشهد الإحصاءات أن القراءة فيها ليست بخير.
وهناك من يصف بعض البشر بأنهم " كتب حيّة"، وهم يعنون أولئك الذين خاضوا تجارب كثيرة، واستطاعوا أن يستثمروها في كتاباتهم أو أحاديثهم أو سلوكهم الإنساني. وبالمقابل ثمة من يضفي على الكتاب صفات البشر الذين يمكن أن يغنوا حياته، فيقول إنه "خير جليس" في البيت الشعري العربي المعروف. ومن النادر أن تجد من يذمّ الكتاب، أو يعلن عن كراهيته للقراءة، وفي حال أردت التخلّص من بعض الكتب، فهناك من يأخذها منك لاستخدامها في أعمال الزينة والديكور داخل البيوت.
وأفضل حكاية يرويها صديق لنا هي أنه تناول ذات يوم حين كان في مرحلة الخطوبة خبزاً ساخناً لذيذاً في بيت حماه، ثم اكتشف بعد ساعة أن حماته كانت ألقمت النار التي أشعلتها تحت صاج الخبز ثلاثة كتب سمينة من تلك التي أعارها لخطيبته. لا يذكر لنا أسماء تلك الكتب، غير أنه يظل يردد أن طعم ذلك الرغيف الذي تناوله ساخناً لا يُنسى أبداً.