ثماني لوحاتٍ حروفية، تنوّع على الآية القرآنية "الله نور السماوات والأرض"، أصدرها "المحترف السعودي" على شكل تقويمٍ بمناسبة العام الجديد. تتشكّل اللوحات من حروف طباعية، وليس من خطوط يدوية؛ أي من الحروف المصممة والمرسومة خصّيصاً لصف النصوص في الحاسوب، كما يحدث عند صف نص لكتاب أو مقال. وبالتالي، فإن هذه اللوحات الفنّية، وعلى عكس المعهود، لم تضعها ريشة خطّاط.
للمحترف باعٌ طويل مع التقاويم السنوية، والواقع أن أول تصاميمه كانت تقاويم صدرت عنه مطلع الثمانينيات، وكان قوامها مجموعة من الآيات القرآنية في تعاون مشترك بين الفنان المصري حلمي التوني، ومؤسس المحترف كميل حوّا.
اختبر المحترف، عبر تجربته، الشيء الكثير في تقاويمه، فأصدر روزنامات تتمحور حول الخط العربي والتصوير الفوتوغرافي وغيرهما من المواضيع. وإضافة إلى كميل حوّا، ضم طاقم المصممين الخطوطيين في المحترف الفنان مأمون أحمد وعمر الصبير، وغالبًا تمحورت الأعمال الخطوطية حول فكرة الحرف كما تنتجه الحركة الحرة لليد.
لم يعتمد المحترف على خطاطين بالمعنى التقليدي للكلمة، رغم أن الأعمال جاءت أحيانًا وكأنها كذلك. في هذا السياق، نذكر شعار سوق عكاظ الذي صممه حوّا، والذي خاله الكثيرون استعادةً للخط اليابس (أحد أول الخطوط العربية)، في ما كان المبدأ استعادة الروح العربية في بداية نهضتها على بساطتها الهندسية.
كان لا بد للخط العربي أن ينال حصته مع تقاويم المحترف؛ لأن المحترف اختص منذ نهاية الثمانينيات بتصميم الخطوط الطباعية العربية، فضلًا عن إشراكه الخط العربي كعنصر رئيس في أعماله التصميمية، أكانت شعارات أو ملصقات أو أغلفة كتب أو غيرها.
الجديد في هذا التقويم أنه الأول في مسيرة المحترف، وعلى الأرجح في العالم العربي كذلك، الذي يعتمد على الحرف الطباعي المصمم على الحاسوب، لا على الخط العربي المرسوم باليد.
المسألة مثيرة للاهتمام؛ لأن الخط الطباعي العربي قد أثبت جدارته بالفعل في سياقاتٍ تصميمية عملية؛ بدأ بطبيعة الحال كبديل عن نظيره اليدوي في تنضيد النصوص.
وبنهاية القرن العشرين، كان قد حل مكان الخط العربي في عناوين الصحف أيضًا، ثم على أغلفة الكتب وشعارات الشركات، إلا أن فكرة توظيف الخط الطباعي العربي كعنصر جوهري وحيد يقوم عليه عمل فني ما بقيت مستبعدة. هذا التقويم يمثل اختبارًا في تلك الفكرة تحديدًا؛ إلى أي مدى نستطيع نحن كمصممين أن نخلق تقويمًا تكون لوحاته تيبوغرافية بحتة؟
يتألف التقويم من ثمانية أعمال، لا 12؛ لأن كل عملٍ وُضع ليمثل شهرين معًا، إضافة إلى عملٍ منفصل كُرّس للغلاف ولصفحة البداية. تتفاوت الأعمال كثيرًا بحسب "الفونت" (الخط الطباعي) المعتمد.
الغلاف مثلًا وصفحتي تموز/ يوليو- آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر – تشرين الأول/ أكتوبر؛ قامت على فونتات "ميدان" و"ميّاس" و"يويو" (بهذا الترتيب)، وهي جميعها دقيقة انسيابية. إذ إن "ميدان" معدّ للقراءة، بينما "ميّاس" و"يويو" مستوحيان من النبات والزخارف؛ ما أدى إلى معالجات هي الأخرى دقيقة وانسيابية.
من جهة أخرى، قامت صفحتا أيار/ مايو – حزيران/ يونيو وتشرين الثاني/ نوفمبر – كانون الأول/ ديسمبر على فونتي "الميم" و"عكاظ"، المستوحيين من الخطين الكوفي واليابس، وكلاهما هندسي صارم، ما يعكس تصاميم تجريدية صلبة.
صفحة كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير مثلت استثناءً إلى حد ما، إذ إنها قامت على فونت "نمير"، الذي صممه المحترف لينسجم مع فونت "يونيفرس" اللاتيني؛ أي أنه خطّ معد بدقة للقراءة وإن لم يكن مستوحى من خط اليد، غير أن معالجته جاءت بشكلٍ تضخيمي مركزي، ما أوحى بأنه فونت هندسي بحت.
لا بد من الإشارة إلى عنوان التقويم، ألا وهو آية "الله نور السماوات والأرض" القرآنية التي نُضدت بالفونتات الثمانية جميعها وكانت الأساس النصي للتصاميم. المعنى النصي متناغم مع الفكرة التصميمية الشاملة؛ لأن اللوحات الثمانية تقوم على الأسود والأبيض والتدرجات الرمادية إجمالًا، ما يستحضر فكرة النور والظلال وثنائية السماء والأرض.
إضافة إلى ذلك، من الممكن قراءة التقويم على أنه دعوة لإخراج النصوص القرآنية من دائرة الخط العربي وإلى الخط الطباعي، فمن شبه البديهي أن يتم إجراء تجربة تصميمية كهذه على نصٍّ دنيوي، غير أن اختيار نصٍّ ديني يشكّل عنصر مفاجأة في هذا السياق.
يتجاوز هذا التقويم نطاق المتعة البصرية البحتة نتيجة طباعته المتقنة ونوعية الورق المستخدم؛ فمن الممكن استكشافه أيضًا بالأنامل. ورقيًا، من الممكن ملاحظة نوعين من الأوراق، أولهما رقيق أبيض مستخدم للمعلومات المكتوبة (الأشهر والأيام والتواريخ)، وثانيهما سميك يتضمن الأعمال التصميمية.
أما طباعيًا، اعتُمدت طبقات عدة من أصبغة البانتون المعدنية فضلًا عن معالجة الأشعة ما فوق البنفسجية والضغط الطباعي التقليدي embossing بغية الحصول على تعددية في المستويات.
غالبًا ما كانت كلمة "الله" هي العنصر الذي يحظى بمعالجة طبقية، وفي صفحة يناير - فبراير جاءت هذه المعالجة جنبًا إلى جنب مع خطوط تماثل التموجات، ما يوحي للمشاهد أنه ينظر إلى التكوين من أعلى؛ بينما اعتمدت المعالجة الطبقية لعبارة "نور السماوات والأرض" في صفحة يوليو - أغسطس، وذلك لكي تُحدث نوعًا من التوازن ما بينها وبين كلمة "الله"، التي لم تحظ بأية معالجة طبقية، إنما التي تحتل المساحة الأكبر من الصفحة.