(مدارات خليجية)
لم تكن استقالة وزير الكهرباء والماء ووزير الأشغال العامة، عبدالعزيز الإبراهيم، من الحكومة الكويتية قبل يومين، استباقاً لاستجوابه من قبل نواب، مفاجئة؛ ففي الحياة السياسية الكويتية، طلب استجواب ثم استقالة، وإن تطور الوضع استقالة للحكومة برمتها، فحلّ مجلس الأمة وانتخابات جديدة، فصول تتكرّر على مدار العام.
وقدّم الإبراهيم استقالته يوم الاثنين الماضي، عقب يوم واحد من إعلان أحد النواب عزمه تقديم استجواب له، عقب موجة غضب نيابية تسبب فيها تصريح للوزير، اعتبره نواب مجلس الأمة اتهاماً لهم بتقاضيهم رشاوى لطرح الثقة به.
وقبل أمير الكويت استقالته "تقديراً وتفهماً للأسباب التي وردت في كتاب الاستقالة"، بحسب بيان رسمي أصدره مجلس الوزراء الذي نوه "بدوره وجهوده الدؤوبة وعمله المخلص".
وكان الإبراهيم قد قال في تصريح صحافي، ردّاً على أسئلة الصحافيين حول ما يتم تداوله عن صرف 350 ألف دينار (أكثر من مليون دولار)، لكل نائب يصوت مع طرح الثقة به، بأنّه ضريبة مكافحته للفساد.
وأدت هذه التصريحات إلى موجة من الاعتراضات لدى أعضاء مجلس الأمة، الذين هدّدوا باستجوابه، ووصفوا ما قال بإنه تصريح "خادش يفتقد للفصاحة السياسية". ورجحت مصادر سياسية أن يكون الإبراهيم مدفوعاً للاستقالة لامتصاص الغضب النيابي.
وبعد استقالة الإبراهيم، كلف المجلس وزير الإسكان ياسر أبل بتولي حقيبتي الأشغال العامة والكهرباء بالوكالة، بانتظار تعيين بديل أصيل. ويوم أمس، كلّف الأمير صباح الأحمد الصباح، أحمد خالد أحمد الجسار، بتولي وزارتي الأشغال العامة والكهرباء والماء، وأدى اليمين الدستورية أمام الأمير وبحضور ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
ولمّا صارت الاستقالة هروباً من الاستجواب، أبدت الأوساط القانونية والدستورية في الكويت، خشيتها من أن يخسر الاستجواب فعاليته كأداة للمحاسبة بسبب كثرة اللجوء إليه، وهروب الوزير منه بالاستقالة.
خوف عبّر عنه الخبير الدستوري محمد الفيلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنّه "من الناحية الفنية، فإن الإكثار من اللجوء إلى الاستقالة مقابل كل استجواب يؤدي إلى خلق فجوة واقعية فيه كآداة قانونية". ورأى أنّه في هذه الحالة، "لن يكون الاستجواب وسيلة للمحاسبة السياسية، وانما للحل السياسي، وهذا يفقده دوره المقرر له".
وقال إن لجوء الوزير أو الحكومة إلى الاستقالة هروبا من الاستجواب، "يخرج من منطق القانون إلى السياسة؛ فالوزير يعتبر أن الاستجواب قد يؤدي إلى تحريك المسؤولية السياسية، فيحسب حينها أنّه (بيدي لا بيد أعمى)".
وشدّد الفيلي على أنه لا يوجد في الدستور ما يلزم الوزير على الاستقالة، لمجرد طرح الاستجواب، بل إنّ الاستقالة تحصل نتيجة استقراء سياسي، كأن يرى الوزير أن المواجهة غير مجدية، فيستبق الأمر ويخرج من الوزارة". وفي التفسير السياسي، رأى أنّه "أحياناً قد يكون ملائماً الانسحاب لتحقيق مكسب سياسي".
وفي حادثة مشابهة لما حصل مع الإبراهيم، أقدم وزير النفط في الحكومة السابقة هاني حسين، على تقديم استقالته، بعد موجة هجوم نيابية عليه، بدأت بأسئلة نيابية ثم تطور الأمر إلى استجوابات حول تجاوزات مالية وإدارية، شابت سداد غرامة إلغاء صفقة "الداو كيميكال"، وشبهات أخرى شابت التعاقد مع "الداو"، وذلك في مايو/أيار 2013.
وكانت الاستجوابات دوماً سبباً لحلّ عدد من مجالس الأمة واستقالة الحكومات في الكويت، لا سيما في عهد الحكومات السبع المتوالية التي ترأسها الشيخ ناصر المحمد، منذ فبراير/شباط 2006، حين عُين رئيساً لمجلس الوزراء لأول مرّة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تاريخ قبول استقالة حكومته، استجابة لمطالبة المحتجين ونواب المعارضة المتزايدة له بالتنحي.
وخلال حكومته الأولى قدم ثلاثه من أعضاء مجلس الأمة استجواباً، بسبب قضية تعديل الدوائر الانتخابية. وكان أول رئيس وزراء يقدم إليه استجواب، لكن لم تتم مناقشة الاستجواب بسبب حل المجلس بمرسوم أميري.
وكان المحمد أيضاً أول رئيس وزراء كويتي يتم استجوابه بالفعل، وذلك في حكومته السادسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، حين تقدّم أحد النواب بطلب لاستجوابه، بتهمة ارتكاب تجاوزات مالية وهدر أموال عامة تقدر بعشرات ملايين الدولارات، خلال الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات عام 2008. ونوقش الاستجواب في جلسة سرّية قدّم خلالها عشرة أعضاء اقتراحاً لحجب الثقة عنه، غير أنّ طلب حجب الثقة سقط وتم تجديد الثقة به بغالبية كبيرة.
وبعد إجراء الانتخابات، أُعيد تعيين المحمد مرة أخرى رئيساً لمجلس الوزراء في 2 يوليو/تموز 2006، وقدّمت حكومته استقالتها في 4 مارس/أذار 2007 وتمت إعادة تكليفه.
وشهدت إحدى حكوماته في عام 2008، مشاكل عديدة مع مجلس الأمة، إذ قُدّم إليه استجواب على خلفيه دخول رجل دين إيراني إلى الكويت، على الرغم من وجود اسمه على قوائم المنع، وقد أدى هذا الاستجواب إلى استقاله الحكومة آنذاك. ولم تصمد الحكومة التالية برئاسته طويلاً، اذ حصلت 3 استجوابات تم تقديمها بوقت واحد بقضايا مختلفة، وكانت سبباً في حل أمير الكويت مجلس الأمة.
وهكذا، يتبين أنّ الحياة السياسية الكويتية زاخرة بالاستجوابات التي تتبعها استقالات، غير أنّ هذا الأمر لا يعمم على جميع الاستجوابات التي قُدّمت على مرّ الحكومات، إذ تصدى عدد من الوزراء للاستجوابات وفنّدوا محاورها.
46 استجواباً حتى 2009
وتشير دراسة أعدّها أحد الباحثين السياسيين في الكويت وهو صالح السعيدي، إلى حصول 46 استجواباً في تاريخ الكويت حتى 2009، تراوحت بين استجوابات هادئة وأخرى نارية، وأنه بالرغم من الاتفاق على دستورية الاستجواب، لم يتم بعد هضم هذه الأداة في دورة الحياة النيابية، ولم يجر استيعابها بعد في معادلة اللعبة السياسية في الكويت، فلا يزال الاستجواب مثار استفزاز ومحل صدام بين طرفي المعادلة الدستورية في البلاد، على الرغم من المشروعية التي أضفاها الدستور على أداة الاستجواب بتخصيصه مادتين من مواد الدستور، تحددان الاستجواب وتنظمانه.
وتلفت الدراسة نفسها إلى أن ثلث الاستجوابات المقدمة في تاريخ الحياة النيابية لم يناقش أصلاً، لأسباب مختلفة، وثلث الاستجوابات فقط وصل إلى أعلى مراحل الاستجواب، وهي طرح الثقة، وفي حالات معدودة فقط وضع الوزراء أمام محك التصويت على طلبات طرح الثقة، غير أن الثغر القانونية أتاحت للحكومة عدم تسجيل سقوط أي وزير من وزرائها المستجوبين في جلسات طرح الثقة.
اقرأ أيضاً (الكويت: الحراك السياسي يعود لساحة الإرادة)
لم تكن استقالة وزير الكهرباء والماء ووزير الأشغال العامة، عبدالعزيز الإبراهيم، من الحكومة الكويتية قبل يومين، استباقاً لاستجوابه من قبل نواب، مفاجئة؛ ففي الحياة السياسية الكويتية، طلب استجواب ثم استقالة، وإن تطور الوضع استقالة للحكومة برمتها، فحلّ مجلس الأمة وانتخابات جديدة، فصول تتكرّر على مدار العام.
وقدّم الإبراهيم استقالته يوم الاثنين الماضي، عقب يوم واحد من إعلان أحد النواب عزمه تقديم استجواب له، عقب موجة غضب نيابية تسبب فيها تصريح للوزير، اعتبره نواب مجلس الأمة اتهاماً لهم بتقاضيهم رشاوى لطرح الثقة به.
وقبل أمير الكويت استقالته "تقديراً وتفهماً للأسباب التي وردت في كتاب الاستقالة"، بحسب بيان رسمي أصدره مجلس الوزراء الذي نوه "بدوره وجهوده الدؤوبة وعمله المخلص".
وكان الإبراهيم قد قال في تصريح صحافي، ردّاً على أسئلة الصحافيين حول ما يتم تداوله عن صرف 350 ألف دينار (أكثر من مليون دولار)، لكل نائب يصوت مع طرح الثقة به، بأنّه ضريبة مكافحته للفساد.
وأدت هذه التصريحات إلى موجة من الاعتراضات لدى أعضاء مجلس الأمة، الذين هدّدوا باستجوابه، ووصفوا ما قال بإنه تصريح "خادش يفتقد للفصاحة السياسية". ورجحت مصادر سياسية أن يكون الإبراهيم مدفوعاً للاستقالة لامتصاص الغضب النيابي.
وبعد استقالة الإبراهيم، كلف المجلس وزير الإسكان ياسر أبل بتولي حقيبتي الأشغال العامة والكهرباء بالوكالة، بانتظار تعيين بديل أصيل. ويوم أمس، كلّف الأمير صباح الأحمد الصباح، أحمد خالد أحمد الجسار، بتولي وزارتي الأشغال العامة والكهرباء والماء، وأدى اليمين الدستورية أمام الأمير وبحضور ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
ولمّا صارت الاستقالة هروباً من الاستجواب، أبدت الأوساط القانونية والدستورية في الكويت، خشيتها من أن يخسر الاستجواب فعاليته كأداة للمحاسبة بسبب كثرة اللجوء إليه، وهروب الوزير منه بالاستقالة.
خوف عبّر عنه الخبير الدستوري محمد الفيلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنّه "من الناحية الفنية، فإن الإكثار من اللجوء إلى الاستقالة مقابل كل استجواب يؤدي إلى خلق فجوة واقعية فيه كآداة قانونية". ورأى أنّه في هذه الحالة، "لن يكون الاستجواب وسيلة للمحاسبة السياسية، وانما للحل السياسي، وهذا يفقده دوره المقرر له".
وقال إن لجوء الوزير أو الحكومة إلى الاستقالة هروبا من الاستجواب، "يخرج من منطق القانون إلى السياسة؛ فالوزير يعتبر أن الاستجواب قد يؤدي إلى تحريك المسؤولية السياسية، فيحسب حينها أنّه (بيدي لا بيد أعمى)".
وشدّد الفيلي على أنه لا يوجد في الدستور ما يلزم الوزير على الاستقالة، لمجرد طرح الاستجواب، بل إنّ الاستقالة تحصل نتيجة استقراء سياسي، كأن يرى الوزير أن المواجهة غير مجدية، فيستبق الأمر ويخرج من الوزارة". وفي التفسير السياسي، رأى أنّه "أحياناً قد يكون ملائماً الانسحاب لتحقيق مكسب سياسي".
وفي حادثة مشابهة لما حصل مع الإبراهيم، أقدم وزير النفط في الحكومة السابقة هاني حسين، على تقديم استقالته، بعد موجة هجوم نيابية عليه، بدأت بأسئلة نيابية ثم تطور الأمر إلى استجوابات حول تجاوزات مالية وإدارية، شابت سداد غرامة إلغاء صفقة "الداو كيميكال"، وشبهات أخرى شابت التعاقد مع "الداو"، وذلك في مايو/أيار 2013.
وكانت الاستجوابات دوماً سبباً لحلّ عدد من مجالس الأمة واستقالة الحكومات في الكويت، لا سيما في عهد الحكومات السبع المتوالية التي ترأسها الشيخ ناصر المحمد، منذ فبراير/شباط 2006، حين عُين رئيساً لمجلس الوزراء لأول مرّة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تاريخ قبول استقالة حكومته، استجابة لمطالبة المحتجين ونواب المعارضة المتزايدة له بالتنحي.
وخلال حكومته الأولى قدم ثلاثه من أعضاء مجلس الأمة استجواباً، بسبب قضية تعديل الدوائر الانتخابية. وكان أول رئيس وزراء يقدم إليه استجواب، لكن لم تتم مناقشة الاستجواب بسبب حل المجلس بمرسوم أميري.
وكان المحمد أيضاً أول رئيس وزراء كويتي يتم استجوابه بالفعل، وذلك في حكومته السادسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، حين تقدّم أحد النواب بطلب لاستجوابه، بتهمة ارتكاب تجاوزات مالية وهدر أموال عامة تقدر بعشرات ملايين الدولارات، خلال الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات عام 2008. ونوقش الاستجواب في جلسة سرّية قدّم خلالها عشرة أعضاء اقتراحاً لحجب الثقة عنه، غير أنّ طلب حجب الثقة سقط وتم تجديد الثقة به بغالبية كبيرة.
وبعد إجراء الانتخابات، أُعيد تعيين المحمد مرة أخرى رئيساً لمجلس الوزراء في 2 يوليو/تموز 2006، وقدّمت حكومته استقالتها في 4 مارس/أذار 2007 وتمت إعادة تكليفه.
وشهدت إحدى حكوماته في عام 2008، مشاكل عديدة مع مجلس الأمة، إذ قُدّم إليه استجواب على خلفيه دخول رجل دين إيراني إلى الكويت، على الرغم من وجود اسمه على قوائم المنع، وقد أدى هذا الاستجواب إلى استقاله الحكومة آنذاك. ولم تصمد الحكومة التالية برئاسته طويلاً، اذ حصلت 3 استجوابات تم تقديمها بوقت واحد بقضايا مختلفة، وكانت سبباً في حل أمير الكويت مجلس الأمة.
وهكذا، يتبين أنّ الحياة السياسية الكويتية زاخرة بالاستجوابات التي تتبعها استقالات، غير أنّ هذا الأمر لا يعمم على جميع الاستجوابات التي قُدّمت على مرّ الحكومات، إذ تصدى عدد من الوزراء للاستجوابات وفنّدوا محاورها.
46 استجواباً حتى 2009
وتشير دراسة أعدّها أحد الباحثين السياسيين في الكويت وهو صالح السعيدي، إلى حصول 46 استجواباً في تاريخ الكويت حتى 2009، تراوحت بين استجوابات هادئة وأخرى نارية، وأنه بالرغم من الاتفاق على دستورية الاستجواب، لم يتم بعد هضم هذه الأداة في دورة الحياة النيابية، ولم يجر استيعابها بعد في معادلة اللعبة السياسية في الكويت، فلا يزال الاستجواب مثار استفزاز ومحل صدام بين طرفي المعادلة الدستورية في البلاد، على الرغم من المشروعية التي أضفاها الدستور على أداة الاستجواب بتخصيصه مادتين من مواد الدستور، تحددان الاستجواب وتنظمانه.
وتلفت الدراسة نفسها إلى أن ثلث الاستجوابات المقدمة في تاريخ الحياة النيابية لم يناقش أصلاً، لأسباب مختلفة، وثلث الاستجوابات فقط وصل إلى أعلى مراحل الاستجواب، وهي طرح الثقة، وفي حالات معدودة فقط وضع الوزراء أمام محك التصويت على طلبات طرح الثقة، غير أن الثغر القانونية أتاحت للحكومة عدم تسجيل سقوط أي وزير من وزرائها المستجوبين في جلسات طرح الثقة.
اقرأ أيضاً (الكويت: الحراك السياسي يعود لساحة الإرادة)