01 فبراير 2019
المثقفون المغاربة.. الفاعلية في الانتخابات
في سياق الاستحقاق السياسي المقبل في المغرب، والمتعلق بانتخاب مجلس النواب يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كان الرأي العام الوطني على موعد مع بيانين موجهين إلى عموم المواطنين من مثقفين وكتاب.
حمل الأول صيغة عريضة تدعو إلى "ترشيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي في المغرب"، مذيلة بتوقيعات ما يفوق سبعين شخصية، تضم مقاومين (محمد بنسعيد آيت يدر،..)، وقادة سابقين لأحزاب وطنية (محمد بوستة ومولاي إسماعيل العلوي،..)، وصحافيين، وتتشكل أساساً من مثقفين بخلفية يسارية غالبة. وسيصدر البيان الثاني بعد أيام، في صيغة رسالةٍ مفتوحةٍ موجهةٍ إلى الأمينة العامة الحزب الإشتراكي الموحد، نبيلة منيب، بنبرة للتنويه والتشجيع والدعم، موقعة من مئة شخصية أكاديمية ومدنية وحقوفية وفنية، منهم الأنثروبولوجي عبدالله حمودي والروائي والناقد محمد برادة والشاعر محمد بنيس.
جاءت عريضة الدعوة إلى ترشيد البناء الديمقراطي في نص طويل، يفتح مسالك كثيرة بشأن عناصر متعدّدة ومتداخلة من السياق السياسي المغربي، مأزق الإصلاح والتحديث (تفادى البيان كلمة الحداثة)، والحاجة إلى عقد وطني للإصلاح، أزمة إنتاح وإعادة إنتاج النخب، ظاهرة اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية، التباسات الديمقراطية والليبرالية السياسية، جدليات المسألة الوطنية والديمقراطية.
في النهاية، وبعد جهد في طرح الإشكاليات "العالمة"، وفي طرح أسئلة عامة ذات هواجس، نظرية في بعض جوانبها، يخلص الموقعون إلى أربع توصيات جد متواضعة، قياسا مع مقدماتها:
تنقية العمليات الانتخابية من الشوائب التي أفسدتها، في مراحل سابقة، ونالت من صدقيتها، ومنها الاستخدام غير المشروع للمال السياسي للتأثير على خيارات الناخبين. تحرير المنافسة الانتخابية من أمراض الشعبوية، ومن التجييش المناطقي والفئوي، وإقامتها على مبدأ المواطنة، وعلى برامج اجتماعية، اقتصادية، ثقافية. تقديم قوائم مرشّحين في مستوى المسؤولية السياسية والأدبية. رفع مستوى الأداء الانتخابي، بما فيه مستوى الخطاب السياسي والتخاطب العام.
في مقابل ذلك، وبلغة أقل تكلفاً، وأكثر حرصاً على "الرسالة"، يعتبر الموقعون على البيان الثاني أن التجربة الانتخابية لفيدرالية اليسار الديمقراطي يجب أن تفضي إلى بروز قوةٍ سياسيةٍ جديدةٍ (خيار ثالث)، لا تجعل المواطنين موزّعين بين المطرقة والسندان، بين خيار الإصلاح بأدوات الفساد وخيار الاستمرارية المؤدية إلى الانفجار، أي بين الخط الذي يعتبر أن الإصلاح ممكن من دون رافعة تنويرية، وبمجاملة الفاسدين، وخط الحداثة المبتورة، والسطحية التي تبرّر السلطوية، بذريعة مواجهة خطر الأصولية.
في هذه الرسالة، يلاحظ الموقعون "أن المغاربة لم يستسلموا للأمر الواقع، وأن فئاتٍ واسعةً من الشبيبة والجماهير المغربية تخوض نضالاتٍ متنوعةً، دفاعًا عن الكرامة والعدالة الاجتماعية والإنصاف، ورفضًا لمختلف صور التهميش والإقصاء، في ظل روح مقدامةٍ ومبدعة. تحتاج الحركات الاجتماعية والتعبيرات السياسية الجديدة، في نظرنا، إلى امتدادٍ مؤسسيٍّ، حتى يتوفر لها مزيد من فرص التقدم والتأثير". ولذلك، فهم "يدعون إلى مساهمة القوى الحية والنيرة والمخلصة في ترقية وتجويد النقاش الوطني العام، بمناسبة اقتراع 7 أكتوبر، وبلورة البرامج التي تمنح المغاربة الحقّ في تدبير بلادهم، وفق اختيارات اقتصادية واجتماعية بديلة، تضع الإنسان في مركز الصدارة، وتجعل الشخصية المغربية متفاعلةً إيجابياً مع محيطها الإنساني".
يعيد البيانان طرح أسئلةٍ لا تنتهي بشأن علاقات السياسي بالثقافي، لكنهما يشيران كذلك، من حيث طبيعة تلقيهما، إلى مستوى النقاش العام في المغرب، والذي يستمر في التردّي والضحالة، بشكلٍ لا يسمح بتاتاً بالتفاعل مع مثل هذه الدعوات، وهو الأسير داخل سطوة "اليومي"، وردود الفعل السريعة، ذات النفس القصير.
بعيداً عما تبقى من تقاليد البيانات والعرائض الجماعية، وهي ممارسة ثقافية راسخة في تاريخ العمل الثقافي والسياسي في المغرب، وكذا عن أفول العناوين الكبرى في الفعل الثقافي الجماعي (مثل اتحاد كتاب المغرب/ الملاحق الثقافية للصحف الحزبية/ المجلات الفكرية الملتزمة)، يوقع كثيرون من مثقفينا على صيغ جديدة للحضور العمومي، سواء بالكتابة أو عبر التدوين اليومي داخل فضاءات التواصل الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة لمحمد الناجي، لطيفة البوحسيني، المحيفيظ محمد، مصطفى يحياوي، عز الدين بونيت.
يُراد لذلك كله في سياق سياسي/ انتخابي أن يهيكل قسرياً، في صيغة احتراب وتقاطب مصطنع، حول قضايا أيديولوجية (الأخونة، الحداثة، الهوية ..)، لكن، بشكل مفارق، بدون أفكار، ولا نقاش، ولا عمق، حيث رهانات السلطة والمصالح والمواقع، وتكاد الهشاشة الفكرية لغالبية المرجعيات الفكرية للتعدّدية الحزبية تجعل الصراع السياسي يعود إلى حالته البدائية الأولى. وهو ما يجعل صوت "المثقف" غريباً وسط حالة الصراخ المعمّم، ومغامرة وسط حالة التصنيفات السهلة.
حمل الأول صيغة عريضة تدعو إلى "ترشيد البناء الديمقراطي والمؤسساتي في المغرب"، مذيلة بتوقيعات ما يفوق سبعين شخصية، تضم مقاومين (محمد بنسعيد آيت يدر،..)، وقادة سابقين لأحزاب وطنية (محمد بوستة ومولاي إسماعيل العلوي،..)، وصحافيين، وتتشكل أساساً من مثقفين بخلفية يسارية غالبة. وسيصدر البيان الثاني بعد أيام، في صيغة رسالةٍ مفتوحةٍ موجهةٍ إلى الأمينة العامة الحزب الإشتراكي الموحد، نبيلة منيب، بنبرة للتنويه والتشجيع والدعم، موقعة من مئة شخصية أكاديمية ومدنية وحقوفية وفنية، منهم الأنثروبولوجي عبدالله حمودي والروائي والناقد محمد برادة والشاعر محمد بنيس.
جاءت عريضة الدعوة إلى ترشيد البناء الديمقراطي في نص طويل، يفتح مسالك كثيرة بشأن عناصر متعدّدة ومتداخلة من السياق السياسي المغربي، مأزق الإصلاح والتحديث (تفادى البيان كلمة الحداثة)، والحاجة إلى عقد وطني للإصلاح، أزمة إنتاح وإعادة إنتاج النخب، ظاهرة اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية، التباسات الديمقراطية والليبرالية السياسية، جدليات المسألة الوطنية والديمقراطية.
في النهاية، وبعد جهد في طرح الإشكاليات "العالمة"، وفي طرح أسئلة عامة ذات هواجس، نظرية في بعض جوانبها، يخلص الموقعون إلى أربع توصيات جد متواضعة، قياسا مع مقدماتها:
تنقية العمليات الانتخابية من الشوائب التي أفسدتها، في مراحل سابقة، ونالت من صدقيتها، ومنها الاستخدام غير المشروع للمال السياسي للتأثير على خيارات الناخبين. تحرير المنافسة الانتخابية من أمراض الشعبوية، ومن التجييش المناطقي والفئوي، وإقامتها على مبدأ المواطنة، وعلى برامج اجتماعية، اقتصادية، ثقافية. تقديم قوائم مرشّحين في مستوى المسؤولية السياسية والأدبية. رفع مستوى الأداء الانتخابي، بما فيه مستوى الخطاب السياسي والتخاطب العام.
في مقابل ذلك، وبلغة أقل تكلفاً، وأكثر حرصاً على "الرسالة"، يعتبر الموقعون على البيان الثاني أن التجربة الانتخابية لفيدرالية اليسار الديمقراطي يجب أن تفضي إلى بروز قوةٍ سياسيةٍ جديدةٍ (خيار ثالث)، لا تجعل المواطنين موزّعين بين المطرقة والسندان، بين خيار الإصلاح بأدوات الفساد وخيار الاستمرارية المؤدية إلى الانفجار، أي بين الخط الذي يعتبر أن الإصلاح ممكن من دون رافعة تنويرية، وبمجاملة الفاسدين، وخط الحداثة المبتورة، والسطحية التي تبرّر السلطوية، بذريعة مواجهة خطر الأصولية.
في هذه الرسالة، يلاحظ الموقعون "أن المغاربة لم يستسلموا للأمر الواقع، وأن فئاتٍ واسعةً من الشبيبة والجماهير المغربية تخوض نضالاتٍ متنوعةً، دفاعًا عن الكرامة والعدالة الاجتماعية والإنصاف، ورفضًا لمختلف صور التهميش والإقصاء، في ظل روح مقدامةٍ ومبدعة. تحتاج الحركات الاجتماعية والتعبيرات السياسية الجديدة، في نظرنا، إلى امتدادٍ مؤسسيٍّ، حتى يتوفر لها مزيد من فرص التقدم والتأثير". ولذلك، فهم "يدعون إلى مساهمة القوى الحية والنيرة والمخلصة في ترقية وتجويد النقاش الوطني العام، بمناسبة اقتراع 7 أكتوبر، وبلورة البرامج التي تمنح المغاربة الحقّ في تدبير بلادهم، وفق اختيارات اقتصادية واجتماعية بديلة، تضع الإنسان في مركز الصدارة، وتجعل الشخصية المغربية متفاعلةً إيجابياً مع محيطها الإنساني".
يعيد البيانان طرح أسئلةٍ لا تنتهي بشأن علاقات السياسي بالثقافي، لكنهما يشيران كذلك، من حيث طبيعة تلقيهما، إلى مستوى النقاش العام في المغرب، والذي يستمر في التردّي والضحالة، بشكلٍ لا يسمح بتاتاً بالتفاعل مع مثل هذه الدعوات، وهو الأسير داخل سطوة "اليومي"، وردود الفعل السريعة، ذات النفس القصير.
بعيداً عما تبقى من تقاليد البيانات والعرائض الجماعية، وهي ممارسة ثقافية راسخة في تاريخ العمل الثقافي والسياسي في المغرب، وكذا عن أفول العناوين الكبرى في الفعل الثقافي الجماعي (مثل اتحاد كتاب المغرب/ الملاحق الثقافية للصحف الحزبية/ المجلات الفكرية الملتزمة)، يوقع كثيرون من مثقفينا على صيغ جديدة للحضور العمومي، سواء بالكتابة أو عبر التدوين اليومي داخل فضاءات التواصل الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة لمحمد الناجي، لطيفة البوحسيني، المحيفيظ محمد، مصطفى يحياوي، عز الدين بونيت.
يُراد لذلك كله في سياق سياسي/ انتخابي أن يهيكل قسرياً، في صيغة احتراب وتقاطب مصطنع، حول قضايا أيديولوجية (الأخونة، الحداثة، الهوية ..)، لكن، بشكل مفارق، بدون أفكار، ولا نقاش، ولا عمق، حيث رهانات السلطة والمصالح والمواقع، وتكاد الهشاشة الفكرية لغالبية المرجعيات الفكرية للتعدّدية الحزبية تجعل الصراع السياسي يعود إلى حالته البدائية الأولى. وهو ما يجعل صوت "المثقف" غريباً وسط حالة الصراخ المعمّم، ومغامرة وسط حالة التصنيفات السهلة.