منذ عصور غابرة، حاول الإنسان أن يكتشف الكون الذي يحيط به ويفهم ألغازه ويشرح تفاعلاته ويتوغل في أغواره حتى يبين أسراره ويستطيع تطويعه لخدمته وسد حاجاته المعيشية. فكان أول مفهوم لتفسير ما يحيط به قائماً على ما شاهد من حوله باستخدام حواسه ونظره.
فكان تفسير الظواهر الطبيعية ومفهوم تركيب المادة قائماً على اعتقاد ساد لدى فلاسفة الإغريق بأن جميع المادة التي تحيط بنا تتكوّن من أربعة عناصر أساسية، وهي "التراب" و"الماء" و"الهواء" و"النار". ولتفسير ظواهر طبيعية أخرى، عجزت عن تفسيرها العناصر الأربعة، أضافوا في ما بعد عنصراً خامساً وهو "الأثير".
وقد استمر هذا الاعتقاد لغاية اكتشاف العناصر الكيميائية في العصور الوسطى. وعلموا أن العناصر الكيميائية تتكون من مجموعة ذرات تترابط في ما بينها بروابط يمكن كسرها وإعادة ترتيبها ضمن مجموعة أخرى من خلال التفاعلات الكيميائية.
فكان تفسير الظواهر الطبيعية ومفهوم تركيب المادة قائماً على اعتقاد ساد لدى فلاسفة الإغريق بأن جميع المادة التي تحيط بنا تتكوّن من أربعة عناصر أساسية، وهي "التراب" و"الماء" و"الهواء" و"النار". ولتفسير ظواهر طبيعية أخرى، عجزت عن تفسيرها العناصر الأربعة، أضافوا في ما بعد عنصراً خامساً وهو "الأثير".
وقد استمر هذا الاعتقاد لغاية اكتشاف العناصر الكيميائية في العصور الوسطى. وعلموا أن العناصر الكيميائية تتكون من مجموعة ذرات تترابط في ما بينها بروابط يمكن كسرها وإعادة ترتيبها ضمن مجموعة أخرى من خلال التفاعلات الكيميائية.
وساد خلال هذه الفترة اعتقاد أن الذرّة هي أصغر شيء في الوجود ولا يمكنها أن تتجزأ إلى أصغر من ذلك. وسقط هذا المفهوم بعد اكتشافات أدت إلى بروز مفهوم جديد عن مكونات الذرة باحتوائها نواة مركزية تتكون من جسيمات موجبة الشحنة تسمى (البروتونات)، وأخرى متعادلة الشحنات تسمى (النيوترونات)، وتدور حولها إلكترونات (جسيمات ذات شحنة سالبة).
ومع تطور الاكتشافات، وجدوا أن تلك الجسيمات التي تشكل نواة الذرة تتكون بدورها من كواركات، أما الإلكترونات فتصنّف ضمن الجسيمات الأولية من الليبتونات. ويعتقد لغاية الساعة أن الكواركات واللبتونات هي الجسيمات الأساسية المكوّنة للمادة وأنها لا تتجزأ ولا تتكون من شيء.
ويتطلّب التقدم الكبير في الفيزياء إخضاع جانب من التفكير الفلسفي لإعادة النظر والتقييم، وأحيانا فتح مسارات جديدة للفكر. ولنأخذ مثالاً عن الفراغ، وهو من المواضيع الكبرى في الفيزياء الحديثة. فمنذ قديم الزمان إلى العصور الوسطى، استمر الجدال قائماً على وجود الفراغ من عدمه، حتى توصلوا إلى الوصفة المشهورة لروجي باكون: "الطبيعة لا تتحمّل الفراغ".
وقد أعتقدوا كثيراً بهذه الوصفة لغاية اعتبارها قوة من القوى الطبيعية التي تؤثر على المادة. فخلال القرون الوسطى، ساد الاعتقاد أن الماء مثله مثل السوائل الأخرى يتقلّص حجمه عندما يتجمّد. وبعبارة أخرى، يصبح حجمه أقل ممّا هو عليه، وهو سائل، ما جعلهم يفسّرون انكسار القارورة الزجاجية عند تجمده داخلها.
وفي محاولة لتلخيص مفهوم الفراغ، قال غاستون باشلار: "الفراغ عامل من عوامل الإبادة يجلب لأي مادة عدوى العدم".
وحالياً، يفسر الفراغ على أنه ما تبقى في إناء بعد نزع كل ما فيه، ولكن هذا التعريف يقود إلى إشكالية أخرى. لماذا؟. لأنه يعترف بوجود الفراغ، فهو ليس بعدم. فهو شيء خاص ومحيّر، وهو يبقى بعد إنجاز الفراغ. وبعبارة أخرى، لعمل الفراغ، يجب إزالة جميع المادة ولا يبقى منها شيء سوى هذا الفراغ. فما هو الفراغ من المنظور الحديث؟
(يتبع)