لا يتردد الاحتلال الإسرائيلي أبداً في استخدام كل أساليب القمع ضد الفلسطيني المتهم، أو المشتبه به، في أي قضية تحاك في أروقة "الشاباك" وأجهزة الأمن الإسرائيلية. ولا تعد ولا تحصى أساليب القمع التي يستعرض بها المحتل أمام العالم، من دون حسيب أو رقيب دولي يوقف هذه الممارسات الخارجة عن القانون.
وإحدى أبشع وسائل القمع، والتي تحولت إلى وحدة خاصة، هي استخدام الكلاب البوليسية المدربة في عمليات الاقتحام الليلية والاعتقالات، بالإضافة إلى تعذيب الأسرى ومهاجمة أقسامهم داخل سجون الاحتلال. وكانت لافتة الاستعانة بالكلاب البوليسية في عمليات اقتحام مدينة جنين أخيراً، ضمن عمليات البحث عن المقاوم أحمد نصر جرار، الذي استشهد في السادس من فبراير/ شباط الحالي. ويدرّب مختصون إسرائيليون كلاباً بوليسية على أدق التفاصيل. واستطاعت عمليات التدريب المكثفة والخاصة للكلاب أن تجعلها تقتحم بيوتاً، وتنقض على أحد المطلوبين وإخضاعه حتى تتم السيطرة عليه، وبعدها يتدخل جنود الاحتلال لينفذوا ما جاؤوا من أجله.
وقبل يومين فقط، غادر الأسير المحرر مبروك جرار (40 سنة)، مستشفى رفيديا، عائداً إلى منزله، والجروح ما زالت ظاهرة على كتفه الأيسر ورجله اليسرى، بسبب اعتداء شرس من كلب بوليسي أطلقه جنود الاحتلال فجر الثالث من فبراير على جرار عندما كان داخل غرفة نومه في بلدة برقين، غرب مدينة جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة. وكان جرار اعتقل لمدة 10 أيام ومن ثم أفرج عنه ليقين المحكمة بأنه ليس متهماً بالاتصال بالشهيد جرار، ولم يكن يعلم مكان وجوده في تلك الفترة. وقال، في حديث لـ"العربي الجديد": "صحوت من نومي عند السادسة فجراً على صوت انفجار. جمعت ولدي محمود وصهيب، وجلست معهما أنا وزوجتي في غرفة النوم. وبعد دقائق قليلة حدث انفجار آخر أدى إلى فتح باب الشقة التي أسكن فيها. وفجأة هاجم الغرفة التي نجلس فيها كلب بوليسي غير مكمم الفم، وبشكل مباشر هاجمني وأمسك بأنيابه كتفي الأيسر وبدأ ينهش فيّ". في المقابل، كان جرار يدافع عن نفسه في محاولة لإبعاد الكلب عنه، لكن شراسة الأخير حالت دون ذلك، حتى أصبح يتنقل مع كل حركة يقوم بها جرار من كتفه إلى فخذه الأيسر. واستمرت هذه المحاولات لمدة سبع دقائق إلى أن انهارت قوى جرار أمام شراسة الكلب، وكان كل هذا أمام عيون زوجته إيناس، التي حاولت أن تبعد الكلب عنه من دون جدوى، وطفليه، من دون تقدم أي جندي إلى داخل المنزل. وأضاف جرار "بعد أن انهارت قواي، سحبني الكلب من الطابق العلوي إلى السفلي، حيث يتواجد جنود الاحتلال هناك. وبدأ أحدهم يسألني عن مكان وجود أحمد نصر جرار، وصار يساومني حول معلومة واحدة عن مكان تواجد أحمد، مقابل أن يجعل الكلب يتركني. فأجبته بأن لا علم لي بأي شيء عنه، وأنه ليس في بيته".
وخلال مساومة مبروك جرار، وإجراء تحقيق ميداني معه، فيما كان الكلب يواصل عض كتفه ونهشه، تقدم جندي وضرب بقدمه وجه جرار ما تسبب بكسر في أنفه. واستمر التحقيق الميداني مع جرار لمدة 10 دقائق، حتى تقدم مدرب الكلب، وهو جندي إسرائيلي، من أجل إفلاته وإبعاده عن جرار، لكن الكلب بقي ممسكاً بكتفه بكل قوته، إلى أن تم قص جزء من ملابسه، التي كانت مليئة بالدماء وقطع اللحم التي مزقها الكلب خلال اعتدائه عليه، وفق ما قال جرار. وأشار جرار إلى أنه تم تقييد يديه وتركه داخل جيب عسكري مدة نصف ساعة، ومن ثم تم نقله إلى معسكر "سالم" المقام على أراضي الفلسطينيين غرب جنين، حيث اقتيد إلى داخل غرفة، لكنه تُرك ينزف ويعاني من آثار اعتداء الكلب مدة ساعتين ونصف الساعة، بينما كان جنود الاحتلال يأتون إليه ليلتقطوا صور "السلفي" للاستهزاء به.
بعد ذلك، حضرت سيارة إسعاف تابعة للاحتلال نقلته إلى مستشفى العفولة، حيث بقي فيها لمدة 10 أيام، بينها ثمانية أيام مقيد اليدين، وسط تواصل التحقيق معه حول الشهيد جرار، إلى أن ثبت أنه غير متهم بشيء، وقرر الاحتلال الإفراج عنه في 13 الشهر الحالي. وقال المدير العام لمستشفى رفيديا، قاسم دغلس، لـ"العربي الجديد"، إن حالة مبروك جرار أفضل بكثير من السابق، إذ كانت حالته صعبة وخطرة بسبب إصابته جراء مهاجمته من قبل الكلب البوليسي، ما أدى إلى إصابته بالتهاب حاد وتهتك في الأنسجة في ذراعه ورجله، لكنه بعد العلاج أصبح بحالة جيدة جداً. وتستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلي الكلاب البوليسية منذ فترة طويلة، إلا أنه في العام 1980 أصبحت لديها وحدة خاصة تدعى "عوكيتس"، مهمتها القيام بعمليات ملاحقة وإنقاذ واستكشاف والعثور على أسلحة ومواد متفجرة، وفق ما قال مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى، فؤاد الخفش، لـ"العربي الجديد". وأضاف أن هذه الكلاب البوليسية تخضع لتدريب مكثف يستمر لفترة طويلة، وأحياناً يعيش الكلب مع مدربه مدة ستة أشهر، ليكون هناك تواصل بينهما، بالإضافة إلى أن هذه الكلاب تكون لها رتب عسكرية كما الجنود.
وبرز استخدام الكلاب البوليسية خلال انتفاضة الأقصى الثانية، وذلك لملاحقة المطاردين والمطلوبين للاحتلال. ففي العام 2003، قام جيش الاحتلال بإدخال كلب بوليسي إلى مغارة كان يعتقد أن الشهيد نصر الدين عصيدة يحتمي بداخلها. وكان الكلب يتلقى معلومات من الخارج، وهو مجهز بكاميرا مراقبة على رقبته لفحص المغارة بشكل واضح. وأشار الخفش إلى أن جيش الاحتلال يستخدم الكلاب من أجل التقليل من خسائره، خصوصاً في حالة وجود مطاردين ومقاومين، لافتاً إلى أن الحديث يدور عن تطور نوعي في تدريب هذه الوحدة، إذ يتم تدريب الكلب على صورة الشخص المستهدف داخل البيت، للانقضاض عليه من بين كل الموجودين، كما حدث في منزل مبروك جرار، الذي هاجمه خلال تواجده في غرفة مع زوجته وطفليه.