تودّع الليرة السورية عام 2018 بتراجع جديد أمام العملات الأجنبية الرئيسية، فيما يواصل معدل التضخم صعوده، الأمر الذي يزيد من الضغوط المعيشية مع تآكل مداخيل المواطنين.
ووصل سعر صرف الدولار إلى 505 ليرات، واليورو إلى 575 ليرة، بينما كان سعر الأميركية نهاية العام الماضي 2017 نحو 460 ليرة والعملة الأوروبية الموحدة نحو 542 يورو.
وبالتزامن مع تراجع سعر العملة السورية، طرح المصرف المركزي في دمشق، يوم الأربعاء الماضي، قطعاً نقدية معدنية جديدة من فئة 50 ليرة، ليتم تداولها بحلول العام الجديد 2019، بعدما طرح في 2018 فئة 2000 ليرة تحمل صورة بشار الأسد، كأعلى فئة نقدية بتاريخ العملة السورية.
وبرر المصرف عبر بيان، أن دافع هذه الخطوة هو الحرص على تأمين حاجات التداول من الأوراق النقدية والنقود المعدنية، وحاجة السوق المتزايدة من الفئات الصغيرة ولا سيما فئة 50 ليرة.
وقال المحلل الاقتصادي السوري علي الشامي، إن "تلف الفئات الصغيرة من العملة السورية، كالخمسين والمئة ليرة، هو أهم أسباب طرح الخمسين ليرة المعدنية، ولكن السؤال عن تغطية الفئات النقدية، إنتاجياً وخدمياً وأرصدة بالعملات الأجنبية، بعد تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي وشلل السياحة والتصدير وتبديد الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي، ما يعني مزيداً من التضخم رغم قلة الكمية المطروحة".
وحول احتمال طرح فئة نقدية من فئة 5 آلاف ليرة كما يشاع، أوضح الشامي في حديث لـ"العربي الجديد": "ليس مستبعداً أن يشهد عام 2019 طرح فئات نقدية ورقية كبيرة، أو طرح مزيد من فئة الألفي ليرة المطبوعة بروسيا منذ عام 2015، وخاصة إن استمر تراجع سعر صرف الليرة التي شهدت خلال الأشهر الأخيرة، تهاوياً أوصلها إلى أكثر من 500 ليرة للدولار".
وأشار إلى أن ارتفاع نسبة التضخم أكل مداخيل السوريين، بعد شبه تثبيت لأجورهم عند حد 35 ألف ليرة (69.3 دولاراً) مترافقاً مع ارتفاع بالأسعار 12 مرة عما كانت عليه عام 2011.
ويقدر محللون ماليون حجم الكتلة النقدية المطروحة بالليرة السورية اليوم، بنحو 650 مليار ليرة، بعد طباعة أوراق نقدية من فئة 500 ومن ثم 1000 وبعدها 2000 ليرة في روسيا الاتحادية، بعد اندلاع الثورة وفرض عقوبات أوروبية على النظام السوري، طاولت طباعة الأوراق النقدية.
وبلغت كتلة النقود بالعملة السورية عام 2018، قرابة ثلاثة أضعاف كتلة النقود الموجودة في عام 2010، في حين تراجع النشاط الاقتصادي الإنتاجي المعبر عنه بالناتج المحلي الإجمالي، بأكثر من 60%، وفق التقديرات الدولية.
وبدأت الليرة في التهاوي منذ 2011، إذ لم يزد سعر صرف الدولار في مارس/ آذار عن 45 ليرة، لكنه قفز إلى نحو 59 ليرة للدولار مطلع 2012 ونحو 300 ليرة نهاية 2013، قبل أن تتعافى العملة السورية في 2014 لنحو 220 ليرة مقابل الدولار، بينما عاودت التراجع في 2015 لتصل إلى 380 ليرة مقابل العملة الأميركية.
وسجل 2016 أسوأ عام على الإطلاق لليرة السورية، بعدما هوت إلى ما نحو 640 ليرة للدولار الواحد، غير أنها عاودت التحسن في 2017 لتغلق في ذلك العام على نحو 460 ليرة للدولار.
وأرجع محللون أسباب تراجع سعر صرف الليرة، بين اقتصادية وسياسية ونفسية، إذ أثرت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول العربية والاتحاد الأوروبي، على قطاعات النفط والتجارة، على حجم القطع الأجنبي بسورية، ما دفع نظام بشار الأسد، لمد اليد على الاحتياطي الأجنبي، ليتبدد من نحو 20 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 700 مليون دولار بحسب تقرير صندوق النقد الدولي العام الماضي.
بالمقابل، أثّر تراجع السياحة والصادرات والإنتاج المحلي، على حجم القطع الأجنبي، بالسوق والمصارف، حتى استيراد المستلزمات اليومية من الخارج زاد من الضغط على الليرة، لتأتي سياسات الحكومة، وتضيف عاملاً ضاغطاً آخر، عبر التمويل بالعجز وطباعة أوراق نقدية، فضلاً عن الإجراءات والقرارات المتخبطة، كالتدخل المباشر في بيع الدولار بالسوق، والسماح بإبدال الدولار من المصارف ثم إلغاء القرار.
وقد خلّفت الحرب ارتفاعاً مهولاً في أعداد الفقراء، ودماراً لحق بالخدمات الصحية والتعليمية، ودفعت ملايين السكان للنزوح الداخلي أو للهجرة إلى الخارج. وكان صندوق النقد الدولي قد ذكر في تقرير له منتصف 2016، أن إصلاح البنية التحتية المدمرة مهمة بالغة الصعوبة، مع ارتفاع تكاليف إعادة الإعمار التي تتراوح بحسب التقديرات بين 100 و200 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي لسورية في عام 2010.