تبدّلت الصورة الاقتصادية لدول الخليج مع بدء استخراج النفط، وتحوُّل هذه الدول المتواضعة اقتصادياً إلى رقم مالي صعب على الصعيد العالمي. وشكّلت الأسواق البكر لتلك البلدان مقصداً رئيساً للمستثمرين اللبنانيين الذين احترفوا الأعمال التجارية والصناعية على طول حوض المتوسط، وباتجاه العمق العربي. "وصلنا قبل أجهزة التكييف"، يقول نجل أحد المستثمرين اللبنانيين الأوائل الذين حطوا في السعودية في أوائل ستينيات القرن الماضي. رافق الرجل صديقين تحوّل أحدهما إلى رئيس حكومة في لبنان بعدها بعقود، وأسسوا مجموعة شركات تجارية وعقارية وصناعية في العاصمة الرياض. كما استثمروا في شركة "أرامكو" النفطية قبل أن تدفع الغربة به للعودة إلى لبنان. لا يشكّل رئيس الوزراء الأسبق وشقيقه استثناء، إذ ساهمت الأعمال التجارية والعقارية والصناعية في المملكة بصناعة العديد من الشخصيات السياسية التي جمعت بين الثقل المالي وثقل العلاقات السياسية مع أركان الحكم في الرياض. ومن لم تصنعه العلاقات السياسية المباشرة مع السعوديين، دخل إلى الحقل العام في لبنان من بوابة الأرباح المحققة في دول الخليج. تنافس رجال الأعمال اللبنانيون على بناء شبكة علاقات واسعة في المملكة لتسهيل تلزيمهم بالمشاريع العمرانية الكبيرة التي شهدتها المملكة.
ومن أبرز الشخصيات التي أسست أعمالها في المملكة وانتقلت إلى الشأن العام في لبنان: رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، ورئيس مجلس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، والعشرات من رجال السياسة والأعمال والإعلام اليوم في لبنان، ممن يقودون تيارات سياسية مختلفة، منها ما هو محسوب على السعودية، ومنها الآخر ما هو مناهض للسياسات السعودية. كما يملك عدد من النواب الحاليين في لبنان مؤسسات تعمل في مجال البناء في المملكة، ويلتزمون مشاريع بناء قواعد عسكرية وثكنات للجيش السعودي في مختلف مناطق المملكة، إلى جانب المشاريع ذات الطابع المدني، كمترو الرياض.
"كنا نبني بلداً كاملاً من الصفر"، يقول مستثمر ثانٍ فضّل عدم الكشف عن اسمه. أسس المستثمر مصنعاً للحديد بعد أن كفله صديقه السعودي. وما إن قرر الرجل التقاعد ونقل الاستثمار إلى أولاده، حتى استحوذ الكفيل على المصنع كاملاً بحجة مخالفة المستثمر اللبناني لشروط التوظيف والكفالة في السعودية. تركت العائلة خلفها جزءاً من حياتها في المملكة، وعادت إلى لبنان.
اقــرأ أيضاً
بعدها بسنوات عادت مئات العائلات اللبنانية التي أُبعدت من السعودية والإمارات والبحرين على دفعات، بعد أن بقي معظمهم في تلك الدول خلال الأزمة المالية العالمية إيماناً منهم بقدرة الاقتصادات المحلية على معاودة النهوض. وتميّزت موجات الإبعاد بطابعها الطائفي الصريح، واشتدت حدتها بين عامي 2013 و2015 عندما تلقت عشرات العائلات استدعاءات أمنية وتم ترحيل لبنانيين خلال 48 ساعة من دون منحهم الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم القانونية والمالية. وهو ما أدى إلى ملاحقة بعضهم من قبل "الانتربول" بسبب مستحقات للمصارف.
ومع تصاعد حدة الإجراءات السعودية ضد لبنان بحجة مشاركة "حزب الله" في زعزعة استقرار المملكة، تعود إلى الواجهة قائمة الاستثمارات اللبنانية والموظفين اللبنانيين في السعودية تحديداً، وفي باقي دول الخليج المتحالفة معها. تتفاوت التقديرات حول عدد اللبنانيين العاملين في السعودية بين 230 ألفاً و350 ألفاً، بينهم آلاف المستثمرين الذين يملكون مئات المؤسسات والشركات.
يُحوّل اللبنانيون العاملون في الخارج حوالي 4.5 مليارات دولار أميركي سنوياً، يساهم العاملون في دول الخليج وحدها بأكثر من نصفها. وهي عامل ثقة بالاقتصاد اللبناني ليس بسبب قيمتها السوقية المباشرة، وإنما بمساهمتها في زيادة الاحتياط المحلي من الدولار. وأي تهديد لهذه التحويلات من خلال المزيد من عمليات الإبعاد الجماعي، من شأنه أن يضر بالاقتصاد اللبناني المُترنح.
"كنا نبني بلداً كاملاً من الصفر"، يقول مستثمر ثانٍ فضّل عدم الكشف عن اسمه. أسس المستثمر مصنعاً للحديد بعد أن كفله صديقه السعودي. وما إن قرر الرجل التقاعد ونقل الاستثمار إلى أولاده، حتى استحوذ الكفيل على المصنع كاملاً بحجة مخالفة المستثمر اللبناني لشروط التوظيف والكفالة في السعودية. تركت العائلة خلفها جزءاً من حياتها في المملكة، وعادت إلى لبنان.
بعدها بسنوات عادت مئات العائلات اللبنانية التي أُبعدت من السعودية والإمارات والبحرين على دفعات، بعد أن بقي معظمهم في تلك الدول خلال الأزمة المالية العالمية إيماناً منهم بقدرة الاقتصادات المحلية على معاودة النهوض. وتميّزت موجات الإبعاد بطابعها الطائفي الصريح، واشتدت حدتها بين عامي 2013 و2015 عندما تلقت عشرات العائلات استدعاءات أمنية وتم ترحيل لبنانيين خلال 48 ساعة من دون منحهم الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم القانونية والمالية. وهو ما أدى إلى ملاحقة بعضهم من قبل "الانتربول" بسبب مستحقات للمصارف.
يُحوّل اللبنانيون العاملون في الخارج حوالي 4.5 مليارات دولار أميركي سنوياً، يساهم العاملون في دول الخليج وحدها بأكثر من نصفها. وهي عامل ثقة بالاقتصاد اللبناني ليس بسبب قيمتها السوقية المباشرة، وإنما بمساهمتها في زيادة الاحتياط المحلي من الدولار. وأي تهديد لهذه التحويلات من خلال المزيد من عمليات الإبعاد الجماعي، من شأنه أن يضر بالاقتصاد اللبناني المُترنح.