02 ابريل 2021
اللاجئون البيئيون قضية مُلحة أمام اتفاق باريس للمناخ
على هامش مراسيم التوقيع على اتفاق باريس للمناخ الذي وقّعه رؤساء دول وحكومات ومسؤولو 175 دولة في مقر الأمم المتحدة صباح يوم 22 إبريل/ نيسان 2016، قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن برلمان بلاده سيصدّق على الاتفاق قبل صيف العام الحالي. وأردف: "يجب أن تكون فرنسا نموذجاً لتظهر أنها الأولى، أو من بين الدول الأولى التي لا تُصدّق على الاتفاق فقط، ولكن على تطبيق مضمونه أيضاً. ستزيد فرنسا تمويلها السنوي للعمل في مجال المناخ، خصوصاً بحشد ما بين 3 إلى 5 مليارات يورو سنوياً، حتى العام 2020". أما بان كي مون، فاعتبر الاتفاق "لحظةً تاريخية، علينا اغتنامها للتعامل مع التغيّر المناخي العاصف". وأعرب عن سعادته "بإعلان بعض الدول التي هي من أكبر مُسبّبي الانبعاثات الدفيئة، أنها ستصدق على الاتفاق العام الحالي". وشجّع "جميع الدول أيضاً على رفع سقف طموحاتها". ودعا "إلى البناء على هذا التقدم التاريخي، كونه خطوة مهمة إلى الأمام، من أجل الناس وكوكب الأرض".
نعم، ليس الكوكب في خطر شديد فقط، بل إنه في قلب مساحة الكارثة المتحققة بعينها، ولا يلزم، بالتالي، بعد اليوم أيّ تلكؤ، أو أيّة ألاعيب سياسية مصلحية تنافسية بذاتها ولذاتها، من هنا وهناك، فعلماء المناخ والبيئة يتحدثون بجزم عن دمار وغرق بلدان بحالها، على اليابسة وفي المحيطات، جرّاء الاحتباس الحراري وارتفاع معدلات حرارة الأرض. ومن معاينة جغرافية للكوكب الأزرق، يتضح أن المناطق الأكثر تعرضاً لظاهرة الاحتباس الحراري، هي، في أغلب الأحيان، فقيرة للغاية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويُلزم اتفاق باريس مُوقّعيه بالسعي إلى ضبط ارتفاع معدل حرارة الأرض بحدود "أقل من درجتين مئويتين"، غير أن هذا الهدف الطموح جداً يتطلّب، بحسب وكالات الأنباء، "إرادة راسخة ومئات المليارات من الدولارات، من أجل الانتقال إلى موارد طاقة نظيفة". على أن التوقيع الذي تمّ، أخيراً، في الأمم المتحدة، وعلى أهميته، ليس إلاّ مرحلة أولى على درب الجلجلة المناخية فائقة الخطورة، حيث لن يكون الاتفاق سارياً عملياً إلاّ بعد مصادقة برلمانات البلدان الموقّعة عليه، والتي هي مسؤولة عن 55%، على الأقل، من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما سيؤخر، بالتأكيد، تنفيذ التعهّدات إلى بدايات العام 2017.
نوع جديد من اللاجئين
باختصار، وتبعاً لما سبق، بدأ علماء وسياسيون يتحدّثون عن نوع جديد من اللاجئين، يسمونهم "اللاجئين البيئيين" Environmental Refugees، نتيجة ازدياد معدّلات الهجرة من بلدانهم المنكوبة "طبيعياً"، أو بفعل التبدّلات المناخية العاصفة التي يتسبّب فيها البشر. ويستبق بعض هؤلاء اللاجئين الكوارث التي ستحلّ ببلدانهم، فيغادرونها طوعاً إلى أماكن أكثر أمناً واستقراراً. وتتوقع تقديرات حديثة تراوح عدد النازحين البيئيين بين 200 مليون إلى مليار شخص بحلول العام 2050. وحتى الآن، يعاني هؤلاء اللاجئون من عدم الاعتراف القانوني بوضعهم. يقول جورج بيدين، وهو خبير مناخي دولي، "إن هذا النوع من اللاجئين البيئيين يستحقّ أن تُستنفر لأجله كل المؤسسات والمنظمات الحقوقية في العالم، وعلى جناح السرعة، فنكبتهم، إن لم تكن تساوي نكبة بلدانهم، فهي تتجاوزها بالفداحة، لا لشيء، إلاّ لأنهم بقوا على قيد الحياة، وخسروا أعزّ ما لديهم. وعليه، إن واجب الاعتراف بحقوقهم القانونية، والتي ينبغي أن تُسنّ اليوم قبل الغد، مسألة من العار على العدالة الدولية ألآ تلتفت إليها حتى الآن، وتبتّها بقوانين فورية ملزمة ومرعيّة الإجراء".
ويذكر أولي براون، خبير "المعهد الدولي للتنمية المستدامة" أن إفريقيا هي القارة الأكثر تضرراً ومعاناةً من تداعيات التغيير المناخي، خصوصاً في بلدان كالكونغو وأوغندا وبنين والسودان وإفريقيا الجنوبية ودلتا النيل في مصر. وعلى المستوى الآسيوي، يتحدث براون عن بنغلادش دولةً أكثر تضرراً من غيرها، وكذلك كولومبيا في أميركا الجنوبية. غير أنه، وغيره من خبراء، يتحدثون، بل يجزمون، عن جزرٍ بحالها في المحيط الهندي مهدّدة بالغرق، مثل جزر المالديف الساحرة الجمال، حيث سبق وغرق لها 15 جزيرة صغيرة في العام 2008، ويتذكّر جميع المعنيين بالبيئة والمناخ خطاب رئيس جمهورية المالديف آنذاك، محمد نشيد، وقد ناشد فيه العالم إنقاذ بلاده مما ينتظرها عقب غرق 15 جزيرة في أرخبيل بلاده المتكون من 1200 جزيرة مرجانية. وطالب "حكومة أستراليا ودول الجوار الأخرى بالاستعداد لموجات كبيرة من لاجئي التحوّل المناخي في بلاده الساعين إلى موطن جديد لهم". وتطرّق، حينها، الرئيس محمد نشيد إلى "توقّعات ارتفاع مستوى البحر قرابة 59 سنتيمتراً في القرن المقبل، ما يعني اختفاء جزر كثيرة في البلاد. وهناك حالياً 200 جزيرة مأهولة من أصل 1200 لدى دولة المالديف، ولا ترتفع عن مستوى البحر أكثر من متر، بينما ترتفع أعلى نقطة إلى مستوى مترين ونصف المتر".
لكنّ أستراليا التي ناشدها الرئيس الأسبق لجمهورية جزر المالديف لإنقاذ بلاده، كانت، هي الأخرى، مهدّدة بجزء حيوي وكبير منها. وجاء في تقرير حكومي أسترالي، صدر في العام 2009: "هناك نحو ربع مليون منزل على امتداد سواحل أستراليا عرضة للغرق، بحلول العام 2100، جرّاء ارتفاع منسوب مياه البحر، بفعل التغييرات المناخية العاصفة". وأردف التقرير الذي وضع قيد الاعتبار ارتفاع منسوب مياه البحر بـ1.1 متراً، أن عقارات بقيمة 66 مليار دولار ستختفي تحت البحر، إلى جانب 120 ميناء بحري وجوي، منها مطارا بريسبان وسيدني و1800 جسراً؛ وطالبت وزيرة البيئة الأسترالية بسرعة "وضع خطة طوارئ قومية"، بحسب ما أوردته شبكة ABC الأسترالية.
نوفالو.. يا نوفالو
نوفالو ثالث أصغر دولة في العالم بعد دولة الفاتيكان، وهي في المحيط الهادي. مؤلفة من تسع جزر تقع في المحيط الهادي أيضاً، وتحديداً في منتصف خط الطريق البحرية بين أستراليا وجزر هاواي الأميركية. هذه الدولة بجزرها التسع، والتي استقلّت عن التبعية البريطانية في أكتوبر/ تشرين أول 1978، وعاصمتها فونا فوتي، مرشحة الآن للغرق نهائياً في قاع المحيط، بحكم ارتفاع منسوب المياه، وازدياد درجة حرارتها في فترة بين خمسين وثمانين عاماً، إلاّ أن هذه الظاهرة تبقى وقفاً على الجهود التي سيتمكن البشر من بذلها، لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، كما الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم وعواقبه، تبعاً للصلة السببية الواضحة الوارد ذكرها في أعمال فريق الخبراء الحكومي الدولي، المعني بتغّير المناخ GIEC)) ومن المرتقب أن تختفي هذه الدولة، بمواطنيها البالغ عددهم 12000 نسمة. ماذا سيحل بهم؟ بأي حماية قانونية يحق لهم؟ بأي تعويضات؟ بهذه الأسئلة، تُطرح قضية اللاجئين البيئيين.
لا تقتصر هذه القضية على مَثَل الدويلات الجزيرية الصارخ، وإنما تنطبق أيضاً، بشكل مأساوي وفوري، على مجمل البشرية. ففي أرجاء العالم كافة، تؤدي آثار التغيّر المناخي (المتمثلة بذوبان الجليد في المناطق القطبية والطبقات الجليدية والكتل الجليدية، وارتفاع منسوب مياه المحيطات، واختلال فصول السنة، والأحداث المناخية القاسية، شأن فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، واشتداد العواصف) إلى تدهور وضع الأراضي الأم الذي قد يتمّ بوتيرة تدريجية (في حالات انجراف التربة والتملّح والتصحّر) أو سريعة جداً (في حالات الأعاصير والحرائق والفيضانات الكبرى).
آثار التغيّر المناخي على السكان فادحة، بقدر ما هي الأرض التي يقيمون عليها هشّة، والتوازن بين الإنسان وبيئته المباشرة متزعزع. ويبقى سكان المناطق القطبية والصحراوية والسواحل ومناطق الدلتا الضخمة الأكثر تعرّضاً لهذه الآثار. فشعب الإنويت والرعاة الرحّل في منطقة الساحل والصيادون البولينيزيون والمزارعون في دلتا النيل، كلهم يعانون إتلاف الأراضي وندرة الموارد؛ والأكثر تضرراً هم أفقر السكان، بل أقلّهم إسهاماً في انبعاث غازات الدفيئة.
أرض الكوارث المتكرّرة
مع تركّز 165 مليون شخص على أرض مسطحةٍ وشاسعة تساوي ربع فرنسا، يعدّ بنغلادش، هذا البلد الصغير الحجم الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم. وبما يمثله من نقطة التقاء بين نهر مغنا ونهرين كبيرين ينبعان من جبال الهيمالايا، هما الغانج وبراهمابوترا، يشكل دلتا خاضعاً على نحو طبيعي لانجراف التربة والفيضانات الكبرى؛ ويعرّضه وضعه الجغرافي لعدد كبير من عواقب التغير المناخي في آن معاً.
وتتسبب كثافة هطول الأمطار الجديدة وكميات المياه الإضافية الناجمة عن ذوبان الكتل الثلجية وارتفاع منسوب مياه البحر عند المد العالي، باجتماعها بتوسيع رقعة المساحة التي تجتاحها الفيضانات وديمومتها فترة أطول. الواقع أن أعاصير خليج البنغال التي تبقى قوتها، وفق ما أجمع العلماء عليه أخيراً، معرّضة للازدياد، تتحد مع ارتفاع منسوب البحر لتدمّر المحاصيل والمساكن والسدود. وأصبحت المنطقة الواقعة شمال غرب البلاد تواجه فتراتٍ متواترةً من الجفاف وشبه التصحّر.
في أرجاء بنغلادش كافة، تدفع الكوارث المتكرّرة وانخفاض المحاصيل الزراعية والموارد السمكية المزارعين وصيادي الأسماك إلى مغادرة منطقتهم، والتوجه إلى أبرز مدن البلاد. لكنه لا جديد في الموضوع: فإن هذه الحركة تمثّل حلاً طبيعياً، وبالمبدأ مؤقتاً، لمواجهة ضربات القدر. ويفكر معظم هؤلاء النازحين في العودة إلى بلدتهم، ما إن يتحسن وضعها. بيد أن ما يجهلونه هو أن التغير المناخي لا يسير كما تشتهيه مشاريعهم.
غالباً ما تكون العاصمة داكا وجهتهم الأساسية. النمو المذهل لهذه العاصمة (كانت تضم 13 مليون نسمة في العام 2005 وتستضيف حوالى ثمانمئة ألف فرد إضافي سنوياً) يسمح بالتحقق من ضعف معدل العودة. ولكن هذه المدينة الواقعة بنفسها في منطقة معرّضة للفيضانات، لن تتمكن من التوسع أبداً. وفي هذه الحال، سيضطر النازحون للتوجه بكثافة إلى الخارج، في حين أن الدولتين المجاورتين لبنغلادش تواجهان المشكلات المناخية نفسها، كما أثبتته الفيضانات التي أغرقت شرق الهند في العام 2007، وإعصار نرجس الذي اجتاح ميانمار بعد عام، بالإضافة إلى أنهما معروفتان تاريخياً وسياسياً بمعارضتهما أي هجرة على أراضيهما.
تفادياّ للكوارث الإنسانية المزمنة والأزمات الحدودية، كالتي يلوح طيفها في بنغلادش، ترتفع أصوات في المنظمات غير الحكومية، وفي أوساط الباحثين والسياسيين، لمطالبة المجتمع الدولي بالنظر في عمليات نزوح السكان بسبب المناخ المتجسدة في مَثَل بنغلاديش، بما يشير إليه وحده من احتمال ازدياد أهميتها العددية.
باسم حقوق الإنسان وعدالة مناخية، تعترف بكل المسؤوليات التاريخية عن أبرز مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة، يجدر بالمجتمع الدولي، أو الأمم المتحدة، تأمين الحماية، ومنذ الآن، لكل من يسلك درب النزوح القسري بسبب المناخ؛ سواء أكان هؤلاء يتنقلون ضمن حدود دولتهم أم خارجها، فإنهم يُعدّون لاجئين من نوع جديد، لم تلحظه اتفاقية جنيف لعام 1951. إنهم.. يا سادة لاجئون بيئيون.
نعم، ليس الكوكب في خطر شديد فقط، بل إنه في قلب مساحة الكارثة المتحققة بعينها، ولا يلزم، بالتالي، بعد اليوم أيّ تلكؤ، أو أيّة ألاعيب سياسية مصلحية تنافسية بذاتها ولذاتها، من هنا وهناك، فعلماء المناخ والبيئة يتحدثون بجزم عن دمار وغرق بلدان بحالها، على اليابسة وفي المحيطات، جرّاء الاحتباس الحراري وارتفاع معدلات حرارة الأرض. ومن معاينة جغرافية للكوكب الأزرق، يتضح أن المناطق الأكثر تعرضاً لظاهرة الاحتباس الحراري، هي، في أغلب الأحيان، فقيرة للغاية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويُلزم اتفاق باريس مُوقّعيه بالسعي إلى ضبط ارتفاع معدل حرارة الأرض بحدود "أقل من درجتين مئويتين"، غير أن هذا الهدف الطموح جداً يتطلّب، بحسب وكالات الأنباء، "إرادة راسخة ومئات المليارات من الدولارات، من أجل الانتقال إلى موارد طاقة نظيفة". على أن التوقيع الذي تمّ، أخيراً، في الأمم المتحدة، وعلى أهميته، ليس إلاّ مرحلة أولى على درب الجلجلة المناخية فائقة الخطورة، حيث لن يكون الاتفاق سارياً عملياً إلاّ بعد مصادقة برلمانات البلدان الموقّعة عليه، والتي هي مسؤولة عن 55%، على الأقل، من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما سيؤخر، بالتأكيد، تنفيذ التعهّدات إلى بدايات العام 2017.
نوع جديد من اللاجئين
باختصار، وتبعاً لما سبق، بدأ علماء وسياسيون يتحدّثون عن نوع جديد من اللاجئين، يسمونهم "اللاجئين البيئيين" Environmental Refugees، نتيجة ازدياد معدّلات الهجرة من بلدانهم المنكوبة "طبيعياً"، أو بفعل التبدّلات المناخية العاصفة التي يتسبّب فيها البشر. ويستبق بعض هؤلاء اللاجئين الكوارث التي ستحلّ ببلدانهم، فيغادرونها طوعاً إلى أماكن أكثر أمناً واستقراراً. وتتوقع تقديرات حديثة تراوح عدد النازحين البيئيين بين 200 مليون إلى مليار شخص بحلول العام 2050. وحتى الآن، يعاني هؤلاء اللاجئون من عدم الاعتراف القانوني بوضعهم. يقول جورج بيدين، وهو خبير مناخي دولي، "إن هذا النوع من اللاجئين البيئيين يستحقّ أن تُستنفر لأجله كل المؤسسات والمنظمات الحقوقية في العالم، وعلى جناح السرعة، فنكبتهم، إن لم تكن تساوي نكبة بلدانهم، فهي تتجاوزها بالفداحة، لا لشيء، إلاّ لأنهم بقوا على قيد الحياة، وخسروا أعزّ ما لديهم. وعليه، إن واجب الاعتراف بحقوقهم القانونية، والتي ينبغي أن تُسنّ اليوم قبل الغد، مسألة من العار على العدالة الدولية ألآ تلتفت إليها حتى الآن، وتبتّها بقوانين فورية ملزمة ومرعيّة الإجراء".
ويذكر أولي براون، خبير "المعهد الدولي للتنمية المستدامة" أن إفريقيا هي القارة الأكثر تضرراً ومعاناةً من تداعيات التغيير المناخي، خصوصاً في بلدان كالكونغو وأوغندا وبنين والسودان وإفريقيا الجنوبية ودلتا النيل في مصر. وعلى المستوى الآسيوي، يتحدث براون عن بنغلادش دولةً أكثر تضرراً من غيرها، وكذلك كولومبيا في أميركا الجنوبية. غير أنه، وغيره من خبراء، يتحدثون، بل يجزمون، عن جزرٍ بحالها في المحيط الهندي مهدّدة بالغرق، مثل جزر المالديف الساحرة الجمال، حيث سبق وغرق لها 15 جزيرة صغيرة في العام 2008، ويتذكّر جميع المعنيين بالبيئة والمناخ خطاب رئيس جمهورية المالديف آنذاك، محمد نشيد، وقد ناشد فيه العالم إنقاذ بلاده مما ينتظرها عقب غرق 15 جزيرة في أرخبيل بلاده المتكون من 1200 جزيرة مرجانية. وطالب "حكومة أستراليا ودول الجوار الأخرى بالاستعداد لموجات كبيرة من لاجئي التحوّل المناخي في بلاده الساعين إلى موطن جديد لهم". وتطرّق، حينها، الرئيس محمد نشيد إلى "توقّعات ارتفاع مستوى البحر قرابة 59 سنتيمتراً في القرن المقبل، ما يعني اختفاء جزر كثيرة في البلاد. وهناك حالياً 200 جزيرة مأهولة من أصل 1200 لدى دولة المالديف، ولا ترتفع عن مستوى البحر أكثر من متر، بينما ترتفع أعلى نقطة إلى مستوى مترين ونصف المتر".
لكنّ أستراليا التي ناشدها الرئيس الأسبق لجمهورية جزر المالديف لإنقاذ بلاده، كانت، هي الأخرى، مهدّدة بجزء حيوي وكبير منها. وجاء في تقرير حكومي أسترالي، صدر في العام 2009: "هناك نحو ربع مليون منزل على امتداد سواحل أستراليا عرضة للغرق، بحلول العام 2100، جرّاء ارتفاع منسوب مياه البحر، بفعل التغييرات المناخية العاصفة". وأردف التقرير الذي وضع قيد الاعتبار ارتفاع منسوب مياه البحر بـ1.1 متراً، أن عقارات بقيمة 66 مليار دولار ستختفي تحت البحر، إلى جانب 120 ميناء بحري وجوي، منها مطارا بريسبان وسيدني و1800 جسراً؛ وطالبت وزيرة البيئة الأسترالية بسرعة "وضع خطة طوارئ قومية"، بحسب ما أوردته شبكة ABC الأسترالية.
نوفالو.. يا نوفالو
نوفالو ثالث أصغر دولة في العالم بعد دولة الفاتيكان، وهي في المحيط الهادي. مؤلفة من تسع جزر تقع في المحيط الهادي أيضاً، وتحديداً في منتصف خط الطريق البحرية بين أستراليا وجزر هاواي الأميركية. هذه الدولة بجزرها التسع، والتي استقلّت عن التبعية البريطانية في أكتوبر/ تشرين أول 1978، وعاصمتها فونا فوتي، مرشحة الآن للغرق نهائياً في قاع المحيط، بحكم ارتفاع منسوب المياه، وازدياد درجة حرارتها في فترة بين خمسين وثمانين عاماً، إلاّ أن هذه الظاهرة تبقى وقفاً على الجهود التي سيتمكن البشر من بذلها، لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، كما الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم وعواقبه، تبعاً للصلة السببية الواضحة الوارد ذكرها في أعمال فريق الخبراء الحكومي الدولي، المعني بتغّير المناخ GIEC)) ومن المرتقب أن تختفي هذه الدولة، بمواطنيها البالغ عددهم 12000 نسمة. ماذا سيحل بهم؟ بأي حماية قانونية يحق لهم؟ بأي تعويضات؟ بهذه الأسئلة، تُطرح قضية اللاجئين البيئيين.
لا تقتصر هذه القضية على مَثَل الدويلات الجزيرية الصارخ، وإنما تنطبق أيضاً، بشكل مأساوي وفوري، على مجمل البشرية. ففي أرجاء العالم كافة، تؤدي آثار التغيّر المناخي (المتمثلة بذوبان الجليد في المناطق القطبية والطبقات الجليدية والكتل الجليدية، وارتفاع منسوب مياه المحيطات، واختلال فصول السنة، والأحداث المناخية القاسية، شأن فترات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، واشتداد العواصف) إلى تدهور وضع الأراضي الأم الذي قد يتمّ بوتيرة تدريجية (في حالات انجراف التربة والتملّح والتصحّر) أو سريعة جداً (في حالات الأعاصير والحرائق والفيضانات الكبرى).
آثار التغيّر المناخي على السكان فادحة، بقدر ما هي الأرض التي يقيمون عليها هشّة، والتوازن بين الإنسان وبيئته المباشرة متزعزع. ويبقى سكان المناطق القطبية والصحراوية والسواحل ومناطق الدلتا الضخمة الأكثر تعرّضاً لهذه الآثار. فشعب الإنويت والرعاة الرحّل في منطقة الساحل والصيادون البولينيزيون والمزارعون في دلتا النيل، كلهم يعانون إتلاف الأراضي وندرة الموارد؛ والأكثر تضرراً هم أفقر السكان، بل أقلّهم إسهاماً في انبعاث غازات الدفيئة.
أرض الكوارث المتكرّرة
مع تركّز 165 مليون شخص على أرض مسطحةٍ وشاسعة تساوي ربع فرنسا، يعدّ بنغلادش، هذا البلد الصغير الحجم الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم. وبما يمثله من نقطة التقاء بين نهر مغنا ونهرين كبيرين ينبعان من جبال الهيمالايا، هما الغانج وبراهمابوترا، يشكل دلتا خاضعاً على نحو طبيعي لانجراف التربة والفيضانات الكبرى؛ ويعرّضه وضعه الجغرافي لعدد كبير من عواقب التغير المناخي في آن معاً.
وتتسبب كثافة هطول الأمطار الجديدة وكميات المياه الإضافية الناجمة عن ذوبان الكتل الثلجية وارتفاع منسوب مياه البحر عند المد العالي، باجتماعها بتوسيع رقعة المساحة التي تجتاحها الفيضانات وديمومتها فترة أطول. الواقع أن أعاصير خليج البنغال التي تبقى قوتها، وفق ما أجمع العلماء عليه أخيراً، معرّضة للازدياد، تتحد مع ارتفاع منسوب البحر لتدمّر المحاصيل والمساكن والسدود. وأصبحت المنطقة الواقعة شمال غرب البلاد تواجه فتراتٍ متواترةً من الجفاف وشبه التصحّر.
في أرجاء بنغلادش كافة، تدفع الكوارث المتكرّرة وانخفاض المحاصيل الزراعية والموارد السمكية المزارعين وصيادي الأسماك إلى مغادرة منطقتهم، والتوجه إلى أبرز مدن البلاد. لكنه لا جديد في الموضوع: فإن هذه الحركة تمثّل حلاً طبيعياً، وبالمبدأ مؤقتاً، لمواجهة ضربات القدر. ويفكر معظم هؤلاء النازحين في العودة إلى بلدتهم، ما إن يتحسن وضعها. بيد أن ما يجهلونه هو أن التغير المناخي لا يسير كما تشتهيه مشاريعهم.
غالباً ما تكون العاصمة داكا وجهتهم الأساسية. النمو المذهل لهذه العاصمة (كانت تضم 13 مليون نسمة في العام 2005 وتستضيف حوالى ثمانمئة ألف فرد إضافي سنوياً) يسمح بالتحقق من ضعف معدل العودة. ولكن هذه المدينة الواقعة بنفسها في منطقة معرّضة للفيضانات، لن تتمكن من التوسع أبداً. وفي هذه الحال، سيضطر النازحون للتوجه بكثافة إلى الخارج، في حين أن الدولتين المجاورتين لبنغلادش تواجهان المشكلات المناخية نفسها، كما أثبتته الفيضانات التي أغرقت شرق الهند في العام 2007، وإعصار نرجس الذي اجتاح ميانمار بعد عام، بالإضافة إلى أنهما معروفتان تاريخياً وسياسياً بمعارضتهما أي هجرة على أراضيهما.
تفادياّ للكوارث الإنسانية المزمنة والأزمات الحدودية، كالتي يلوح طيفها في بنغلادش، ترتفع أصوات في المنظمات غير الحكومية، وفي أوساط الباحثين والسياسيين، لمطالبة المجتمع الدولي بالنظر في عمليات نزوح السكان بسبب المناخ المتجسدة في مَثَل بنغلاديش، بما يشير إليه وحده من احتمال ازدياد أهميتها العددية.
باسم حقوق الإنسان وعدالة مناخية، تعترف بكل المسؤوليات التاريخية عن أبرز مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة، يجدر بالمجتمع الدولي، أو الأمم المتحدة، تأمين الحماية، ومنذ الآن، لكل من يسلك درب النزوح القسري بسبب المناخ؛ سواء أكان هؤلاء يتنقلون ضمن حدود دولتهم أم خارجها، فإنهم يُعدّون لاجئين من نوع جديد، لم تلحظه اتفاقية جنيف لعام 1951. إنهم.. يا سادة لاجئون بيئيون.