الكوميديا السورية: أداة بيد النظام لتحريف الحقيقة
تتبوّأ المسلسلات الكوميدية مكان الصدارة بين الأعمال الدرامية السورية المنتجة لهذا العام. وإذ يعيد بعضهم سبب ذلك إلى المعادلة الأساسية المتحكمة في سوق الدراما العربية، المتمثلة في "رغبة الجمهور ومزاجه العام"، فإن السبب الرئيسي، ربما، يكمن في محاولة هروب صانعي تلك المسلسلات من الحالة السورية ومقتضياتها. والادعاء بأن هذه النوعية من المسلسلات هي محاولة "لزرع الابتسامة على وجوه السوريين الحزينة"، كما صرَّح به بعض العاملين في مسلسل "أزمة عائلية".
عدم اعتراف بالواقع
الرغبة في زرع الابتسامة، من خلال أي فن، تعتبَر غاية ونبلاً إنسانياً. لكن هذه الرغبة عليها أولاً وأخيراً أن تتحدد بقيم أخلاقية، وروح من المسؤولية ثانياً، وألا تكون أداة لتناسي الوضع القائم وإرسال رسائل في غير محلها، كما جرى مع العديد من المسلسلات الكوميدية عام 2016 مثل "مآسي على قياسي"، و"فارس وخمس عوانس". فقد أظهرت تلك الأعمال وغيرها أن المشكلة مع بعض الأعمال الكوميدية، ولعلها ذات المشكلة مع العديد من الأعمال الدرامية السورية، تكمن في لعبها الدور المشوش حول الوضع السوري العام، فهي لم تتجاوز عتبة الاعتراف بالأزمة القائمة وحقيقتها واستحقاقاتها، مثلما لم تتصالح بعد مع الواقع الحقيقي للسوريين.
أداة بيد السلطة
الشكوى دائمة على الدراما السوريّة عموماً، بأنّها أداة بيد السلطة السوريّة والنظام الأسدي، من أجل الحفاظ على الأوضاع القائمة، وإعادة إنتاج نفسها. فوجّه النقد، دومًا، مثلاً، لمسلسل "بقعة ضوء" أو سلسلة "مرايا"، بأنّها تنفيس مؤقت ومدروس ومحدود للمجتمع. وهي فرصة متاحة بشكل ضيق ومراقب، من أجل قمع الفرص الأخرى الخارجة عن سلطة النظام السوري.
وعلى هذا الأساس، يتم تقديم الكوميدي على الاجتماعي كرسالة على انتهاء المعضلة السورية، في محاولة لتشريد الحقيقة عن مجراها وواقعيتها، والإيحاء "بعودة الأوضاع على ما كانت عليه في السابق"، وتجاوز البلاد محتنها، بدلالة أن مسلسلاتنا باتت تلتفت فقط إلى تناول إشكاليات "المواطن الصالح مع قطع الكهرباء وساعات تقنين الماء" والمشكلات الزوجية ونهفاتها، إذ تتجاوز عدد الأعمال الكوميدية المتناولة للعلاقات الزوجية في إطار كوميدي، هذا الموسم، أكثر من خمسة مسلسلات هي "شبابيك" و"أزمة عائلية" و"جنان نسوان" و"الرابوص" و"سنة أولى زواج".
ابتعاد عن وصف بنية النظام السياسي
هذا الكلام لا يعني عدم أحقية تناول كل القضايا والموضوعات والشخصيات بطريقة كوميدية وساخرة، في ظل الأزمة السورية، مثلما لا يعني حرمان الناس من حقهم الطبيعي في السخرية والضحك، والتهكم على أوضاعهم وظروفهم المعيشية ومسبباتها، وبالطريقة والأسلوب الذي يرغبون، لكن في حالة الفن وإدارته للوعي والذائقة، يختلف الأمر وتتبدل المحددات، خاصة مع الكوميديا السورية التي لم تخرج بعد من قاع الوصاية الأمنية واستخداماتها في التوظيف السياسي. إذ يتم بناء العمل وإخراجه بشكل وصيغة معينة، تكون فيها الحكومة وبعض الشخصيات، محل نقد وسخرية، وكأن القضية هي قضية أفراد مصابين بمرض الفساد أو العنجهية أو حب المال، من دون التطرق إلى جوهر النظام السياسي وطبيعته "المتوحشة"، وكأن المشكلات السورية المستعصية تقتصر على الصرف الصحي وتوفير التموين والخدمات فقط.
تحريف الحقيقة
يعد مسلسل "بقعة ضوء" بأجزائه الماراثونية، نموذجاً للمسلسل الذي أخذ دوراً وظيفياً في تشريد الحقيقة عن جوهرها، وتشويهها وتحريفها، وإشاعة نمط دعائي زائف، وذلك بالتركيز على أسباب ومسببات معينة، وتناسي المسببات الأهم للمأساة السورية وطبيعة نظام حكمها السياسي والسلطوي غير الديمقراطي.
عدم اعتراف بالواقع
الرغبة في زرع الابتسامة، من خلال أي فن، تعتبَر غاية ونبلاً إنسانياً. لكن هذه الرغبة عليها أولاً وأخيراً أن تتحدد بقيم أخلاقية، وروح من المسؤولية ثانياً، وألا تكون أداة لتناسي الوضع القائم وإرسال رسائل في غير محلها، كما جرى مع العديد من المسلسلات الكوميدية عام 2016 مثل "مآسي على قياسي"، و"فارس وخمس عوانس". فقد أظهرت تلك الأعمال وغيرها أن المشكلة مع بعض الأعمال الكوميدية، ولعلها ذات المشكلة مع العديد من الأعمال الدرامية السورية، تكمن في لعبها الدور المشوش حول الوضع السوري العام، فهي لم تتجاوز عتبة الاعتراف بالأزمة القائمة وحقيقتها واستحقاقاتها، مثلما لم تتصالح بعد مع الواقع الحقيقي للسوريين.
أداة بيد السلطة
الشكوى دائمة على الدراما السوريّة عموماً، بأنّها أداة بيد السلطة السوريّة والنظام الأسدي، من أجل الحفاظ على الأوضاع القائمة، وإعادة إنتاج نفسها. فوجّه النقد، دومًا، مثلاً، لمسلسل "بقعة ضوء" أو سلسلة "مرايا"، بأنّها تنفيس مؤقت ومدروس ومحدود للمجتمع. وهي فرصة متاحة بشكل ضيق ومراقب، من أجل قمع الفرص الأخرى الخارجة عن سلطة النظام السوري.
وعلى هذا الأساس، يتم تقديم الكوميدي على الاجتماعي كرسالة على انتهاء المعضلة السورية، في محاولة لتشريد الحقيقة عن مجراها وواقعيتها، والإيحاء "بعودة الأوضاع على ما كانت عليه في السابق"، وتجاوز البلاد محتنها، بدلالة أن مسلسلاتنا باتت تلتفت فقط إلى تناول إشكاليات "المواطن الصالح مع قطع الكهرباء وساعات تقنين الماء" والمشكلات الزوجية ونهفاتها، إذ تتجاوز عدد الأعمال الكوميدية المتناولة للعلاقات الزوجية في إطار كوميدي، هذا الموسم، أكثر من خمسة مسلسلات هي "شبابيك" و"أزمة عائلية" و"جنان نسوان" و"الرابوص" و"سنة أولى زواج".
ابتعاد عن وصف بنية النظام السياسي
هذا الكلام لا يعني عدم أحقية تناول كل القضايا والموضوعات والشخصيات بطريقة كوميدية وساخرة، في ظل الأزمة السورية، مثلما لا يعني حرمان الناس من حقهم الطبيعي في السخرية والضحك، والتهكم على أوضاعهم وظروفهم المعيشية ومسبباتها، وبالطريقة والأسلوب الذي يرغبون، لكن في حالة الفن وإدارته للوعي والذائقة، يختلف الأمر وتتبدل المحددات، خاصة مع الكوميديا السورية التي لم تخرج بعد من قاع الوصاية الأمنية واستخداماتها في التوظيف السياسي. إذ يتم بناء العمل وإخراجه بشكل وصيغة معينة، تكون فيها الحكومة وبعض الشخصيات، محل نقد وسخرية، وكأن القضية هي قضية أفراد مصابين بمرض الفساد أو العنجهية أو حب المال، من دون التطرق إلى جوهر النظام السياسي وطبيعته "المتوحشة"، وكأن المشكلات السورية المستعصية تقتصر على الصرف الصحي وتوفير التموين والخدمات فقط.
تحريف الحقيقة
يعد مسلسل "بقعة ضوء" بأجزائه الماراثونية، نموذجاً للمسلسل الذي أخذ دوراً وظيفياً في تشريد الحقيقة عن جوهرها، وتشويهها وتحريفها، وإشاعة نمط دعائي زائف، وذلك بالتركيز على أسباب ومسببات معينة، وتناسي المسببات الأهم للمأساة السورية وطبيعة نظام حكمها السياسي والسلطوي غير الديمقراطي.
وعلى ذات النهج، تأتي كثرة المسلسلات "الكوميدية" هذا العام، على أمل التغاضي وتناسي المشاهدين المأساة التي تجري فصولها على الجغرافيا السورية، المتقطعة بين أمراء الحرب والأيديولوجيات والمصالح، واستعاضة الواقع الحزين بعدد من حلقات التهريج. فليس من المعقول أن يتناول مسلسل سوري يتيم، وهو مسلسل "الفوضى"، الأزمة السورية من بين عشرات الأعمال الدرامية المنجزة لهذا العام وهي أكثر من 21 عملاً. وليس من المعقول أن تقوم الدراما السورية، بعدم ذكر المسؤول الرسمي عن الكارثة السورية الحالية، وهو نظام بشار الأسد.
تجاهل الواقع لا يعني زواله
مشكلة الكوميديا السورية، هذه السنوات، لا تكمن في مستواها الفني الضعيف، أو في المزاج "الجماهيري" البائس الذي تغزوه صور المجازر وحروب الإبادات. المشكلة تكمن في عدم قدرة هذه الدراما وكوميديتها على إخفاء الدم السوري المراق على أطراف نشرات الأخبار، ومتون الحكايات الحية، وهي حكايات ودماء لا يمكن التنصل من مسؤوليتها الأخلاقية والدرامية والتاريخية. وبالتالي، لا يمكن أن تنجز الدراما السورية أي مشروع فكري حقيقي، ما لم تف المعاناة السورية حقها درامياً وأخلاقياً. كيف لصناع هذه الصناعة "الوطنية" أن يتجاوزوا الدراما الحقيقية من اللحم والدم والدمار، وأصوات الثكالى تستصرخ بهم خارج الكادر: تجاهل الواقع لا يعني زواله.
مواد الملف
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات