اللعب في الوقت الضائع

30 يوليو 2015
مبنى المصرف المركزي السوري في العاصمة دمشق (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
 أخيراً، تذكر المصرف المركزي في دمشق، أن هناك أداة نقدية تسمى "سعر الفائدة" يمكن المناورة خلالها لتوازن سعر الليرة السورية أمام العملات الرئيسية. فأصدر مجلس النقد والتسليف بسورية قراراً منح خلاله المصارف رفع الفوائد على الودائع لأجل "أكثر من سنة" إلى نسبة 20% وهامش حرية للمصارف برفع نسبة الفوائد بنسبة 10% عن النسبة المعمول بها حالياً، أي ربما تصل الفائدة المصرفية لنحو 27% وهو سابقة في علم النقد والمصارف.
المفاجأة، أن المصارف الخاصة العاملة بسورية، أو بصيغة أدق من بقيت تعمل، لم تعر لقرار المصرف المركزي أدنى أهمية ولم تعلن حتى عن أسعار الفائدة المصرفية الجديدة بعد عطاء المركزي، رغم -ربما- حاجتها الماسة لتحسين سيولتها التي ربما انعدمت بواقع توقف السلع والخدمات المصرفية خلال الحرب، واقتصار عمل معظم المصارف على المضاربة بالعملة من خلال شراء ما يضخه المصرف المركزي عبر جلسات التدخل المباشر من كتل دولارية بالسعر الرسمي أو المخفض، وتبيع بالسوق بأعلى من السعر المحدد للدولار، مستغلة تهافت السوريين لتبديل مدخراتهم ومستفيدة من الفارق بين الرسمي 283 ليرة للدولار وبين نحو 300 ليرة السعر في السوق السوداء.
بنظرة اقتصادية سريعة لطرفي المعادلة، يمكن الاستنتاج دونما عناء، أن لا مصلحة للمصارف لإعلان سعر الفائدة الجديد والعمل به، كما لا مصلحة لأي سوري ليودع أمواله في خزائن المصارف ولو كان سعر الفائدة بشكله مغرياً، لأن المصارف لن تستفيد من فائض السيولة لديها في واقع قرار "مركزي دمشق" بتوقف القروض منذ نحو عامين، كما لا توجد مطارح استثمارية في سورية يمكن تشغيل موجودات المصارف خلالها، حتى وإن وجدت وبصرف النظر عن عامل الأمان وهامش المخاطرة في بلد تشهد حرباً منذ أربع سنوات، فهل عائد تشغيل الأموال يمكن أن يدر على المصارف أرباحاً تزيد عن 27% خلال العام؟ مما يعني، لو جازفت المصارف ووقعت في فخ قرار المركزي، عجزها عن تسديد فوائد الإيداعات في واقع توقف القروض والاستثمار.
أما لجهة المواطن السوري، الذي لم يكترث هو الآخر بقرار المصرف المركزي، فعدا أن ثقته بالليرة السورية التي خسرت من سعرها نحو ستة أضعاف منذ بداية الثورة حتى اليوم، إذ لم يزد سعر صرف الدولار عن 50 ليرة في مارس/آذار 2011، فضلاً عن هذا، فهل بقي لدى السوريين، بعد الحصار والغلاء، أموال ليودعوها بالمصارف؟
هل يتوازى سعر الفائدة، ومهما ارتفع مع ما يمكن أن تخسره الليرة عبر سلسلة التضخم التي وصلت لما قبل الانهيار بقليل، ومن يضمن للسوريين استمرار نظام الأسد أو استمرار دعم طهران، لتبقى الليرة حتى على قيد التداول للعام المقبل وقت حصدهم غلال سعر الفائدة الجديد.
خلاصة القول: لو نظر مصدرو قرار رفع سعر الفائدة المصرفية إلى حجم القروض المتعثرة والتي هرب مقترضوها وحجم الخسائر التي منيت بها المصارف، وراجعوا قراراتهم بعدم السماح للمصارف الحكومية بالإقراض وتوقيف المنتجات المصرفية واقتصار العمل على تبديل العملة والبقاء قسراً ولدوافع سياسية أكثر منها اقتصادية، لفكّر جهابذة المصرف المركزي ومجلس النقد والتسليف بحل آخر يسحبون خلاله فائض السيولة من السوق السورية، من قبيل عدم طباعة عملة جديدة بروسيا دون أرصدة وإنتاج، هذا إن كانت هناك جدوى لأي قرار بعد خسارة كل مقومات قوة واستقرار النقد السوري، من تجارة وصناعة ونفط ونقد أجنبي.

المساهمون