توقفت المواجهات المسلحة على بعض الجبهات وفي بعض المناطق اليمنية، إلا أنّ آثارها ما زالت ظاهرة وتبعاتها قد تستمر عقوداً، لا سيّما أنّ الأهالي هناك يواجهون مخاطر قاتلة على خلفيّة آلاف الألغام التي زُرعت منذ أكثر من عام. وهو ما يمثّل هاجساً نفسياً وأمنياً بالنسبة إلى المواطنين وإلى جهات رسمية معنية بحماية المواطنين.
كثيرة هي العائلات التي عادت إلى بيوتها بعد نزوح، وتمنع أطفالها اليوم من اللعب في المساحات المفتوحة، إذ إنّ الحرب قد تكون خلّفت فيها ألغاماً وأجساماً لم تنفجر. وتعدّ الألغام الفردية والمضادة للمركبات من أكثر التهديدات التي تواجه جهود الإغاثة الإنسانيّة التي تستهدف مدينة تعز (جنوب) المحاصرة منذ نحو عام. فمنظمات إغاثية كثيرة ترفض التوجّه إلى المدينة وتقديم العون لأهاليها.
في اتجاه الشرق، أربكت الحرب حياة محمد عبيد أحد أبناء مأرب، لا سيّما مع انتشار الألغام في المنطقة التي يعيش فيها. فقد حُرم من التجوّل وكذلك من التوجّه إلى الأراضي التي اعتاد فيها رعي مواشيه منذ صغره. يقول لـ "العربي الجديد": "أصيب أحد أبناء المنطقة بجروح تسببت في بتر أحد أطرافه من جرّاء انفجار لغم فردي، بينما كان يتجوّل في منطقة مجاورة". ويشير إلى أنّ هذه الحادثة وغيرها "جعلتنا نحدّ من حركتنا كثيراً، ولم يعد في إمكاننا الرعي في مناطق امتلأت بالعشب. كذلك لم يعد المزارعون قادرين على الوصول إلى مزارعهم جنوب شرق القرية".
من جهته، خسر علي صالح البركاني رجله اليمنى التي بترت عقب انفجار لغم أرضي في محيط مطار مدينة عدن (جنوب) المدني، أثناء قيامه بنزع الألغام في تلك المنطقة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "هذه الحادثة غيّرت حياتي وحياة ابني محمد (19 عاماً) الذي خسر كذلك قدمه اليسرى من جرّاء لغم أرضي". وإذ يطالب البركاني الحكومة والمنظمات الدولية بالعمل على "تطهير عدن والمناطق اليمنية الأخرى من الألغام" يشير إلى أنّ "ضحايا الألغام خلال العام الماضي هم بالمئات، إلا أنّ حصرهم صعب بما أنّ حوادث كثيرة تقع في مناطق نائية وبعيدة عن وسائل الإعلام وأعين أجهزة الدولة".
في هذا الإطار، كانت "مؤسسة وثاق للتوجّه المدني" قد أشارت إلى عدم توفّر إحصائية دقيقة لعدد الألغام التي زرعت خلال الأشهر الماضية، لكنّها أكّدت أنّ المساحات المزروعة تشير إلى أنّ الأعداد كبيرة جداً، وربما "تفوق مائة ألف لغم ما بين ألغام محلية الصنع وأخرى خارجية الصنع". إلى ذلك، أفادت المؤسسة بأنّ "عدد الضحايا الموثّق هو 221 قتيلاً و226 جريحاً، مع العلم أنّ عدد الضحايا أكبر من هذا بكثير". وقد شدّدت على أنّ الضحايا بمعظمهم مدنيون لأنّ الألغام زرعت في شوارع عامة وأماكن سكنية وزراعية مأهولة وليست عسكرية. ويشير رئيس المؤسسة نجيب السعدي لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "آثار الألغام سوف تمتد لعقود مقبلة. فالألغام التي زرعت على سبيل المثال في ستينيات القرن الماضي في صعدة وأرحب والمناطق الوسطى، ما زالت حتى اليوم تحصد أرواح مدنيّين". ويقول إنّ هذه الألغام لا شكّ في أنّها "سوف تخلّف معوّقين كثيرين. معظم الألغام المنفجرة تتسبّب في بتر الأطراف. ولهذا الأمر آثار سلبيّة على الضحايا وعلى المجتمع عموماً".
في محاولة لمواجهة الكارثة، تسعى بعض المبادرات إلى توعية المواطنين حول مخاطر الألغام في بعض المحافظات. "الحملة الوطنية للتخلص من الألغام والمتفجرات" من تلك البرامج التي تنشط في محافظة مأرب. يقول رئيسها العامري سعيد العامري إنّ "هذه المبادرة تهدف إلى توعية المجتمع حول مخاطر الألغام ومخلفات الحرب عموماً، بالإضافة إلى حثّ الأهالي على التعاون مع الجهات المختصة عبر الإبلاغ عن تلك الأجسام وعدم تخزينها في المنازل أو المتاجرة بها". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أكثر من 35 منطقة في محافظة مأرب وحدها، ما زالت ملوّثة بالألغام. وذلك على الرغم من قيام الفرق الهندسية بنزع نحو 12 ألف لغم متنوّع وتفجير وإتلاف نحو خمسة آلاف و900 لغم (ألف و350 منها ألغام فردية) خلال خمسة أيام في فبراير/ شباط الماضي". لكنّ العامري يلفت إلى أنّ "الفرق الهندسية فشلت في إتلاف عدد كبير من الألغام لعدم توفّر الإمكانات والمعدّات اللازمة".
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة "هيومن رايتس ووتش" كانت قد استنكرت زرع ألغام ضدّ الأفراد محظورة دولياً في مناطق النزاع القائم في اليمن. وطالبت المنظمة بسرعة إزالتها من عدن وتعز والمناطق اليمنية الأخرى التي شهدت قتالاً، وتقديم تعويضات كافية ومساعدات ودعم للذين أصيبوا أو قتلوا في انفجار ألغام ولعائلاتهم، وكذلك لضحاياها الآخرين في اليمن. وتُعدّ الألغام مشكلة مزمنة في اليمن منذ ستينيات القرن المنصرم، إذ توالت عمليات زرعها في الحروب التي قامت في البلاد بمعظمها، ولم تُنزع إلا نسبة ضئيلة منها تحت إدارة برنامج وطنيّ تموّله الأمم المتحدة.
اقــرأ أيضاً
كثيرة هي العائلات التي عادت إلى بيوتها بعد نزوح، وتمنع أطفالها اليوم من اللعب في المساحات المفتوحة، إذ إنّ الحرب قد تكون خلّفت فيها ألغاماً وأجساماً لم تنفجر. وتعدّ الألغام الفردية والمضادة للمركبات من أكثر التهديدات التي تواجه جهود الإغاثة الإنسانيّة التي تستهدف مدينة تعز (جنوب) المحاصرة منذ نحو عام. فمنظمات إغاثية كثيرة ترفض التوجّه إلى المدينة وتقديم العون لأهاليها.
في اتجاه الشرق، أربكت الحرب حياة محمد عبيد أحد أبناء مأرب، لا سيّما مع انتشار الألغام في المنطقة التي يعيش فيها. فقد حُرم من التجوّل وكذلك من التوجّه إلى الأراضي التي اعتاد فيها رعي مواشيه منذ صغره. يقول لـ "العربي الجديد": "أصيب أحد أبناء المنطقة بجروح تسببت في بتر أحد أطرافه من جرّاء انفجار لغم فردي، بينما كان يتجوّل في منطقة مجاورة". ويشير إلى أنّ هذه الحادثة وغيرها "جعلتنا نحدّ من حركتنا كثيراً، ولم يعد في إمكاننا الرعي في مناطق امتلأت بالعشب. كذلك لم يعد المزارعون قادرين على الوصول إلى مزارعهم جنوب شرق القرية".
من جهته، خسر علي صالح البركاني رجله اليمنى التي بترت عقب انفجار لغم أرضي في محيط مطار مدينة عدن (جنوب) المدني، أثناء قيامه بنزع الألغام في تلك المنطقة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "هذه الحادثة غيّرت حياتي وحياة ابني محمد (19 عاماً) الذي خسر كذلك قدمه اليسرى من جرّاء لغم أرضي". وإذ يطالب البركاني الحكومة والمنظمات الدولية بالعمل على "تطهير عدن والمناطق اليمنية الأخرى من الألغام" يشير إلى أنّ "ضحايا الألغام خلال العام الماضي هم بالمئات، إلا أنّ حصرهم صعب بما أنّ حوادث كثيرة تقع في مناطق نائية وبعيدة عن وسائل الإعلام وأعين أجهزة الدولة".
في هذا الإطار، كانت "مؤسسة وثاق للتوجّه المدني" قد أشارت إلى عدم توفّر إحصائية دقيقة لعدد الألغام التي زرعت خلال الأشهر الماضية، لكنّها أكّدت أنّ المساحات المزروعة تشير إلى أنّ الأعداد كبيرة جداً، وربما "تفوق مائة ألف لغم ما بين ألغام محلية الصنع وأخرى خارجية الصنع". إلى ذلك، أفادت المؤسسة بأنّ "عدد الضحايا الموثّق هو 221 قتيلاً و226 جريحاً، مع العلم أنّ عدد الضحايا أكبر من هذا بكثير". وقد شدّدت على أنّ الضحايا بمعظمهم مدنيون لأنّ الألغام زرعت في شوارع عامة وأماكن سكنية وزراعية مأهولة وليست عسكرية. ويشير رئيس المؤسسة نجيب السعدي لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "آثار الألغام سوف تمتد لعقود مقبلة. فالألغام التي زرعت على سبيل المثال في ستينيات القرن الماضي في صعدة وأرحب والمناطق الوسطى، ما زالت حتى اليوم تحصد أرواح مدنيّين". ويقول إنّ هذه الألغام لا شكّ في أنّها "سوف تخلّف معوّقين كثيرين. معظم الألغام المنفجرة تتسبّب في بتر الأطراف. ولهذا الأمر آثار سلبيّة على الضحايا وعلى المجتمع عموماً".
في محاولة لمواجهة الكارثة، تسعى بعض المبادرات إلى توعية المواطنين حول مخاطر الألغام في بعض المحافظات. "الحملة الوطنية للتخلص من الألغام والمتفجرات" من تلك البرامج التي تنشط في محافظة مأرب. يقول رئيسها العامري سعيد العامري إنّ "هذه المبادرة تهدف إلى توعية المجتمع حول مخاطر الألغام ومخلفات الحرب عموماً، بالإضافة إلى حثّ الأهالي على التعاون مع الجهات المختصة عبر الإبلاغ عن تلك الأجسام وعدم تخزينها في المنازل أو المتاجرة بها". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أكثر من 35 منطقة في محافظة مأرب وحدها، ما زالت ملوّثة بالألغام. وذلك على الرغم من قيام الفرق الهندسية بنزع نحو 12 ألف لغم متنوّع وتفجير وإتلاف نحو خمسة آلاف و900 لغم (ألف و350 منها ألغام فردية) خلال خمسة أيام في فبراير/ شباط الماضي". لكنّ العامري يلفت إلى أنّ "الفرق الهندسية فشلت في إتلاف عدد كبير من الألغام لعدم توفّر الإمكانات والمعدّات اللازمة".
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة "هيومن رايتس ووتش" كانت قد استنكرت زرع ألغام ضدّ الأفراد محظورة دولياً في مناطق النزاع القائم في اليمن. وطالبت المنظمة بسرعة إزالتها من عدن وتعز والمناطق اليمنية الأخرى التي شهدت قتالاً، وتقديم تعويضات كافية ومساعدات ودعم للذين أصيبوا أو قتلوا في انفجار ألغام ولعائلاتهم، وكذلك لضحاياها الآخرين في اليمن. وتُعدّ الألغام مشكلة مزمنة في اليمن منذ ستينيات القرن المنصرم، إذ توالت عمليات زرعها في الحروب التي قامت في البلاد بمعظمها، ولم تُنزع إلا نسبة ضئيلة منها تحت إدارة برنامج وطنيّ تموّله الأمم المتحدة.