يبدو أن كل الظروف اتحدت، لتضع المواطن الكويتي تحت ضغط الغلاء، فبالإضافة إلى معاناة غلاء السكن الخاص والإيجارات، التي أصبحت تلتهم أكثر من ثلثي رواتب أصحاب الدخل المحدود، ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية لمستويات تفوق قدرات آلاف المقيمين.
وأظهر تقرير حكومي، أمس، ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بمختلف أنواعها بنسبة تجاوزت 9% منذ بداية العام الجاري حتى يوليو/تموز الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
التقرير الذي صدر عن الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أوضح أن أسعار المطاعم والفنادق شهدت ارتفاعاً بنحو 3.6%، والسكن 2% خلال الأشهر السبعة الماضية، فيما تؤكد المؤشرات الحالية على زيادات أخرى في الأمد القصير.
وأصدرت الحكومة الكويتية، الخميس الماضي، قرارا بتحرير أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بمختلف أنواعها، ودخل حيز التنفيذ في تاريخه. ويتيح قرار تحرير أسعار السلع الغذائية لمسؤولي مراكز البيع، حرية تسعير السلع من دون التقيد بحدود قصوى.
ويقول الخبير الاقتصادي، حجاج بوخضور، إن الكويت تعاني منذ عقود غلاء المواد الاستهلاكية، بحكم أنها دولة مستوردة لجميع احتياجاتها من السلع الغذائية والخضراوات والفواكه.
وتشير تقديرات شبه رسمية، إلى أن الدولة تستورد نحو 80% من المواد الاستهلاكية الأساسية، والباقي من المواد يتم تصنيعه محليا بعد استيراد مدخلات الإنتاج الخام من الخارج.
ويضيف بوخضور، لـ "العربي الجديد"، أنه رغم ما تعانيه الكويت من نقص في السلع إلا أنها لم تفكر يوماً في وضع خطط، أو وضع حلول لزيادة الإنتاج المحلي والتقليل من هذه المشكلة، التي تتفاقم كلما حدث تقلب في الأسواق الخارجية، أو مع أي توتر سياسي في الدول التي تستورد منها احتياجاتها الغذائية.
وتبدأ الكويت تطبيق التسعيرة الجديدة لأسعار البنزين مطلع شهر سبتمبر/أيلول المقبل، وسط مخاوف من ارتفاع معدل التضخم في الكويت، خصوصا أنه تجاوز 3% منذ بداية العام الجاري.
ويأتي رفع أسعار البنزين ضمن خطوات تهدف إلى ترشيد دعم المحروقات، في إطار استراتيجية أكثر شمولية أعلنتها الحكومة لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط، ونالت موافقة البرلمان في يونيو/حزيران الماضي.
وتهدف هذه الاستراتيجية، التي عرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي، إلى إصلاح أوضاع الميزانية العامة، وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد، وزيادة دور القطاع الخاص، وتفعيل مشاركة المواطنين في تملّك المشاريع العامة، وإصلاح سوق العمل.
ويرى الخبير المالي في أسواق السلع الغذائية، محمد رمضان، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية في الكويت يعود إلى ارتفاع كلفة استيرادها من الخارج.
وأوضح، لـ "العربي الجديد"، أن قيمة السلع الغذائية تزيد بنحو 50% عن قيمتها الأصلية في بلد المنشأ، بفعل إضافة تكاليف وأعباء يتحملها الكويتيون في نهاية مسار السلع، مثل النقل والشحن وتكلفة العمالة، والتأمين على البعض من هذه السلع.
ويتوقع رمضان أن تشهد أسعار السلع الغذائية ارتفاعاً بحدود 22% بنهاية العام الجاري، "أي بعد تطبيق التسعيرة الجديدة لأسعار البنزين التي بدورها ستزيد أسعار النقل والشحن والتخزين".
ويؤكد رمضان أن رقابة وزارة التجارة والصناعة على الأسواق والسلع غير كافية، فهناك زيادات كبيرة في السلع، منها ما هو مستحق، لأسباب اقتصادية حقيقية، ومنها ما هو مفتعل ومتعمد في كثير من السلع، مشيرا إلى أن "بعض التجار استغل القرارات الحكومية الأخيرة في خلق ارتفاعات غير مبررة بأسعار السلع".
ويشير إلى ضرورة أن تكون الرقابة فاعلة أكثر على الأسواق، "لمكافحة الغش التجاري والارتفاع المصطنع وغير الحقيقي في الأسعار، لقطع الطريق أمام من يفكر في استغلال هذه الحجج، لتحقيق أرباح إضافية غير مستحقة على حساب المواطن وأصحاب الدخل المحدود"، وفق تعبيره.
وبحسب تقرير للبنك الدولي، فإن ارتفاع أسعار السلع الغذائية، مع ارتفاع الإيجارات سيؤدي إلى معدلات قياسية للتضخم خلال العام الحالي في الكويت، وهو ما بدأت تشير إليه البيانات والأرقام الرسمية عن الفترة، التي انقضت من العام الحالي، حيث ارتفعت الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين (التضخم) في الكويت بمعدل تجاوز 3% للنصف الأول من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، وسط توقعات بأن تتخطى 3.5% بنهاية العام.
ووفقا للقانون الكويتي، فإن وزارة التجارة والصناعة مسؤولة عن ضبط الأسعار في الأسواق، من خلال الحزم في تطبيق القانون وتحديد ومراقبة الأسعار، وفي حالة ضبط أسعار مبالغ فيها غير متوافقة مع كشوفات الأسعار لديها، فمن حقها التدخل، وإحالة التاجر إلى النيابة العامة المختصة.
وقال الخبير الاقتصادي هشام الرزوقي، في تصريح سابق لـ "العربي الجديد"، أن القرار الحكومي بتحرير أسعار السلع الغذائية، لم يكن مدروساً، ولابد من معالجته خلال ساعات قبل فوات الأوان، مؤكدا أن "السوق تحتاج إلى وضع قيود على أسعار السلع المنفلتة، وليس تحريرها وزيادة انفلاتها، وهو أمر غير عادل بالنسبة إلى المستهلك".