كشفت نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي، عن فشل قبائل كبيرة، هي العوازم ومطير والعجمان، في إيصال عدد كبير من ممثليها إلى البرلمان، إذ لم يحصدوا مجتمعين أكثر من ثمانية مقاعد في مختلف الدوائر، وهو عدد يعتبر قليلاً بالقياس إلى قوتهم الانتخابية البالغة 115 ألف صوت، من أصل نحو 480 ألف ناخب وناخبة، بحسب ما تقول إحصائيات لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية الكويتية. ويعزو مراقبون السقوط المدوي لهذه القبائل إلى عدة أسباب، أهمها التطاحن الشديد داخل القبائل الكبيرة وانقسام صفوفها بسبب طمع عدد كبير من أفرادها وعوائلها في مقعد برلماني، بعد أن سهلت الحكومة الوصول إليه عبر إقرارها مرسوم الصوت الواحد، واستغلال القبائل الصغيرة لهذه الفرصة عبر توحيد صفوفها بشكل كامل، كما حدث مع قبيلة الظفير في الدائرة الرابعة، وقبائل الهواجر وسبيع والسهول في الدائرة الخامسة.
وفور صدور قرار حل مجلس الأمة وعودة القبائل، التي كانت قاطعت الانتخابات احتجاجاً على مرسوم الصوت الواحد الذي أضر بها كثيراً ومنح المجال للقبائل الصغيرة لمنافستها في معاقلها، تسارعت أفخاذ القبيلة (مجموعة من العشائر التي تنضوي داخل القبيلة) إلى التشاور بين بعضها البعض، وكان الاتفاق الأساسي أن يزكي كل "فخذ" من القبيلة مرشحاً خاصاً به، ومن ثم تجرى انتخابات فرعية بين أقسام القبيلة لاختيار أربعة مرشحين، على أن يستأثر كل مرشح بجزء معين من أصوات القبيلة، لكن الصراع نشب بين العوائل على اختيار مرشحيها، ثم نشب صراع آخر بين النواب المعارضين من أبناء القبائل الذين رفضوا خوض الفرعيات بحجة عدم قانونيتها، وبين النواب الذين يريدون خوضها حفظاً لأصوات القبيلة من الضياع. وأدى الصراع بين أبناء قبيلة مطير إلى ترشح 27 شخصاً عنها في الدائرة الرابعة فقط، وهي التي تعتبر معقل القبيلة في الكويت ومكان وجودها الأساسي. كما أدى عدم توصل الوجهاء إلى صيغة اتفاق على انتخابات فرعية بين 27 مرشحاً إلى سقوط جميع مرشحيها في الدائرة. ولم ينجح سوى مرشح واحد، ليس بفضل أصوات القبيلة بل بفضل مؤيديه من السلفيين، وهو محمد هايف المطيري، ما خلف حالة سخط وغضب بين شباب القبيلة الذين قالوا إن بعض المرشحين شاركوا بدفع من الحكومة ومن أطراف متنفذة لتشتيت أصوات القبيلة، ما تسبب بسقوط النائب المعارض مبارك الوعلان المطيري.
وقال محمد.م.م، وهو أحد نشطاء المعارضة من أبناء القبيلة لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة دفعت بالمقربين منها من الضباط المتقاعدين من أبناء القبيلة للترشح إلى الانتخابات، مع علمها بعدم وجود فرص حقيقية لفوزهم، لكن هدفها كان تشتيت الأصوات والإضرار بالمرشحين المعارضين من القبيلة، وأبرزهم محمد هايف ومبارك الوعلان وحسين قويعان، وهذا ما حصل فعلاً، وكل الإثباتات تشير إلى أشخاص متنفذين دفعوا لهؤلاء، إذ لا يعقل أن يتمكن شخص، يعتمد على معاشه التقاعدي من الدولة، من تمويل حملة انتخابية مقدارها 150 ألف دينار كويتي (500 ألف دولار تقريباً). وأضاف "هناك مرشحون داخل القبيلة ترشحوا لتلميع أسمائهم فقط، وحتى تعرفهم الحكومة مستقبلاً، وطمعاً في منصب وزاري قد يأتي. وبعض هؤلاء نزل ضد ابن عمه أو قريبه من الدرجة الأولى، وهذا ما أضر بالقبيلة وأضر بالانتخابات عموماً". لكن قبيلة مطير قامت بتوحيد صوتها في الدائرة الخامسة (خارج معقلها في الدائرة الرابعة)، وتمكنت من إجراء انتخابات فرعية أسفرت عن فوز خالد النيف الذي شطبته المحكمة لاحقاً بتهمة إهانة الذات الأميرية، ليتم ترشيح المرشح الاحتياطي ماجد مساعد المطيري قبل أربع ساعات فقط من الصمت الانتخابي. واستطاع ماجد أن يحوز على المركز السابع بـ3800 صوت، ويحصل على المقعد البرلماني، وهو ما اعتبره مراقبو الانتخابات معجزة انتخابية كونه لم يقم بأي ندوة أو يطرح أي مشروع بسبب ضيق الوقت.
أما على صعيد قبيلة العجمان التي تعتبر من قبائل الأقليات في الدائرة الرابعة، فقد استطاعت توحيد صفها عبر إجراء انتخابات فرعية في الدائرة، انتهت بفوز مبارك هيف الحجرف، الذي حصل على المركز الثاني في الدائرة خلف ثامر السويط الظفيري، بينما فشلت القبيلة فشلاً ذريعاً في مركز ثقلها في الدائرة الخامسة، حيث رفض عدة مرشحين خوض الانتخابات الفرعية، ومنهم نايف المرداس ومهدي العجمي ومحمد بن حثلين، فيما خاض أكثر من 18 مرشحاً الانتخابات الفرعية التي انتهت بفوز أربعة مرشحين. وبسبب قانون الصوت الواحد، فإن اللجنة الفرعية في القبيلة اعتمدت على ترتيب الأحرف الأبجدية، حيث إن كل مرشح يستأثر بحصة معينة من الأحرف التي يقوم أصحابها بالالتزام بالتصويت له فقط، لكن خوف كثيرين من أبناء القبيلة من غدر المرشحين الآخرين جعلهم لا يلتزمون بهذا الترتيب، وتحايلوا عليه بالتصويت لأبناء عمومتهم فقط، ما أدى إلى خسارة جميع مرشحي الانتخابات الفرعية، عدا محمد الحويلة الذي حاز على المركز العاشر في الانتخابات وبفارق ضئيل عن أقرب منافسيه، الذي قال إنه سيطعن بالنتيجة. وحصل نايف المرداس، مرشح القبيلة من خارج الفرعية، على المركز الثامن ليصبح للقبيلة في هذه الدائرة نائبان فقط، وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها مستوى تمثيل القبيلة إلى هذا الحد، في الوقت الذي كان يمكنها الفوز بستة أو سبعة مقاعد حال توحيد صفوفها.
وكان حال قبيلة العوازم شبيهاً بحال قبيلة العجمان، إذ إن القبيلة تعد أكبر القبائل في الكويت، ومعقلها الرئيس هو الدائرة الخامسة، لكنها لم تستطع أن ترشح سوى نائب واحد هو حمدان العازمي الذي لم يدخل الفرعية أصلاً. وفور صدور مرسوم حل مجلس الأمة والدعوة إلى الانتخابات تسارع وجهاء القبيلة، وعلى رأسهم زعيمها فلاح بن جامع العازمي، لعقد اجتماع بحثوا خلاله إمكانية عقد انتخابات فرعية، لكن الكثير من مرشحي القبيلة رفضوها بحجة عدم قانونيتها وعدم اتساق مبادئهم معها، وأبرزهم حمدان العازمي وأحمد مطيع وسالم النملان وبدر الداهوم الذي شطب في ما بعد بسبب وجود قضية إهانة الذات الأميرية بحقه. ورغم الشد والجذب، أجرت القبيلة انتخاباتها الفرعية التي نتج عنها وجود أربعة مرشحين غير معروفين على مستوى القبيلة بشكل كبير، وتم إجراء تقسيم الأحرف، كما حدث مع قبيلة العجمان، لكن النتيجة النهائية كانت الفشل الذريع بسبب عدم التزام القبيلة بالتصويت للمرشحين المقررين، وتشتت كافة الأصوات، ليحصل النائب حمدان العازمي الذي لم يدخل الفرعية على مقعد القبيلة الوحيد.
ولم تخل الانتخابات الفرعية للقبائل الصغيرة من صراعات وانقسامات، لكن القبائل المتعطشة لمقعد برلماني بعد غياب دام سنوات طويلة، نجحت في حسم أمورها وتصفية خلافاتها كما حدث مع قبيلة عتيبة في الدائرة الخامسة، التي اختارت التصويت لمرشح القبيلة رغم نزول مرشح آخر من مرشحي المعارضة خارج الانتخابات الفرعية، هو عايض العتيبي، وكذلك قبيلة شمر في الدائرة الرابعة التي اختارت التصويت لمرزوق الخليفة رغم وجود سلطان اللغيصم الذي رفض خوض الانتخابات الفرعية خوفاً من خسارته لها، بينما مرت الانتخابات الفرعية لقبائل الظفير والسهول والصلبة والهواجر بسهولة ويسر كبيرة جداً، وحاز الحميدي السبيعي، ممثل قبيلة السهول، على التزكية من أفراد القبيلة بعد رفضه خوض الانتخابات الفرعية لمخالفتها القانون. ويعاقب القانون الكويتي كل من نظم فرعية أو دعا إليها أو اشترك فيها بالسجن، لكن الحكومة الكويتية تتساهل في تطبيق القانون، الذي صدر في العام 1998، لأسباب عدة، أبرزها الرغبة في وصول أكبر عدد من النواب المؤيدين لها من خلال هذه الانتخابات. وتقول المصادر الحكومية المطلعة إن الحكومة أعطت الأمان لعدة انتخابات فرعية جرت هذه السنة، بعد تأكدها من فوز نواب موالين لها في هذه الانتخابات المصغرة.