في ظل الأزمات السياسية، وعدم الاستقرار الأمني والعسكري في المنطقة، ولا سيما في العراق وسورية، وعلى وقع التهديدات الإيرانية للخليج، تستعد دولة الكويت لتحديث وبناء جيشها الوطني من جديد، وذلك من خلال زيادة وتيرة قبول مجندين جدد، وعقد صفقات تسلح دولية، إضافة إلى توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية، آخرها افتتاح مركز لعمليات حلف شمال الأطلسي في البلاد.
وقررت الرئاسة العامة للأركان في وزارة الدفاع فتح باب القبول، خلال العام الحالي، لأبناء المقيمين بصورة غير قانونية، أو البدون، في الجيش. وتقدم أكثر من 28 ألف شاب من أبناء هذه الفئة للتطوع، طمعاً بالمميزات المالية التي تقدمها الحكومة للجنود. وقررت الحكومة الكويتية أيضاً فرض التجنيد الإجباري على المواطنين، ابتداءً من منتصف مايو/ أيار الحالي، لتكون ثالث دولة تتخذ هذه الخطوة في الخليج، بعد قطر والإمارات.
وأوضح معاون رئيس الأركان في الجيش، خالد الشمري، في وقت سابق، خطط الجيش بشأن قبول "البدون" والتجنيد الإلزامي. وقال إن "عدد المتقدمين للجيش الكويتي من فئة البدون هو 28 ألفاً، وسنحاول قبول أكبر عدد منهم في الجيش، لأننا نريد أعداداً ضخمة. وسيوفر لنا التجنيد الإلزامي 12 ألف جندي سنوياً، سيشكلون قوة الاحتياط الكويتية، لتكون على أعلى مستوى من الجهوزية العسكرية".
وشعرت الكويت بأهمية تحديث جيشها مع تزايد الأخطار الإقليمية حولها، لا سيما بعد الأزمة الحدودية مع العراق على خور عبدالله، وما رافقها من تهديدات أطلقتها المليشيات العراقية، مثل "النجباء" أو "حزب الله" العراقي. ويبلغ تعداد الجيش الكويتي حالياً 15500 عسكري، مسلحين بأكثر من 200 دبابة "أبرامز" أميركية الصنع، و150 دبابة "أم 84" الصربية، و250 مدرعة "واريو" بريطانية مسلحة بصواريخ مضادة للدبابات، و240 مدرعة "بي أم بي 3" روسية الصنع. أما في سلاح الجو، فتملك الكويت 40 مقاتلة أميركية من طراز "أف 18". كذلك تتوفر لسلاح الجو 30 مروحية حربية، بينها 16 من نوع "أباتشي" الأميركية. ويعتمد الدفاع الجوي الكويتي على صواريخ "هوك" الأميركية متوسطة المدى المضادة للطائرات، ومنظومة "باتريوت" المضادة للصواريخ البالستية.
ولا تبدو هذه الأرقام مرضية في الكويت، خصوصاً في ظل التسرب الكبير الحاصل بين الجنود، وتنامي التهديدات الإقليمية لأمن البلاد في إقليم غير مستقر. ويقدم مئات الجنود سنوياً استقالاتهم من الجيش نتيجة وجود فرص عمل أفضل لهم، خصوصاً بعد قيامهم بإكمال تعليمهم أثناء الخدمة، إضافة إلى مشقة العمل العسكري، والتزاماته الصارمة، في المعسكرات البعيدة عن المدينة، ما يجعل القطاعات العسكرية في الكويت طاردة للمواطنين. وتسارعت وتيرة الصفقات العسكرية الكويتية أخيراً، بعد سحب الحكومة 10 مليارات دولار من الاحتياطي العام في 2016، إذ قامت بتوقيع عقد مع شركة "إيرباص هليكوبتر" الفرنسية المتخصصة في صناعة المروحيات العسكرية، وذلك لشراء 30 مروحية من نوع "كاراكال" لمصلحة القوات المسلحة بكافة أقسامها البحرية. وتحاول وزارة الدفاع الآن شراء 24 طائرة "أف 18" من الولايات المتحدة الأميركية، في إطار سعيها لخلق قوة جوية ضخمة، بصفقة تقدر بثلاثة مليارات دولار. وانتهت الكويت من شراء 28 طائرة "يورو فايتر" القتالية من الاتحاد الأوروبي، بعد أن أفشل البرلمان الكويتي في وقت سابق صفقة لشراء طائرات "رافال" فرنسية لوجود شبهة فساد فيها.
ويقول الباحث والكاتب فهد الشليمي، لـ"العربي الجديد"، إن "قيام الكويت بتعزيز قدراتها البشرية لجيشها يأتي تلبية للتحديات والتهديدات التي برزت، سواء التقليدية منها، كالتهديدات الإيرانية وبعض المجموعات الحزبية العراقية، أو غير التقليدية منها، كالإرهاب الخارجي. وتحتاج الكويت لجيش قوامه 66 ألف جندي تحت السلاح كنسبة مقبولة". وأضاف "أثبتت التجارب أن الادعاء بوجود اتفاقيات أمنية لتقديم الحماية الأميركية عند اللزوم أمر لا يمكن الرهان عليه، ولذلك نحتاج إلى القدرات الذاتية".
من جهته، يقول الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "قرارات فتح باب التجنيد وتقديم هذا القانون، برغم أنه سيضر بالقوى العاملة في الكويت وبالشركات الاقتصادية، وقرار قبول البدون في الجيش، رغم أن الحكومة ترى أنهم يقيمون بصورة غير قانونية ويجب عليها التخلص منهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية حسب زعمها، ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من مشروع لدول الخليج، برعاية أميركية بريطانية، لبناء جيوش المنطقة من جديد، خصوصاً أن الجيش الكويتي الحالي مهترئ، ولا يمكن الاعتماد عليه كثيراً، نظراً لقلة عدد الجنود فيه وعدم الرغبة في الوظيفة العسكرية". ويرى أن "عهد حماية الأميركيين المطلق، الذي حدث عام 1991 بتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، قد ولى، مع دخول (دونالد) ترامب للبيت الأبيض". ويضيف "لو لاحظنا التسلسل الزمني للأحداث، فإنه يبدأ من طلب الحكومة سحب 10 مليارات دولار من الاحتياطي العام للدولة لتسليح الجيش الكويتي بأسلحة جديدة، وموافقة البرلمان السابق على هذا القرار، ثم قيام الحكومة بفتح باب التسجيل في الجيش لأبناء الكويتيات (من أباء غير كويتيين)، ثم قيامها بإقرار قانون التجنيد، ثم قرارها المفاجئ بفتح باب القبول لجميع أبناء البدون في الجيش من دون وضع حد لعدد معين". ويتابع الشريفي أن "نهج الكويت، الذي انتهجته بعد عام 2003، في السلام مع دول المنطقة لم يكن مفيداً كما هو واضح، لا لها ولا لحلفائها، بسبب تهديدات المليشيات الإيرانية الموجودة على الحدود الجنوبية للعراق، والتي يسيل لعابها وهي ترى الكويت فريسة سهلة لها. وأزمة خور عبدالله بين مليشيا النجباء والكويت دليل واضح على ذلك، خصوصاً أن الدولة العراقية تخاف من هذه المليشيات أيضاً".
وتشارك الكويت بقوات "درع الجزيرة" الخليجية، إلا أن أعداد قواتها في الحلف لا تبدو كافية، بالإضافة إلى مشاركة كتيبة المدفعية الخاصة بها في الحرب على المليشيات الانقلابية في اليمن من أنصار علي عبدالله صالح والحوثي. ومن المتوقع أن يؤدي الجيش الكويتي بعد تحديثه دوراً أكبر في الحرب اليمنية، بحسب مراقبين. كما يُتوقع أن يؤدي الجيش الكويتي دوراً أكبر في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لا سيما بعد افتتاح أول مركز لحلف شمال الأطلسي في المنطقة، وذلك في الكويت، في يناير/ كانون الثاني الماضي، لتكون أول دولة خليجية ترفع تعاونها مع "الأطلسي" إلى هذا المستوى.